درس الفن المسرحي في اكاديمية الفنون الجميلة في بغداد وتسلح بكل أدوات المسرح ليكون متمكنا في كل اعماله التي أنجزت  في العراق وخاصة في كردستان واليمن الديمقراطية وسوريا وبلاد المهجرالاوربي. مثلت معه اكثر من عمل في كردستان وخصوصا (ضجيج عند الغجر) وكذلك مسرحية (قسمة والحلم) في سوريا على مسرح القباني، ومن خلال العمل معه تكتشف فيه فنانا وهب نفسه لفنه وعمله الإبداعي.

ينغمر في عمله حتى ينسى نفسه، وفي كثير من الأحيان يدخن سكارتين في ذات الوقت لانشداده وتركيزه على العمل. يضع سكارته في مكان ما ويبدأ بشرح ما مطلوب وتوضيح الفكرة، وعندما ينتهي من ذلك، يشعل سكارة أخرى وينسى ان سكارته الأولى لاتزال تشتعل. يتصف بالجدية في العمل  ويغلب عليه الانفعال  الشديد  لتكرار الأخطاء او بعض النواقص، محبوب من رفاقة والعاملين معه لروحه المرحة والابتسامة التي لاتفارق وجهه.

ولد عام 1952 في محافظة ميسان  ناحية الكحلاء الناعسة على ضفاف نهر المشرح. الاب يطرق على سندانة ليصنع اجمل الحلي الذهبية، وأم حنون وشجاعة، واخوة احبوا بساطة الناس وتلمسوا فقرهم وحاجتهم لابسط مقومات العيش، فانحازوا الى جانب المظلومين والتزموا الشيوعية منهجا وسلاحا، مما عرضهم للمضايقات والمطاردات والنفي القسري والابعاد من سكناهم في العمارة الى بغداد، وكان ذلك بأمر من وزير الداخلية عام 1954. لقد قدمت هذه العائلة المناضلة الكثير من التضحيات واسماها اغتيال البطل ستار خضير على ايدي جلاوزة البعث  الفاشية .

كان مسكن العائلة الأول في شارع الكفاح حيث الناس الفقراء، ثم استقروا في محلة الازرملي (الدوريين) وهنا كانت البدايات الأولى كما يقول سلام: حيث كان يختارني معلمي الراحل مكي البدري لألقي كل خميس قصائدا للوطن عند رفع العلم، وتستمر الأيام والسنين لأكون عاشقا للسينما ومن ثم المسرح، وفي كثير من الأحيان كان يصحبني اخي الفنان صلاح الصكر الذي كان طالبا في معهد الفنون الجميلة معه الى بروفات المسرحيات التي يشتغلون عليها، وفي احداها كانت باسم (ورد جهنمي) عام 1967على ما اظن وكانت الخطوة الأولى على المسرح حين دعاني مخرجها الفنان الراحل خالد سعيد وانا جالس في المقاعد الخلفية من القاعة لاصعد على الخشبة ككومبارس .

كانت البداية الجادة حين قدّمت للدراسة في اكاديمية الفنون الجميلة وتتلمذت على ايدي اساتذتي الكبار، إبراهيم جلال وجعفر السعدي، جعفر علي، بدري حسون فريد، سامي عبدالحميد، جاسم العبودي وغيرهم من مبدعي شعبنا الكبار ولأتخصص بالاخراج المسرحي في السنة الثالثة مع اخرين من زملائي الذين اعتز بهم .

والخطوة الأهم في أيام الدراسة، كانت عندما اختارني الفنان الراحل عوني كرومي كمساعد مخرج لمسرحية (رثاء اور)، فكان عملي الأول مسرحية (تألق جواكان موريتا ومصرعه) للشاعر التشيلي بابلو نيرودا، لكنّ النص رُفض من قبل إدارة الاكاديمية بسبب الفكر الذي يحمله، فقدّمت نصا اخرا (ثمن الحرية) للكاتب (غرسيا لوركا) ورفض أيضا لانه يحمل وضوحا فكريا اكثر من الأول، وأخيرا تمت الموافقة على النص الأول  واشترك فيه اكثر من خمسين ممثلا، عُرض مرتان على مسرح الاكاديمية، وبعد التخرج قدمّت طلب لرئيس الفرقة القومية للفنون المسرحية للعمل في الفرقة، فذيله بعبارة (نحن بحاجة لخدماته).

واحالني الى وزارة الاعلام وسألوني هناك فيما اذا كانت لدي ميولا سياسية، فاجبتهم انا (مستقل) فقالوا (لاتوجد عندنا منطقة وسطى)، فعدت الى الفرقة، ووجدت رئيسها قد شطب على العبارة الأولى وكتب بدلا عنها (نحن لسنا  بحاجة الى خدماته)، بعدها عملت بالصياغة وهي مهنة أبي حتى عام 1979، وبعد اشتداد المضايقات والمطاردات على الشيوعيين والديمقراطيين، غادرت العراق الى سوريا ومن ثم الى اليمن .

