أن قوات الانصار التي تم محاصرتها في جبل كَارا غالبيتها من مقاتلي الفوج الاول مع مقاتلي السرية الخامسة التابعة للقاطع وعدد قليل من أنصار الفوج الثالث. وكان معهم العشرات من عوائل الانصار ومن جماهير القرى الواقعة في المنطقة. من الناحية العملية لايمكن إحكام حصار عسكري فعلي على قوات الانصار من قبل القوات الحكومية بحكم ما يملكه الانصار من سرعة في الحركة والمباغتة والالتفاف والمناورة، كما يتميز الانصار بشجاعتهم وجرأتهم وامكانياتهم في التحرك الليلي ومعرفتهم بظروف المنطقة وتضاريسها، لهذا لم أسمع طيلة فترة الكفاح المسلح أن قوات الانصار تم محاصرتها في منطقة ما. قد يُفرض عليها مواجهة في قرية أو في (دشت) في النهار لكن هذه العملية تستمر لساعات وتنتهي بانسحابها الناجح، لكن حصار جبل (كَارا) كان حصاراَ حقيقياَ، إستمر شهراَ كاملاَ، إبتدأ في يوم 30-8-1988 وإنتهى في مساء يوم 30-9-1988 .

لا بد من التعريف بالفوج الاول ومناطق عمله :

يقع مقر الفوج الاول في (كَلي مراني) وهو وادي عميق على إمتداد جبل (كَارا) بالقرب من قضاء (سرسنك) وناحية (سوارا توكا). مناطق عمل الفوج الاول هي قضاء عقرة والقصبات والقرى التي حولها وسوارا توكا وزاويتا وناحية القوش وقضاء الشيخان. سرايا الفوج تتحرك في هذه المنطقة الواسعة والتي تمتد إلى سهل الموصل. تنتشر في منطقة عمل الفوج مئات القرى الكوردية. أغلب مقاتلي الفوج الاول هم من أبناء قرى ومدن هذه الاقضية والنواحي. وحصلت إلتحاقات كبيرة بأنصار الفوج الاول سهلت قيام الانصار ببعض النشاطات العسكرية والسياسية. هذه النشاطات أربكت السلطة، وساعدت على تنامي جماهيرية حزبنا، وتعززت إمكانيات وقدرات الفوج الاول وإرتفعت معنويات الجماهير وزادت من ثقتهم بقوات الانصار التي وقفت بكل شجاعة دفاعا عنهم وعن بيوتهم. وإن كان من مثال حي يذكر بهذا الصدد فهو معركة قرية (كانيكا) قاتلت فيها مفرزة من الانصار الشيوعيين مؤلفة من 12 نصيراَ في يوم 5-1-1987 وكان معهم 25 مقاتلاَ من (البارتي) صمدت بوجه قوات عسكرية ضخمة مع طائراتها ومدفعيتها. قاتلت المفرزة أربعة أيام متواصلة في منطقة جبلية يصل إرتفاع الثلج فيها إلى أكثر من متر ونصف دفاعاَ عن قرى (كانيكا وربتكا ونصرة وحسنكا وكاني ماسي وعن القلعة المطلة عليها)، إستشهد في هذه المعركة النصير البطل (فارس جرجيس الاسم الحركي جنان من القوش) كان بالامكان جداَ أن يفشل الهجوم في اليوم الثاني من المعارك ولكن الهجوم كان من عدة مناطق إضافة إلى تباعد مناطق عمل الانصار. هذا مثال واحد وهناك أمثلة أخرى حدثت في مناطق الزيبار في عام 1984 وفي قرى (دشت) الموصل و(دشت) القايدية وغيرهما. في كل هذه المعارك كان الانصار في المقدمة دفاعاَ عن القرى واهلها. جماهير القرى إختبرت قوات الانصار وتعايشت معها وزادت من ثقتها بها ومن إحتضانها لها وهذا هو سر تناميها. وكان يطلق حقاَ على المنطقة بأنها محررة وكان المدافعون عنها هم الانصار وبيشمركَة (البارتي) وجماهير قرى المنطقة.

قيادة الفوج الاول كانت مؤلفة من :

الرفيق أبو نصير (لازار) آمر الفوج إستشهد في كمين في دهوك في عام 1993، والرفيق أبو زكي (خيري القاضي) المستشار السياسي للفوج توفي في القاطع في عام 1984، والرفيق أبو أمجد إداري الفوج وأصبح مستشاراَ سياسياَ للفوج بعد الرفيق أبو زكي، والرفيق ملازم هشام أصبح عضو مكتب الفوج في عام 1983 ثم إستلم مهمة آمر الفوج أعتقد في نهاية عام 1986 .هذا وعزز مكتب الفوج لاحقاَ بنصيرين شجاعين هما الرفيق أبو حياة والرفيق توفيق الذي أصبح آخر آمر عسكري للفوج .ثم عُزز مكتب الفوج بالنصير الشجاع أبو حازم وإستلم مهمة إداري الفوج .

