بعد الانسحاب الى شهرزور وإنشاء المقرات في جبال سورين  خريف عام 1983، كانت حياة الانصار صعبة جدا، حيث المساعدات الشهرية ومقدارها 10 دنانير تسد حاجة النصير الى التدخين لنصف شهر قد انقطعت الان، بالاضافة الى اهتزاز الثقة بالقيادة وما رافقها من فوضى.  اتبع الرفيق بهاء الدين نوري طريقة انتخاب الآمر  العسكري بدل عن تعينيه من قبل القيادة وهي سابقة فريدة لم تحدث من قبل، وبدات فعلًا  عملية الانتخابات اول الامر بسرية حلبچة وتم انتخاب الرفيق فاخر عرب (علي مخلف يعيش بالسويد حاليا) آمرًا للسرية  وهو احد مقاتليها وساهم بعمليات كان له دورا مشهودا فيها، كما انتخب الشهيد خابات معاون  لآمر السرية واعتقد ابو سلام (اخ د. ابو عادل) مستشارًا سياسيًا، لم تستمر عملية الانتخابات الى السرايا الأخرى، وما تجدر الإشارة اليه هو تمرد الرفيق توفيق حاجي آمر سرية حلبچة السابق مع مجموعة من أقاربه ورفاقه وتركوا المقر وتوجهوا الى قرى شهرزور للعمل بشكل منفصل وبعد فترة وجيزة تم عزل الرفيق بهاء الدين نوري عن قيادة القاطع وكلُّف الرفيق احمد بانى خيلاني (ابو الشهيد سرباز) بقيادة القاطع الى جانب ابو تارا عسكريا وابو لينا السياسي للقاطع وسهيل الزهاوي (ماموستا كمال) الإداري، الامر الذي دفع الرفيق ملا علي ان ينزل الى شهرزور ويلتحق مع مجموعة توفيق حاجي ولكن عاد بعد فترة قصيرة وسوى الامر مع قيادة الحزب بينما بقى توفيق حاجي متذمرا والتحق بقوات اوك وسمعت انهم صفوه عن طريق كمين مفبرك على شكل سيطرة على طريق طاسلوجة - سليمانية، اشبه ما حدث للشهيد محمد حلاق في الكوى .

بعد  استلام الرفيق الفقيد ابو سرباز للقيادة  شكلت الأفواج والسرايا دون تغيير يذكر وانسحبت القوات برمتها الى جبال سورين مع بقاء أنصار الفوج 15 كرميان ودربنديخان في مقر(پيش قه له) عبر بحيرة دربنديخان وعلى سلسلة جبال زمناگو، مع الاحتفاظ ببعض المفارز المتخفية والمنتشرة. وأصبحت مقرات باني شهر خاصة بالفوج التاسع وخورنوزان بعض أنصار الفوج  15 بعيد انسحابهم من (بيش ق له)، كما بقي مقر هزارستون خاص للتنظيم المدني للإقليم وبعض التنظيمات الأخرى .

قضينا شتاء عام 1983 /1984 نبني مقراتنا الواقعة أساسا في الشريط الحدودي العراقي الإيراني، وكنا نشهد القصف المدفعي بشكل يومي واستشهد الرفيق درويش (كامران) بشظية قذيفة في مقر كرجال واستشهد في نفس الوقت الرهينة الألماني الامر الذي ادى الى إطلاق سراح زميله الأخر، فقد كانا رهينتين لا اعرف ظروف حجزهما عندنا ولكنهما اصبحا أصدقائنا واطلقنا عليهم اسماء سوران وبهدينان وكانا بمنتهى الوداعة وأتذكر احدهما دجن فأرًا ووضعه بزجاجة ويحرص على تغذيته والاعتناء به دون عشرات الالاف من الفئران  المنتشرة بالمقر والتي تنافسنا على الطحين والعجين.

اثناء بناء المقر، كان علينا بناء مستوصف وغرفة للإدارة ومطبخ وقاعة اخرى للفصيل، وكان الحصول على الحجر للبناء مهمة صعبة جدا وخصوصًا (الأسطة) اطال الله بعمره هاورى أحمد لالو الذي يعيش في حلبچة حاليا مع عائلته التي عانت الكثير بسبب التحاقه بالثوار. يختار الصخور المناسبة فقط كي يصفها بانتظام من دون وضع مادة بين الصخور وهذه الطريقة في البناء تسمى محليًا ب (وشك پلاو) تتطلب ان يكون (الاسطة) ذو مهارة عالية وخبرة، وكان أحمد لالو كذلك بالاضافة الى كفائته العالية فهو سريع بعمله وبطبيعة الحال قراراته  لاتناقش، هذه الصخرة نعم وتلك لا وهكذا، وما يحز بنفسي اننا اردنا ان نسقط حجرا كان عالقا بالقطع فوق رؤسنا (كما في الصورة)، فتناقشنا كثيرا ليس لحاجتنا الماسة للصخور بل لخطورته الوشيكة ايضا، فهو فوق رؤوسنا ويتكأ بأعجوبة ملتصقا بالقطع.