وعند وصولنا الى اليمن الديمقراطية آنذاك، فتحت لنا أبواب مسرحها الوطني وقام فنانيها بفرش اكفهم لدعمنا كمسرحيين عراقيين، وهناك قدمت على مسرحها أول اعمالي (في غرف التعذيب) للكاتب  صباح المندلاوي، ومن ثم مسرحية (الام) لبرتولد برخت، لاتبعها  بمسرحية (تل الزعتر) ومسرحية (تحت جدارية فائق حسن) وكذلك مسرحية (ثورة الزنج) لمعين بسيسو .

وفي مقابلة صحفية مع الصحفي محمد المنصور يوضح الصكر تجربته في كردستان عند التحاقه بقوات الأنصار الشيوعيين، بانها كانت فاصلة للفنان سلام في ظل الفقر الشديد لأي شيء من مستلزمات المسرح في تلك البقعة من العالم، بين الجبال الشاهقات والوديان السحيقة وبعض البيوت المتناثرة على السفوح والتي تفتقر للكهرباء والدواء والمدارس. أما المسرح في صفوف الأنصار فكان يفتقر الى النص والممثل وخشبة المسرح  والانارة وأدوات الصوت الخ.. فكيف تخلق تلك الأدوات والعناصر التي تقدم بها مسرحا؟، ولكن من خلال البحث والتجريب، تمكن الصكر من إيجاد أسلوب جديد لتقديم العرض المسرحي (هذه التجربة بالغة الاهمية لجميع المسرحيين الأنصار، فتحية للذين شاركوا معنا، او الذين قدموا اعمالا  في مناطق أخرى او الذين لم تتح لهم فرصة المشاركة هناك، وتحية اجلال واكبار ووفاء للشهداء المسرحيين الأنصار، منهم شهيد عبدالرضا، أبو سرمد، اوميد، هيمن، أبو سلام، جكرخين، مام علي، روبرت، وسمير حناوي). انها تجربة الفنان عندما يكون ملاحقا وغير مستقر، ولديه قضية يريد ان يطرحها وان يؤثر على الجمهور بواسطتها، فكيف يكيف الفنان نفسه؟ وكيف يطوع الأدوات بمحيطه ليقدم مسرحا؟، فبدأنا بتدريب الممثل وكتابة النص واختيار المكان الذي يقدم به العرض المسرحي، وبتشجيع  من الجمهور الذي  يحضر الى المكان، بدأنا اعمالنا باللغة العربية وبمساعدة الكتاب الكرد معنا في الترجمة، ونهلنا من التراث الكردي وطرحناه بشكل معاصر وجميل وقريب من الناس. تتطلب هذه الاعمال اقل عدد من الممثلين وقليل من الأدوات  والسينوغرافيا والانارة لكي يسهل حملها على الاكتاف والانتقال بها من منطقة الى أخرى مشيا على الاقدام. معاناة حقيقية، لكنها  تتلاشى عند ترحيب الأهالي ومساعدتهم في اختيار المكان  وبناء المنصة، والاستفادة مما تجود به الطبيعة من أشجار واغصان وصخور واحجار وطين، يجب على  المسرح والمسرحيين الكردستانيين اليوم ان يفتخروا بتلك الأماكن التي قُدّمت عليها اجمل العروض المسرحية، وما زالت شاخصة بقاياها في العديد من القرى النائية  في جبال كردستان. كما نفتخر نحن باننا قدمنا لهولاء الناس المتعة والمعرفة بكل تجلياتها، واهم ما قدمته (مذكرات نصير، الضوء، حجام البريص، ضجيج عند الغجر، ومن التراث الكردي عن كاوه الحداد، نحن ام انتم، قصة حب). ويضيف سلام ان تلك الشحة في مستلزمات المسرح ساعدتني لخلق مسرحي الفقير وجعلتني اطوع الأشياء للعرض المسرحي، وحين ارغب باغنائه لا اتورع عن سرقة المصباح الثمين لدكتور الاسنان (أبو بدر)  العزيز لخلق جو مسرحي  ولا زلت أتذكر كيف سرقنا حبال  البغال من رفيقي الطيب (أبو تحسين) لاستكمال  ديكور مسرحية (ضجيج عند الغجر) وكيف كنا نتوسل البيوت للحصول على ثوب لاحدى الممثلات!. يا الاهي أي غنى واية قوة حين يحمل الرأس معاناة  وآمال الناس لتتحول عروضا .

ويستطرد الفنان سلام مواصلا سرد مسيرته بعد الخروج من كردستان، فكانت محطته اللاحقة دمشق، وبدعم لا ينسى من فنانة شعبنا الراحلة زينب والتي أسست فرقة بابل، قُدّمت العديد من الاعمال التي كان اغلبها على على مسرح القباني وكذلك على مسارح مدينة حلب. كان ابرز العروض (قسمة والحلم) اعداد محمد المنصور  ومسرحية (تل الزعتر)  ومسرحية (حلبجة) و(نعناعة) من تأليف وتمثيل  الفنانة زينب .

