تنفيذا لوعد قطعته على نفسي، ان ادوّن شيئا من التاريخ الانصاري الخاص بقاطع السليمانية / كركوك لانصار الحزب الشيوعي العراقي، لاشارك احبتي في توثيق هذه الملحمة الكبيرة بهذه الاسطر المتواضعة القابلة للحوار والتصحيح والاضافة من قبل الرفاق الذين تواجدوا في تلك المنطقة.

قاطع السليمانية / كركوك شكّل ساحة حيوية في مقارعة قوات النظام وجحوشه، كما انه يتميز عن غيره من القواطع بانه الاقرب جغرافيا الى العاصمة بغداد، ومع اني اعلم بالامكانيات الكبيرة والجميلة التي يتمتع بها الكثير من الانصار، الاّ اني اشعر بانّ هناك تأخر في الكتابة عن هذه الجبهة المهمة في تاريخ الحركة الانصارية، ففي الوقت الذي نرى فيه ان عشرات الكتب صدرت من رفاق بهدينان واربيل بهذا الخصوص، وانا بدوري اثمن جهدهم الكبير، الاّ انّ ماكتب عن قاطع السليمانية / كركوك كان قليلا جدا.

طبعا ما اطرحه قد يشاركني الكثير من الرفاق فيه، والاكثرية منهم احياء اتمنى لهم الصحة والعمر الطويل، وكذلك رفاق استشهدوا لهم المجد والخلود، فكل منهم ترك بصمة جميلة تاريخية في حياة الحزب الى جانب رفاق رحلوا عنا اتمنى لهم الرحمة  وخلود الذكرى.

عملية سرد هذه الاحداث تحتاج الى وثائق، لكني سأعتمد على ماتخزنه الذاكرة لأروي بشكل مكثف جانب منها، محاولا ان لايكون الكلام مكررا ومملا، وكذلك متبعا طريقة سهلة من اجل ان تصل الفكرة للاخرين المهتمين بهذا الشأن.

انطلقت السرية الرابعة باتجاه قرية (ديوانة) التي سبق وان تم تشييع رفيقيين استشهدا على ايدي قوات الاتحاد الوطني في محاولة لاعاقة توقيع الاتفاقية بين الاتحاد الوطني وجماعة بهاء الدين نوري والذي ساختصر اسمه (بابو سلام) كما هو معروف  .

ونحن في الطريق لاحظنا غياب الرفيق الشهيد محمود حسن آمر السرية، وعندما سألنا عنه كان الجواب انه توجه الى قرية ديوانة (صار معلوم). اخذنا استراحة وتم اللقاء برفاق السرية وكان يرافقنا الرفاق في محلية كركوك بقيادة الرفيق مام صالح ومجموعة وصلت الى القاطع لتنفيذ مهام حزبية خاصة بقيادة الرفيق ابو لينا الذي تعرفت عليه  اثناء عملي مع السرية الاولى في (برواري بالك) في منطقة بهدينان وتم ارسالي الى مناطق سوران في اواخر ايار عام 1982.  .

تحدث معي الرفيق ابو لينا وهو حي يرزق وناشدني ان نتحرك، ولكن بهدوء لتلافي الكثير من الاشكالات والحفاظ على الانصار ومحاولة التعرف عن ما يجري. كانت ملاحظته جيدة، وفي الطريق الى القرية التقيت الرفيق الشهيد جوهر وكان مبتسما، كما كان جريحا بسبب الكمين الذي الذي نصبته قوات الاتحاد الوطني. قال الرفيق جوهر ضاحكا: (يكول ابو سلام انت منشق عن الحزب)!. طبعا هذه القضية لها قصة اخرى قد يتعجب الرفاق عند سماعها والشهود فيها الدكتور ناظم الجواهري والرفيقة الدكتورة روناك ابنة الشهيد الخالد سلام عادل  .

في البداية تم تجميد الرفيق ناظم الجواهري من عضوية مكتب القاطع لرفضه سياسة الاتفاق مع الاتحاد الوطني، واعتبرها ارتداد على سياسة الحزب بعد توجيه الضربة لرفاقنا في بشت اشان  .

وصلنا الى القرية وتجمع الرفاق في ساحة قرية (ديوانة)، وبعد فترة من الزمن وصل وفد الاتحاد الوطني بقياداة شوكت حاج مشير ومعه اثنين من القياديين وعدد كبير من الحماية الى جانب حضور الفقيد ملا علي ومعه رفيقين اخرين، وكان ذلك من اجل التوقيع على الاتفاقية المذلة التي اطلق عليها لقب (اتفاقية ديوانه) وهي كانت تتضمن عشرة بنود  .

وللتاريخ، لولا الرفيق (ابو بشار) وانتباهته، لحدثت مجزرة اكثر ضحاياها من اهالي القرية، لقد كان احد رفاقنا ناصبا رشاشته على سطح الدار موجها السبطانة الى مكان تواجد ممثلي الوفدين، فركض ابو بشار وجرده من السلاح وقال  بحضور الرفيق كريم عرب: كان ممكن ان تحدث كارثة. طبعا اثارت هذه الحركة انتباه جماعة الاتحاد الوطني والرفيق (ملا علي)، فانتهى اللقاء من دون التوقيع على الاتفاقية، مما دفع الانحاد الوطني لاتخاذ موقف اخر ضد القاطع، ولكن علاقات القيادتين استمرت بشكل سري  .

