في أكتوبر من عام 1981 وصلت الى قاعد كوماته الانصارية مع عدد كبير من الرفيقات والرفاق قادمين من الاراضي التركية. وبعد فترة قصيرة نُسبت للسرية الثانية التي بقيت فيها شهرين، ثم تقرر نقلي مع بعض الرفاق الى قاعدة (هيركي). خرجنا من كوماته الى هيركي بمفرزة من الانصار، وسلكنا الطريق الذي يمر في الأراضي التركية، وكان علينا ايضا  ان نتجاوز خطر الدوريات وربايا الجندرمة التركية. كما تعرضنا الى خطر جدي من الثلج الذي كان يغطي الجبال والوديان.

كنا نمشي بصعوبة، فالثلج الذي يصل الى الركبة او اكثر، يعيق حركتنا ويجعل المسافات تتضاعف. مررنا اثناء الطريق بقرية، فقررنا ان نقضي فيها ليلة دافئة. استقبلنا اهلها استقبالا جيدا وكانوا طيبين الى ابعد الحدود، كما انهم وانطلاقا من خبرتهم، قدموا لنا النصيحة بالعودة من حيث اتينا تجنبا لمخاطرالثلج الكثيف، ولكنّ عناد الرفيق آمر المفرزة جعلنا نواصل لمسافة معينة حتى اقتنع واقرّ بصعوبة السير الطويل وسط هذا الثلج، فعدنا الى مقرنا في وادي كوماته من جديد. كان قرار العودة قرارا صائبا جدا والاّ لحدث لنا كما حدث مع احدى المفارز التي سلكت نفس الطريق والتي استشهد فيها الرفيق ظافر السلامي وجرحت الرفيقة مها والرفيق أبو شرارة.

عندما وصلنا الى مقر كوماته، استقبلنا الرفاق في قيادة القاطع وخاصة الرفيق الراحل (أبو يوسف) بأمتعاض شديد، وفي لقاءه معنا عبر عن عدم قناعته بعودة المفرزة. وبعد بضعة أيام، اعدنا الكرة من جديد، وكان قائدنا هذه المرة النصير (أبو تحسين). مشينا باصرار وعزم لابعاد تهمة عدم قدرتنا على المواصلة بالمفرزة الاولى عنا. وبفضل الاجراءات التي اتخذها اهل القرى التي مررنا بها، مثل التدفئة بعيدا عن (الصوبة)، والغسل بالماء الدافئ، وتغطية ايادينا واقدامنا بالصوف من اجل اعادة حركة الدم فيها، وصلنا الى قاعدة هيركي.

بعد وصولنا الى مقر هيركي، كلفني الرفاق بتولي مهمة الادارة، وهي مهمة صعبة جدا في هذا الظرف حيث تشح فيه المواد الغذائية وغيرها، كما ان قاعدة هيركي كانت محطة لاستقبال المفارز الانصارية المتنقلة بين بهدينان  وسوران، وعلينا واجب ضيافتهم على حساب ارزاقنا الشحيحة وقلة التموين.

في احدى المرات، كُلفت بمرافقة مفرزة قادمة من سوران ومتوجهة الى قاطع بهدينان، فسلكنا الطريق الذي يمر في الاراضي العراقية والذي اكتشفناه مؤخرا. وصلنا بعد ثلاثة او أربعة أيام الى قاعدة كوماته حيث مقر القيادة هناك، فالتقيت بالرفاق وبحضور الرفيق أبو سليم كريم احمد، وشكيت لهم احوالنا المعاشية  والصعوبات التي نواجهها في الحصول على الارزاق، فتقرر دعمنا بخمسين دينار، وكان هذا المبلغ جيدا في ذلك الوقت وساهم في تحسين معيشتنا، حيث قمنا بشراء علب لحم وحليب نيدو، ولكن حصلت مفارقة حيث لاحظت ان قواطي اللحم تتناقص، فعملت كمينا، والقيت القبض على الواوي!، ولكن بعد فترة عدنا الى معاناتنا التي استمرت حتى انتهت قاعدة هيركي في نهاية عام 1982 وأنتقلنا الى الفوج الثالث في (كلي هصبة) وللحديث بقية.