التعريف بفنان تشكيلي وقاص متمكن من ادواته اللغوية والتعبيرية فيه شيء من الصعوبة والتردد، خشية من ان لا استطيع الاحاطة بجوانب شخصيته المتعددة المواهب، هذا الفنان الموهوب هو رفيقي  في الكفاح المسلح  ضد طغمة صدام حسين في ثمانينات القرن الماضي في جبال كردستان العراق (أبو حنان) بديع الالوسي الذي عرفت اسمه الحقيقي بعد سقوط النظام الصدامي.

وبديع الالوسي وشقيقه التوأم الناقد (كفاح محمد) من مواليد 1959 في قرية (الربيضة) التي تبعد عن تكريت بمسافة نصف ساعة. قضى سنواته الأولى مع امه وجدته في القرية التي بنيت بيوتها من الطين حيث عاش حياة ريفية هانئة، أمّا والده فكان يعمل موظفا في بغداد.

وتأتي المرحلة الأهم في حياة الالوسي عندما انتقل للعيش في بغداد، فيقول: ((عشت احلى أيام طفولتي وشبابي في بيت كبير في منطقة الاعظمية، وهناك تعرفت على الحزب الشيوعي العراقي حين كنت شابا يافعا، ولم اكن ناضجا ولم اكن طائشا، لكني كنت محبا للفقراء. ولا اعرف من شجعني ان ارسم المنجل والمطرقة وكل ما اتذكره ان عمي (شكري) وحال انتهائه من قراءة كتاب متوسط الحجم اعطاني إياه قائلا: (يمكنك قراءته)، وهو رواية (أيام صعبة) تاليف السياسي بهاء الدين نوري. فشرعنا انا واخي التوأم على  قراءته، فكانت الشعلة الأولى التي انارت الطريق نحو المعرفة، بعدها توالت وتنوعت القراءات وشيئا فشيئا بدات تتبلور معرفتنا بما يجري في العراق والعالم .

ومنذ ذلك التأريخ، أي في أواسط السبعينات، صار لي أصدقاء شيوعيون ويساريون وتقدميون. وكانوا على اختلاف مشاربهم يتحلون بخصال تختلف عن الاخرين، كحبهم للرسم والموسيقى وقراءة الكتب. ولربما بسبب انحداري من عائلة فلاحية صار المنجل قريبا الى روحي بدلالاته التعبيرية والاخلاقية، ومن طريف ما اتذكره عن المنجل عبارة لايمكن ان انساها ماحييت وهي لأمي التي تحب حديقتها يوم قالت لي بعفويتها المعهودة: (اذا ضاع المنجل تكاثرت الأعشاب الضارة وفسد الزرع)..........)).

وعن بداياته في الرسم يقول: ((قبل ان ابدأ محاولاتي المبكرة في الرسم، كنت أميل وأندهش لكل ما هو مرسوم. واذكر جيدا في الصف الرابع الابتدائي بدأ ميلي الحقيقي للرسم والخط العربي، وكانت الرسوم التوضيحية في كتاب العلوم تثير احاسيسي وأجد متعة في إعادة رسمها باحجام كبيرة، حيث لاقت تلك المحاولات البريئة استحسان اساتذتي واصدقائي. كما كانت تثير اهتمامي واعجابي ايضا رسوم (مجلتي والمزمار) وتكويناتها الانيقة. واستمر ذلك الى مرحلة الاعدادية حيث شاءت الصدف ان ألتقي بالمربي والاستاذ طالب العلاق الذي انتبه الى موهبتي وحبي للرسم، وكان مرسم اعدادية الاعظمية حاضنة للكثير من المواهب الواعدة .

ومنذ تلك الفتره تعرفت على جماليات اللون في اللوحة، وبدأ انشغالي بالمشهد التشكيلي من خلال زياراتي للمعارض الفنية في قاعات الرواق والفن الحديث والرواد ومن خلالها تعرفت على الفنانين وتجاربهم وتأثرت بالعديد منهم وخصوصا ماهود احمد، رافع الناصري، شاكر حسن ال سعيد، وغيرهم. وادركت بشكل جلي من خلال اساليبهم المتنوعة ان هناك عالم ساحر اسمه (الرسم). وتعمقت خبرتي عند  دراستي في معهد الفنون التطبيقية على يد الفنان الأستاذ محمد عارف الذي درسنا الأسس الاكاديمية للرسم اليدوي والتخطيط)).

وبعد وصول الفنان الالوسي الى باريس عام 1989 حيث سنحت له الفرصة ان يشتغل في تصميم الاقمشة لمدة خمسة عشر عام، وبيعت لوحاته التصميمية في عدة دول اوربية، وفي امريكا وشرق اسيا وحتى في دول افريقية. شارك في عدة معارض في كردستان، وساهم في تصميم وإخراج المجلات الدفترية لمفارز الأنصار. واقام ثلاثة معارض شخصية في باريس وعشرات المعارض المشتركة. وبعد انتقاله الى الريف الفرنسي اقام اريعة معارض في المدن القريبة من مكان سكنه، وشارك في اغلب معارض جماعة القلعة الفنية .