الانتخابات، الديمقراطية المزعوعة من قبل (ابو سلام)

بعد فشل سياسة ابو سلام لاحتواء القاطع والعمل بالاتفاق مع الاتحاد الوطني بتشكيل حزب شيوعي كردي، يكون هو المسؤول الاول فيه وتحت اشراف جلال الطالباني، وصلت المعلومات كاملة من خلال الرفاق المخلصين الى الحزب وتم اصدار قرار بتكليف الرفيق الفقيد (ابو سرباز) للاشراف على القاطع مع استمرار (ابو سلام) في مسؤولياته لايجاد حلول تخدم التنظيم   ..

قبل ذلك اتخذ (ابو سلام) قرارا بتجريدي من مهماتي كمستشار للسرية الرابعة كرميان، وتم تكليف الرفيق علي زنكنة بقيادتها، وحاول تجريدي من بندقيتي الا اني رفضت ذلك، وتم بعدها التحاقي بسرية (هورمان)، مع علمه ان لا احد يتحمل العمل مع امر هذه السرية المشاكس ابدا. وعندما لاحظ عدم حدوث اشكالات لي مع السرية التي كان ينتظرها لتكون حجة لطردي من الحزب، طالب ان انتقل الى (كرجال) مع السرية السابعة وكان للرفيق الشهيد علي كلاشنكون دور مشرف في استقبالي ومعه الرفيق عبدالله مامند نائبه في قيادة السرية  ..

اتضح فيما بعد ان (ابو سلام) اقنع قيادة القاطع لاجراء انتخابات للمسؤولين السياسيين والعسكريين في القاطع .في مقر سرية حلبجة تجمع الرفاق الانصار وكنت جالسا وسط الرفيقين جوهر وابو سرباز، بعدها تحدث (ابو سلام) عن اهمية الانتخابات كي يكون للقاعدة الحزبية دور في التشكيلة. وبعد الانتهاء من حديثه، وقبل المباشرة بالانتخابات، طلبت الاذن بالحديث، فرفض طلبي، الاّ ان الرفيق جوهر دعم مطلبي فوافق على ان اتحدث.

كان موقفي، في ظروف حركة الانصار في هذا المكان لا يمكن اجراء انتخاب رفيق مسؤول عسكري وسياسي لاسباب عديدة ومنها .

١ . هناك ارتياحات بين البعض، وممكن ان يكون المنتخب له من الشجاعة في المعارك، لكنه لايمتلك خبرة قيادتها افضل من رفاق اخرين، وكنت ارى ان التكليف بالمسؤوليات هو الصواب.

٢ . ليس من الصحيح انتخاب رفاق مسؤولين سياسيين وحزبيين بهذه الطريقة، فقد يفوز رفيق ليس بالمستوى المطلوب ولكنه يحوز ثقة الرفاق على اساس العلاقات الشخصية، ومن ثم كيف يشارك الرفاق من المرشحين والاصدقاء في العملية الانتخابية، لكن (ابو سلام) اصرّ على اجراء الانتخابات كما رسمها هو  .

في الحقيقة كان مرشحا (ابو سلام) رفيقين هما: (ابو كمال وسلام) وتعزيزا لموقفي اعتذرت وطلبت عدم ترشيحي لعدم قناعتي بالانتخابات، وبعد الاقتراع فاز الرفيق سلام لعدم وجود منافس. لقد كان الغرض من الانتخابات ومن ترشيحي بشكل خاص هو لايقاعي بالفشل بسبب عدم معرفة الرفاق من هو (ابو كمال). في نفس الوقت جرى انتخاب مسؤول عسكري للقاطع، واستمرت المحاولات لترشيحي كمستشار سياسي لاحدى السرايا او احدى الفصائل ولكني بقيت مستمرا على موقفي. اتذكر الرفيق (تحسين) جلس الى جانبي وقت الاستراحة وقال ضاحكا: (اللعبة مكشوفة، استمر بموقفك، عدم الترشيح).

لم تستمر الانتخابات في الافواج الاخرى، لقد وردت برقية من قيادة الحزب بناءً على برقية ارسلها الرفيق (ابو سرباز) وحملت مقترحاتي، بعدم الاعتراف بالانتخابات. كما وصلت برقية اخرى تقرر فيها:

١ . تجميد عمل (ابو سلام)  وتجريده من المسؤوليات في القاطع .

٢ .  تجميد دور (ملا علي) وتجريده من مهامه العسكرية .

٣ تكليف الرفيق (ابو سرباز) كمسؤول اول في القاطع  ..

تم تبليغ الافواج وعموم الرفاق بمحتوى البرقية وجرى تنفيذها فورا .قرر الرفيق (ابو سرباز) تكليف الرفيق (ابو لينا) بمسؤولية مستشار سياسي  للقاطع، واستمر الرفيق بالتكليفات مع عدم اتخاذ اي اجراء ضد الرفاق الذين تم انتخابهم في سرية حلبجة.

النصير الشيوعي العدد 17 السنة الثالثة كانون الأول 2023