تروي النصيرة ام علي (فاطمة صادق السلمان) عن زوجها الفقيد كاظم جعفر تقي السلمان (ابو علي السراج)، والتي رافقته فترة المشاركة والتواجد في الحياة الانصارية، متذكرة باعتزاز وفخر تلك التجربة الفريدة، وتعتقد بانها فترة قصيرة زمنيا، لكنها تتميز بثراء نوعي لافت، وتضيف بان الفقيد إلتحق مكلفا بمهام تقنية صرفة تتعلق بتاسيس ورشة سراجة، لكن ذلك لم يمنعنا من المساهمة في كل الفعاليات المتعلقة بالنشاط الانصاري.

ولد الفقيد في بغداد يوم 3 تموز 1953، وفيها اكمل مرحلة التعليم الابتدائي وبعدما اجتاز الثالث المتوسط، توجه للدراسة المهنية وفيها اتقن حرفة النجارة، وعمل نجارا في مشروع الاسحاقي في الدجيل، إضافة الى عمله في ورشة لصناعة وبيع الأحذية، تملكها العائلة، برفقة الاب والاخ الأكبر، وبقية الاخوة الاصغر سنا، حيث يتعلمون ويمارسون المهنة بالوراثة. وكان لهذه النشأة الاجتماعية وبالاحتكاك مع الشغيلة والحرفيين، والميل اليساري للعائلة، حافزا له للانحياز للعدالة الاجتماعية والدفاع عن حقوق الكادحين وقد جسد ذلك بالانتماء للحزب الشيوعي العراقي في سنوات عمره المبكرة.

وكان شابا نبها، ذكيا، وعلى الرغم من تعليمه المدرسي المحدود، فانه يعشق المسرح والشعر والشعر الشعبي خصوصا، ومولعا بالسينما، كما كان رياضيا يهوى كرة القدم والملاكمة والمصارعة.

تعرض للهجرة القسرية الى ايران في آيار1980، تاركا زوجة في مقتبل العمر، وابنا لم يتجاوز عمره سبعون يوما في بغداد، وقد سبب هذا الافتراق الاجباري المقترن باوضاع سياسية واجتماعية بالغة القسوة والتعقيد الى انهيار العلاقة الزوجية الأولى. وبعد ترتيب أوضاعه المعيشية وإعادة صلته بالحزب، واستقراره في مدينة طهران، تزوج ثانية عام 1981 من ابنة عمه (فاطمة صادق السلمان) المقيمة في مدينة طهران مع عائلتها، وهم أيضا ضحايا الهجرة القسرية التي اقترفها النظام الدكتاتوري بحق ألوف العراقيين وخصوصا الكرد الفيلية.

في خريف عام 1981، وحيث لم يمض على زواجهما سوى بضعة شهور، إلتحق كاظم جعفر وزوجته فاطمة صادق الى صفوف انصار الحزب الشيوعي العراقي في قاعدة ناوزنك التي كانت تضم مقرا للمكتب العسكري المركزي لقوات الأنصار. وكانت النية وقتها تتجه الى انشاء ورشة سراجة لصناعة جعبات العتاد والاحزمة الحاملة لها... الخ، وكان الرفيق الراحل ابوعامل (سليمان يوسف اسطيفان) من اشد المتحمسين لمشروع الورشة، وقد تمت فعليا، وباشرت بالإنتاج، بجهود الرفيقين ابوعلي السراج وابوليلى السراج، وخصص لها مبنى ملحقا بأحد الفصائل الانصارية، مجهزا بكافة العدد والمكائن اللازمة، ويقع في احدى طيات الوادي الصاعد الى القمة التي يتموضع فيها فصيل الدوشكا.

ولم يقتصر عمله على ورشة السراجة فقط، بل شارك في المفارز الانصارية ونقل البريد، وكان ابوعلي السراج وام علي ضمن مفرزة انصارية ـ إعلامية استطلاعية ـ تحركت الى قرى شارباجير وشهرزور، واستغرقت 70 يوما، بقيادة بهاء الدين نوري الذي كان يشغل موقعا قياديا في الحزب الشيوعي العراقي حتى ذلك الوقت. وكانت المفرزة تمرينا اوليا للشابات والشبان القادمين توا من أجواء المدينة نحو ظروف الجبل القاسية. وكان في قوام المفرزة عددا كبيرا من النصيرات، وهي تجربة انفرد بها الحزب الشيوعي العراقي في ميدان الكفاح المسلح، كما ضمت المفرزة عددا من الكتاب والفنانين والإعلاميين.

