في منتصف الشهر السابع من عام ١٩٨٣ وبعد العودة إلى الوطن من الحدود الايرانية التي انسحبنا إليها بعد أحداث بشتاشان، كان همنا الأول أن نجد موقعا بديلا لكي نبدأ مرة اخرى ونخط من جديد طريق النضال ونحن مازلنا في بداية المسيرة. كنا مجموعة من الأنصار نسير في الجبال والوديان نبحث عن ذاتنا المشردة، كانت مفرزتنا كبيرة بقياس مفارز البيشمركه وخليط من الرفاق والرفيقات. نحث الخطى باتجاه الوطن، نتوقف احيانا لكي نرتوي من مياه العيون النابعة من قلب جبال كردستان، ونكسب شيئا من الراحة بعد ساعات طويلة. لقد سبقنا بعض الرفاق بأيام قليلة كانوا قد استطلعوا الأماكن حيث وقع الاختيار على موقع يجاور الجبل من جهة، ومن الجهة الأخرى يقع على مقربة من الروبار (النهر) من الأسفل، وعلى يمين الموقع توجد الأشجار الجبلية حيث كنا بعض الأحيان نجلس وسط هذه الأشجار لنقضي بعض الوقت من أجل كسب الراحة بعد يوم مليء بالنشاط والعمل. وكان هذا الموقع الجديد هو ما سمي فيما بعد بـ(فصيل دراو) .

كنا مجموعة رائعة من الشباب قلّ نظيرها، من حيث الاندفاع والحماس والرغبة بالعمل وبدء المسيرة من جديد، وكذلك كان الانسجام والتعاون والاحترام هو السائد بين الرفاق. اتذكر منهم: (ابو عشتار، وابو هادي، وابو صطيف، وليلى، وابو محمد روماني، وابو محمد يماني، وابو تانيا، وابو حسين، وابو زويا، وابو حمدان، وسعيد عرب، وابو قاسم)، وغيرهم الكثير من الرفاق. وكان على رأس هذه المجموعة هو الرفيق (ماموستا هژار) حيث كان أمرا للفصيل، وكان يتمتع بالاحترام من الجميع وذلك لقدرته على إدارة عمل الفصيل بحيوية وحنكة القائد الأنصاري. كنا كخلية نحل نتعاون ونعمل من أجل ان يتواصل العمل والاستمرار بمسيرة النضال. تم في البداية بناء الكبرات، وهي عبارة عن غرف من أغصان الأشجار نستخدمها في فصل الصيف، وفي نفس الوقت كنا بدأنا في التحضير لبناء موقعا للفصيل بشكل ثابت لاستقبال الشتاء القارص. لم تكن الأمور بهذه البساطة، فالجميع يعرف اننا جئنا لهذه المواقع الجديدة بعد نكسة بشتاشان والخسارة الكبيرة التي تعرضنا لها في مختلف المجالات، حيث تميز موقعنا الجديد بالفقر وقلة المواد الغذائية، وقد مرت بنا ظروف استثنائية عانينا فيها من الجوع وشظف العيش، كنا نفطر خبزا وشايا، ونتغدى شايا وخبز. واستمر الحال طويلا إلى أن برزت فكرة البحث عن مصادر جديدة للحصول على الغذاء، حيث برزت فكرة تشكيل مفرزة تتجول في المناطق القريبة من موقعنا لشراء ما يمكن أن يؤمن لنا الغذاء والطعام. وفعلا جرى تشكيل مثل هذه المفرزة والتي جابت مجموعة كبيرة من القرى الكردستانية باحثين عن الطعام والشاي والسكر والطحين، واستطعنا خلال جولتين أن نؤمن كمية لابأس بها من الطعام والمؤن.

ومن موقع هذا الفصيل انطلقت اول مفرزة لاعادة تسليح الفصائل الانصارية، حيث تشكلت مفرزة من مجموعة رفاق اخذت على عاتقها  أنبل واخطر مهمة وهي المسير عبر الجبال والوديان وعبور الانهر من أجل الوصول إلى قاعدة الأنصار في بهدينان ومن أجل نقل السلاح إلى المواقع الجديدة في (دراو، و لولان، وفصيل الإعلام)، وكان في هذه المفرزة مجموعة من خيرة الأنصار ( ابو رائد الشايب، ابو هادي، ابو مصطفى، أبو عباس، ابو انصار، وابو مكسيم) حيث استطاع هؤلاء الرفاق من الذهاب إلى بهدينان والعودة بالسلاح ثلاث مرات في الشهر الواحد، إضافة إلى أن هذه المفرزة أصبحت ناقلة لكثير من الرفاق والرفيقات باتجاه قاطع بهدينان والعودة بالسلاح وببعض الدماء الجديدة من الانصار الجدد الذين دخلوا لمواصلة المسيرة الكفاحية بعد أن خرج المئات من الأنصار بعد انتكاسة بشتاشان.

وفي فصيلنا الرائع فصيل (دراو) كان موجودا رفيقنا الراحل الدكتور ابو تانيا حيث رفد الفصيل بامكانياته العلمية والطبية إضافة إلى مساعدته لسكان القرى القريبة من موقع فصيلنا، وإضافة للدكتور ابو تانيا كان رفيقنا سعيد عرب الذي استطاع اتقان مهنة طبيب الأسنان ومزاولة هذا العمل الشاق، وكان يقوم مع الدكتور ابو تانيا بالاضافة الى مساعدة رفاقهم الأنصار مساعدة أهالي القرى المجاورة .

كما قلت في بداية حديثي أن هذا الفصيل كان عبارة عن خلية نحل متعاونة منتجة استطاعوا أن يعيدوا  إلى حركة الأنصار بريقها وعزمها وقدرتها على تجاوز الازمات والانطلاق من جديد إلى فضاء النضال والبطولة.

جريدة النصير الشيوعي العدد 14 أيلول 2023