وشاءت الأقدار وبعد سنوات عندما اصبح الرفيق الشهيد علي كلاشنكوف في قيادة القاطع، وفي يوم خريفي نهاية تشرين عام 1986 والذي سبقته ثلاثة ايام من المطر المتواصل الامر الذي دعا عبد الله مامه والرفاق الآخرين، د. إبراهيم والشهيد علي كلاشنكوف يتوقعون انهيار تلك (المتكئة) على جدار القلق كما وصفها الانصار الشعراء، وفي اليوم التالي عندمًا وقف المطر الغزير خرج الرفيق علي كلاشنكوف من غرفة القاطع ليودع ضيوفه من الحزب الحليف (الپارتي)، فانهارت تلك الخطيرة عليهم واردتهم قتلى  وهم واقفون في باحة غرفة القاطع .استشهد الرفيق علي كلاشنكوف واستشهد الرفيق ياسين واستشهد احد ضيوف البارتي، كما أُصيب الرفيق د. ابراهيم (امجد العلي) المقيم بلندن حاليا.

الشهيد علي كلاشنكوف كان الآمر الفعلي للقاطع وهو المعروف بأمكانياته العسكرية النادرة وشخصيته المحببة، وهو بيشمرگة منذ عام 1963 والتحق عندما كان مكلف بالخدمة العسكرية في الجيش فتركه والتحق بالثوار مع سلاحه الكلاشنكوف. وكان الكلاشنكوف سلاحا نادرا لذا عرف به وسميّ بعلي كلاشنكوف، وفي المرحلة الثانية من حركة الانصار عام 1987 إلتحق وتبوأ اخطر المسؤليات العسكرية وقاد الفوج الخامس بقاطع أربيل وقاد الفوج السابع في قاطع السليمانية ومن ثم بقائه بقيادة القاطع، وعدا عن هذا كله وعند اللقاء به تجده شخص غاية بالتواضع والخلق الجميل، خسرته عائلته وخسره رفاقه وحزبه، مجدا للرفيق علي كلاشنكوف.

((كان الشهيد بايز سيد باقي يقف مع الرفيق كامران علي ره ش وهو يحمل حجرًا  ليمزح مع الاسطة احمد لالو بانه جلب الحجر من مكان بعيد ويتندر على أهمية هذا الحجر)).

يضيف شاهد العيان هاورى ريباز (شوروي) على ماكتبته، الاتي :

قبل ان نبدأ ببناء الغرف كانت هناك مناقشة حول الحجر الذي اشرت اليها، عدد من الرفاق طرحوا فكرة ضربها بـ  RBG حتى نخلص منها، ولكن الرفيق احمد لالو اصر على بقائه واعطى (گارانتى) مائة سنة بان الحجر لن يتحرك من مكانه، ولكن ماحصل، يوم 11/11/ 1986 الساعة الرابعة والنصف انهار الحجر وانهار الجبل معها، كنت أنا (ريباز المخابر) والرفيق سيد علي جالسين في الغرفة البلاستيكية في الكهف، دخل الرفيق ياسين وسألني ماذا نحضر للضيوف في العشاء، ثم قررنا شوي اللحم، خرج الرفيق ياسين فانهار الكهف. مرت دقائق ولم افهم شيئا، كنت اسمع أصواتا ولكن من الصعب فهمها، بعد دقائق عرفت بان الكهف انهار، رأيت الشهيد ياسين وعلى رأسه حجر كبير جدا، صوت سيد علي يطلب المساعدة لان الحجر الكبير جاء على قدمه اليمني فصارت عندي حالة من الانهيار وبصوت عالي طلبت مساعدة من الأصدقاء (حدك). وبعدها نزلت مجموعة من باسداريه (على أساس هذا مقر حدك وليس هناك حشع في الوادي)، بعد ذلك سمعنا صوت دكتور إبراهيم، الساعة الثانية عشر ليلًا انتهينا من إنقاذ الجرحى ونقل جثث الشهداء.

النصير الشيوعي العدد 17 السنة الثالثة كانون الأول 2023