تتحدث النصيرة ام علي عن ان زوجها النصير ابوعلي السراج ساءت أوضاعه الصحية خلال الأيام الأولى للتجوال بين القرى والقصبات الكردستانية، مما اضطر قيادة المفرزة الى ارجاعه الى مقرنا في ناوزنك، بينما واصلت انا مع رفيقاتي ورفاقي الأنصار انجاز المهمات التي انيطت بمفرزتنا للفترة الممتدة من 7ـ1ـ 1982 ولغاية 21ـ3ـ1982 حيث احتفلنا بعيد نوروز، وكنا نستعد للاحتفال بالذكرى 48 لتاسيس الحزب الشيوعي العراقي الذي أقيم في نوكان قريبا من مقر الإدارة الذي كان يديره الرفيق أبوبسيم (مكي حسين)، والرفيقة ام بسيم (انوار)، والرفيق ابو كوثر (محمد جميل) والرفيق الفقيد سيد باقي واخرون لا اتذكرهم، وهنا تجدر الإشارة الى ان المفرزة تمكنت من توفير ادوية ومعدات طبية كان الأنصار في امس الحاجة لها.

وبعد مضي ما يقارب السنة الواحدة من النشاط الانصاري في كردستان، اضطر للعودة مرة أخرى الى طهران، لحاجة العائلة الملحة لجهوده في تامين وسائل العيش الضرورية لهم. لكنه تواصل مع رفاقه بطريقة أخرى، اذ حول مكان اقامته في مدينة طهران الى محطة لاستقبال وضيافة الرفاق الذاهبين والعائدين من والى كردستان، ومساعدتهم في توفير الأوراق اللازمة لمرورهم في الأراضي الإيرانية، بالإضافة الى الترجمة، المرافقة للعيادات الطبية، الحصول على وثائق سفر، الخ من الاحتياجات اليومية التي تؤمن السلامة الأمنية للرفاق عابري المدينة من والى كردستان العراق.

ومن المعروف بان حجم التواجد العراقي في ايران خلال الثمانينات كان كبيرا جدا، وكان بين صفوفهم عشرات الشيوعيين في مدينة طهران وحدها، الذين  نظموا علاقتهم الحزبية بشكل سري، وبدعم وتغطية الحزب الديمقراطي الكردستاني والحزب الاشتراكي الكردستاني العراقي، وبسبب من أهمية المنظمة ودورها في تسهيل عمل فصائل الأنصار وتوفير احتياجاتها، تناوب على قيادتها الرفيقان عادل حبة و جاسم الحلوائي (أبو شروق).

كان الرفيقان ام علي وابوعلي السراج يسكنان في قلب المدينة، في حي لايبعد سوى عشر دقائق عن (كوجة مروي)، السوق الذي يعمل ويعيش فيه اكبر تجمع للعراقيين المهجرين المقيمين في طهران.

تواصل ام علي الحديث عن الحياة الانصارية، كان مقر فصيلنا يتكون من بنايتين بينهما حوالي عشرة امتار، تضم البناية الأولى قاعتين واحدة للرفيقات وأخرى للرفاق، إضافة الى سقيفة للطبخ والتنور وغرفة صغيرة للمواد التموينية، وكنا عشر رفيقات وهم كل من هدى ولينا وسوزان ووفاء والخوشكة فرشتة ـ شقيقة الشاعر والمناضل الشيوعي احمد دلزار ـ، وام حازم والشهيدة ام ذكرى، واخريات...، وفي مواقع المسؤولية كانت ام حازم المستشار السياسي للفصيل، والنصيرة هدى امر حضيرة الرفيقات. اما البناية الثانية فقد كانت تضم غرفة للسجناء وأخرى تشغلها مجموعة الأنصار المكلفين بحراسة السجن إضافة الى غرفة لورشة السراجة. وفي هذا المقر احتفلنا بزواج النصيرين وفاء وابو زينب.

وكان مما يثري حياتنا في الجبل الاماسي الفنية الغنائية، والشعرية والجلسات الثقافية والسياسية، وقد اتاحت لي هذه التجربة التعرف على الشاعر عواد ناصر، والفنان والملحن كوكب حمزة، والفنان حمودي شربه، والفنان مكي حسين والفنانة المسرحية انوار وعشرات غيرهم، الذين الهمني التواجد بينهم حب الحياة والثقة بالنفس والنضال من اجل حياة تليق بكرامة الانسان وبحريته، وبالعدل الاجتماعي.