وفي مستقره الأخير في السويد يبادر مع رفاق اخرين وبدعم من رابطة الأنصار الشيوعيين في تأسيس فرقة ينابيع المسرحية التي قدمت الكثير من العروض رغم الصعاب التي يذللونها بخبرتهم السابقة، ومن ابرز العروض (تذكروا انهم يلعبون)، (الشهداء مرقدهم السماء)، (العارف)، (ام ذكرى)، (الواهب)، (عميدة) ومسرحية (مملكة الكرستال) اعداد حيدر أبو حيدر، (عند الحافة)، (القناص)، (المركب)، وأخيرا (سوادين عراقية).

وقد فاز نص مسرحية (المركب) من تأليف الفنان المسرحي سلام الصكر، كأفضل نص مسرحي،  وحاز على شهادة  ودرع الفوز  في الدورة 15 لمهرجان طقوس المسرحي في الأردن والذي تشرف عليه وزارة الثقافة ونقابة الفنانين في المملكة الاردنية والذي قدمته فرقة أجيال الليبية وكذلك شاركت نفس الفرقة بهذا العمل في المهرجان المغاربي في تونس  وحصل على الجائزة الأولى .

وقد تحدث البروفسور بلال الذيابات رئيس قسم الدراما بجامعة اليرموك الاردنية عن مسرحية المركب، وفي معرض تحليله لها خلال الندوة النقدية الخاصة بالعرض، أشاد بنص المسرحية مؤكدا على ما امتاز به النص من لغة سلسة ومتانة تسلسل الاحداث وعنصر التشويق المستمر طيلة العرض، لان الحوار في النص كان رائعا وله تاثير مباشر على المتلقي، حيث كانت فكرة العمل ومضمونه يحمل قيما انسانية وهو عمل نسيجي متسلسل بانتظام .

ويكتب محرر في طريق الشعب: (هذا الإنجاز يدعونا للفخر بالفنان القدير سلام الصكر حيث عرفناه ممثلا ومخرجا ومبدعا. واليوم يفوز بأفضل نص مسرحي مما يعني انه يمتلك مواهب متعددة، لكن للأسف غاب الاعلام عنه ولم يسلط الضوء على منجزه الإبداعي هذا، وخصوصا اعلام الدولة الرسمي  وغير الرسمي).

ويضيف الفنان الصكر: ان عروض فرقة ينابيع المسرحية وفنانيها وبعد تجربة عميقة وغنية، امتازت بمواضيعها التي تمس حياة الناس وتكشف عن غير المعلن عنها، اشهارها رغم قساوتها، واللامألوف في المواقف والاسئلة واحيانا المستفزة لاثارة الوعي والبحث عن إجابات لدى المشاهد ليكون مشاركا إيجابيا ومتفاعلا مع العرض، فلا نستغرب من تهميشنا وابعادنا المقصود تماما عن مهرجانات العراق المسرحية والقائمون عليها من وارثي الكراهية  للفكر الاخر، بل انها شهادة تعتز بها فرقة ينابيع وفنانوها. ولابد من القول ان ما يؤلمنا في هذا الصدد، هو سكوت من يدعي الفن ويرفع رايات الانسانية والعدالة والتقدمية وحتى اليسارية، عن الفساد المستشري اليوم في دوائرنا الثقافية حفاظا على مصالحهم وامتيازاتهم.

ان تلك العروض الجادة التي قدمتها فرقة ينابيع لاقت الكثير من الاستحسان والشهرة، فغالبا ما توجه لنا الدعوات من كثير من المدن والعواصم الاوربية والعربية (السويد، كوبنهاكن، هولندا، لندن، باريس، المغرب، الجزائر، تونس).  وكم كنا سعداء حين قدمنا بعض من عروضنا في بغداد  واربيل  والناصرية، حيث أهلنا الذين نحبهم ونخلق من آلامهم وآمالهم عروضا مسرحية. كما لايمكن عد الجوائز  والتقييمات والتقدير لعملنا وفناني فرقتنا.  وعلينا ان نقدم الشكر لاعزائنا في رابطة الأنصار لدعمهم المتواصل لعروضنا  وديمومة نشاطنا .

ان هكذا فرقة لايمكن ديمومتها واستمرارعروضها المتعددة دون كادر مبدع ومضحي ربط قضية الابداع بمعاناة وآمال شعبه، وهنا اذكر الفنانة الكبيره نضال عبد الكريم والتي حقا هي فنانة شعبنا والفنان صلاح الصكر وهو يتابع كل صغيرة وكبيرة رغم السنين التي اتعبت كتفيه، وذلك الطيب والعاشق للمسرح رتاب الأمير، واخرين بسطاء غمرونا  بمحبتهم  وقدموا لنا دعمهم.

النصير الشيوعي العدد 17 السنة الثالثة كانون الأول 2023