وعن تجربته القصصية والادبية يقول: ((كان اول لقاء حقيقي لي مع الجمهور عام 2007 وكانت عبارة عن قصة قصيرة بعنوان (بلا تردد) عرضتها على صديقي القاص فرج ياسين وابدى اعجابه بها، مما شجعني على مواصلة المرحلة، حيث كتبت وأصدرت منذ ذلك الحين خمس مجاميع قصصية وقد صممت جميع اغلفتها، كما كتبت العديد من المقالات الادبية والفنية. والكثير من تلك القصص تناولت تجربة كردستان مثل قصة (لينافا ارملة الرب، ولقمة خبز، والطلقة الغادرة، والأرواح المرئية..الخ). وكل القصص القصيرة والمقالات منشورة على صفحتي في الحوار المتمدن وكذلك في بعض الصحف والمجلات العراقية والعربية والمواقع الالكترونية. ومازلت اتابع هذا الواقع واتمثله في داخلي محاولا عكسه وتحويله الى اعمال فنية اجد فيها متعتي الروحية، املا ان يتفاعل معها المتلقي ويمسك برؤاها الجمالية لتجعله شريكا في العملية الابداعية)).

ويكتب الناقد انفال كاظم عن قصة (حديقة كيفين) والتي نشرت ضمن مجموعة الالوسي القصصية (الأرواح المرئية)2012 ((نجد ان القاص استخدم تقنية الوصف بشكل جمالي وفني وبمستوى عالي من الشعرية وبوجهات نظر متفاوتة ينطلق فيها مرة من الراوي الذي يأخذ على عاتقه قص الحدث القصصي ووصف شخصياته واماكنها، ومرة من منظور الشخصيات، وفي كلا الحالتين فهو قد برع في توظيف هذه التقنية لخدمة جوهر القصة الا وهو ولادة الحلم البعيد. وقد استلهم القاص فكرة القصة من عبارة مستوحاة من قصيدة للشاعر الإنكليزي وليم بلك وهي (رؤية العالم في ذرة رمل ... والجنة في وردة برية)....)).

ويكتب الناقد جمال نوري: ((حرص الالوسي على الاهتمام بالتفاصيل اعانه على ان يخلق هذه العلاقات المتشابكة والتي تستند الى رؤية مغايرة تنهض بمستوى السرد وتمنحه تفردا واضحا يدركه القارىء ويتلمس ابعاده، وهكذا تقول بطلة قصة (أشجار البرتقال)، وهو نفس اسم المجموعة التي تنتمي لها القصة (من لايحب حديقته، لا يعشق وطنه )...)).

وعن ظروف التحاقه بالكفاح المسلح  يسترسل في الذكريات: في منتصف عام 1984 كنت جنديا مكلفا طيلة السنتين الأخيرتين، ومن حسن حظي اني قضيت خدمتي العسكرية في بغداد، وكان لي تواصل طيب مع صديقين كرديين، تعززت علاقاتنا وصارا يبوحان لي بما يعرفانه عن اخبار البيشمركه. حين نضجت روحي من الوجع، سيطرت علي فكرة الالتحاق بالجبل. كنت ماخوذا برومانتيكية الرحلة وثوريتها ولم يخطر على بالي  مايعنيه ترك بغداد ودلال الاهل واستبدال كل ذلك بتجربة هي اشبه بمن يشق طريقه في الصخر مؤملا روحي بأنّ الوصول الى المناطق المحررة هو المبتغى والنجاة، وبعد مسيرة راجلة من ناحية عقرة الى العمادية نجحت في الوصول للمناطق المحررة والالتحاق برفاقي الذين تصورتهم لونا واحدا، فوجدتهم الوانا عدة وأفكارا متباينة وامزجة مختلفة ومواهب متعددة ونفسيات شتى .. ولا اعرف كيف مضت الأشهر الستة الأولى، ولكن أتذكر جيدا انها كانت الأصعب حيث تحتم علي التكيف مع تفاصيل تلك الحياة القاسية، بعدها بدأت اتلمس الواقع الجديد وتكشفت لي أمور ما كنت اتوقعها حيث التناحر بين السياسي والعسكري وما اخفته ظلال احداث بشتاشان من ذكريات وجروح لم تندمل .وسنحت لي الفرصة بعد التحاقي بالمفارز الجوالة ومغادرة المقرات الخلفية لمعرفة الواقع بكل سلبياته وايجابياته، وكان اكثر ما يحز في نفسي هو منظر الفلاحين الفقراء وأهالي القرى المتعاطفين معنا، وقد وقعوا بين مطرقة النظام الاستبدادي وقوى البيشمركه بكل فصائلها  التي تدعي الديمقراطية والاشتراكية.

ورغم قسوة الطبيعة وتعقد الظروف التي تحيط بنا، لا يمكنني ان انكر ما كان يتحلى به الأنصار من شجاعة  ومحبة وايثار ومعاضدة لبعضهم البعض، وكيف كنا نحتفل بعيد الحزب ونغني النشيد الاممي ونرسم المطرقة والمنجل ونشعل النار ونلتف حولها مراجعين الذكريات الحلوة والمرة.

والان يتضح لي جليا عدم قدرة كل القوى الشريرة طمس الأفكار التنويرية والتقدمية  والانسانية التي زرعها الحزب فينا .. لكل الرفاق الذين داخل الحزب او خارجه، ولكل الذين تعرفت عليهم خلال مسيرة الحياة أقول بمحبة: (كنا وما زلنا ذلك الطائر الذي لا يهاب العاصفة، مجدا لمن يواصل الرحلة، ومجدا لحزب الشهداء  والراية الحمراء).