كان علينا ان نسعى لتطوير عملياتنا العسكرية وان تكون نوعية وتاخذ ابعادا اعلامية لافهام الرأي العام العراقي والعالمي على مايجري من صراع ومعارضة للنظام الدكتاتوري القائم في بغداد. فكان التفكير ينصب على الشارع الدولي الرابط بين العراق وتركيا والذي يقع ضمن حدود عمليات (السرية 47  سرية زاخو).

هذا الشارع يعتبر شريانا رئيسيا للعراق، كونه ممرا بريا وحيويا مهما يوصل العراق بالعالم، حيث تمر في هذا الشارع المئات من الشاحنات محملة بمواد مدنية وعسكرية يوميا. ولتامين هذا الشارع المهم لابد من حمايته عسكريا من قبل النظام، فنصبت الربايا على طول الطريق، بالاضافة الى مواقع سرايا خلف هذه الربايا للحماية والامداد في حالة اي هجوم عليها من قبل قوات البيشمركة.

في احد ايام ايلول 1981 اتفقت 2 من مفارز الحزب الديمقراطي الكردستاني الحليف مع (السرية 47 سرية زاخو) للحزب الشيوعي العراقي للتخطيط لعملية نوعية قرب مدينة سميل التابعة لدهوك، فتم الاستطلاع وتجهيز قوة مكونة من 160 مقاتلا من الحزبين حدك وحشع. نزلت القوة المشتركة من الجبل الابيض من (دير قشه فر) باتجاه الاراضي المنبسطة الواسعة والتي تحتضن عشرات القرى الكردية. وصلت المفرزة المشتركة بعد مسير ساعة ونصف الى احدى القرى القريبة من مكان العملية، وكان فيها حفلة زواج، فقدمنا لهم التهاني وطوقنا القرية واخبرنا الاهالي بالحفاظ على الهدوء واكمال مراسيم الزواج، وعدم التحرك خارج حدود القرية تحسبا لاي اخبارية من احد اعوان السلطة. ثم تم تامين سيارتي حمل للانسحاب نحو الجبل الابيض بعد اتمام العملية.

وفي غضون دقائق نزلت قوة الاقتحام للشارع، في حين التزمت قوى الاسناد باماكنها المحددة. وبالسرعة الممكنة تم  احتجاز 18 سائقا وتم نقلهم للخطوط الخلفية، وكان من الممكن الاستمرار لولا خطأ احد رفاقنا باطلاق النار على احد الشاحنات التي لم تتوقف بناء على اوامر البيشمركة، وهذا ما اعطى الاشارة الى الجيش وتنبيههم لما يجري، مما ادى الى تسريع العملية واحراق 10 شاحنات والانسحاب بسلام الى حيث تنتطرنا سيارات الانسحاب التي نقلتنا الى اقرب موقع من الجبل. وسرعان ماتحركت مدرعات الجيش لسد الطريق امام انسحابنا، فتحاشينا التصادم معها، ونحن نقود معنا بحدود 20 اسير، منهم 18 اسير تركي، واثنان من الجحوش من عملية سابقة.

انسحبنا رغم كثافة الرمي العشوائي من قبل المدرعات، ووصلنا الى مناطق امنة، ولكن غير محصنة للتمويه، لان السلطة تعتقد اننا سنلجأ الى مناطق حصينة وقريبة من عيون الماء، وتم انتشارنا بشكل جيد مع الاسرى في مناطق كثافتها قليلة. وفي الصباح وكما هو متوقع، شنت السلطة هجوما بالطائرات حيث حامت في سماء المنطقة بحدود 8 طائرات هليكوبتر للبحث عن منفذي العملية الشجاعة والاسرى، وتم ايضا تطويق المنطقة لمنع تحركنا نحو المقرات.

كانت القرى تستقبلنا استقبال الابطال، وتوفر لنا كل مانحتاجه من طعام وشراب عند زيارتنا لهم في الليل، وكنا نستمع للمحطات العالمية وهي تتناول اخبارالعملية العسكرية للبيشمركة من محطات لندن ومونت كارلو وغيرها، وكانت الاذاعة التركية بالعربي تغطي الحدث في اكثر اوقات البث. وبالمناسبة الدولة التركية وعلى لسان رئيس وزرائها اوزال قد هدد بالتدخل والتحرك نحو الاراضي العراقية لفك الاسرى والقضاء على القوة المهاجمة من البيشمركة.

وقد عشنا ايام من الحصار والقلق من انكشاف مواقعنا في مناطق غير محصنة، ومن الممكن القضاء علينا نظرا لاشتراك كل صنوف القوات المسلحة العراقية من جيش وشرطة وجيش شعبي والجحوش المرتزقة. وكان الجيش يعاني ايضا من قلة المؤن التي تصل لهم، وكانت اماكنهم مكشوفة من خلال النيران الليلية المشتعلة في كل مناطق الدوسكي.

في اليوم الثالث، كانت المواجهة تقترب اكثر، لهذا قررت القوى المشتركة من البارتي والشيوعي نقل الاسرى الى المقرات الخلفية للتخلص من عبأ كبير يعرقل حركتها، وشكلت مفرزة مشتركة تحركت قبل غروب الشمس، ونتيجة الارباك والحصار لم يستطلع الطريق لمعرفة الثغرات التي من الممكن النفاذ منها، وللاسف وقعت المفرزة بكمين محكم بين مرتفعين صغيرين، والرمي كان فوق الرؤوس، وكانت الاوامر للبيشمركة بالانسحاب وعدم الرد في حال وقوع المفرزة في كمين لكي تتجنب وقوع ضحايا بين الاسرى الذين تم اطلاق سراحهم والانسحاب (لااعرف ان كان هناك اتفاق البعض مع السلطة لمنع حدوث كارثة).

انتهت العملية بعد ان حققت اهدافها الاعلامية، وارتفعت معنويات البيشمركة وزادت خبرتهم العسكرية، وتمت الاستفادة من الاخطاء التي حصلت. انسحبت كل القطعات العسكرية بكل صنوفها، وعادت مفارزنا تتحرك لانجاز مهامها الموكلة اليها. عملية اربكت السلطة الدكتاتورية ونبهت العالم الى مايحدث في العراق في ظل اعلام يخفي الحقائق سواء كان اعلام محلي او عربي او اجنبي للاسف الشديد.