وهناك تنظيم حزبي نشط جداَ في مناطق الشيخان والقوش و(دشت) الموصل يرتبط بالمكتب السياسي وينسق مع مكتب الفوج. ومن قادة التنظيم الشهيد البطل أبو ماجد والشهيد البطل عامل والرفاق الشجعان أبو ناتاشا وأبو سربست كان قبلها آمر سرية وناظم وكسر ولفترة صباح كنجي على ما أعتقد وأبو فلاح وغيرهم. هؤلاء أنجزوا الكثير من المهمات، فكانوا محط إعتزاز وتقدير كل أنصار الفوج الاول. اما قيادة التنظيم فتتكون من الرفاق من (ل.م) الرفيق أبو يوسف ثم أعقبه الرفيق أبو رنا والكادر النشيط الرفيق أبو جنان الذي توفي في سورية والرفيق أبو عمشة لاحقاَ ثم كلف بمهمة في دهوك في الفوج الثالث .

شهداء الفوج الاول: يصل عدد شهداء الفوج الاول ما بين 37 إلى 40 شهيد خلال فترة الكفاح المسلح عدا العشرات من الاطفال والنساء من عوائل الانصار الذين تم إعدامهم بعد قرار التسليم في أيلول 1988 .

التطورات التي سبقت حصار (كَارا) 

هناك أعمال مدانة قام بها النظام الدكتاتوري بحق قرى كوردستان وجماهيرها أثناء الحرب العراقية الايرانية، ومن هذه الاعمال هي إتباع سياسة الارض المحروقة، مما اجبر العوائل على ترك قراهم بعد أن إستشهد العديد منهم وأحرق المزارع والاشجار وقتل الحيوانات، وبدأ بهذه السياسة الاجرامية في عام 1987 في (دشت) القايدية و(دشت) الموصل. القرى التي صمدت رغم إنها لم تسلم من القصف الجوي والهجمات العسكرية هي في مناطق بري كَارا ومزوري والقرى القريبة من المقرات ومع ذلك فرض عليها الحصار الاقتصادي ومنع وصول المواد الغذائية إليها ومنع فلاحيها من تسويق محصولاتهم .

وفي السنتين الاخيرتين من الحرب العراقية الايرانية كثّف النظام من هجماته العسكرية على القرى وعلى مقرات الانصار، وشكل مفارز خاصة لنصب الكمائن لسرايا الانصار الناشطة في منطقة الشيخان وباعذرا والقوش وبالمقابل تمكنت قوات الانصار ومن خلال التنسيق مع التنظيمات الحزبية التابعة للتنظيم المحلي وركائز الانصار، تمكنوا من رصد مناطق تحرك هذه المفارز الخاصة التي شكلت لملاحقتهم أثناء حركتهم في الليل، وتوصل الانصار إلى معرفة بعض مواعيد حركتهم والمناطق التي يتحركون فيها وحتى معرفة نوع سلاحهم ورقم تقريبي لعدد المفرزة. وبادرت قوات الانصار لنصب الكمائن لهم وملاحقتهم وهذا مما أربكهم وأربك خططهم .

بعد تهجير سكان أعداد كبيرة من القرى وتدمير عدد من مبانيها وأشجارها أصبحت هذه القرى عرضة لجولات الطيران (الهيلوكوبتر) وبالمقابل أصبحت وجهة الانصار العمل في المدن والقصبات والتجمعات السكانية. وفي مثل هذه الظروف يصعب عليهم السير لمسافات طويلة في منطقة خالية من السكان لا سيما وإنها أصبحت مكشوفة في النهار بحكم حركة الطيران .

خطط الانصار في ظل هذه المتغيرات :

1-   ايجاد مقرات للسرايا في الجبال القريبة من المدن وبالذات قضاء الشيخان وناحيتي باعذرا والقوش .

2- تجهيز السرايا بأجهزة لاسلكي وتدريب أنصار على إستخدامها وتحديد أوقات محددة في اليوم للتواصل مع قيادة الفوج .

3- توجيه النشاطات نحو المدن والقصبات من خلال دخول مجاميع من الانصار إليها والقيام ببعض النشاطات والتنسيق مع التنظيم المحلي في بعض المناطق التي ينشط فيها .

4- العمل على إيجاد ركائز متعاونة من قبل وحدات الجحوش والربايا والسيطرات .

5- هناك ركائز قديمة كانت مرتبطة في قيادة الفوج في هذه الوحدات وبعض الدوائر الامنية، تم تحويل بعضها للسرايا وترتبط برفيق واحد فقط في السرية، وتحدد مواعيد للقاء، وفي موعد اللقاء يختار هذا الرفيق رفيقين إلى 3 رفاق لمصاحبته في الطريق وصولاَ لنقطة اللقاء، وأن يكونوا من أكثر الرفاق كتماناَ للسر مع الشجاعة التي يتميز بها كل الانصار .

6- الصلة مع هذه العناصر ساعدت في تسهيل دخول بعض المواد الغذائية للانصار، كما حصلوا على اشياء اخرى مثل نماذج الاجازات والهويات والورق وبعض مستلزمات الكتابة.. إلخ. كما أن هذه العناصر كانت أحد مصادر المعلومات في التحركات العسكرية على المنطقة.

7- حققت السرايا نجاحات كبيرة في عملها بالقرب من المدن والدخول إليها في المساء للقيام ببعض النشاطات، وهذا العمل النوعي ساعد على تنامي مزاج الناس في المدن والقصبات القريبة بأتجاه التحدي للنظام الدكتاتوري وكسر حالات الاحباط واليأس لديها، وبنفس الوقت ساعدت على نشر سياسة الحزب وتنامي جماهيريته، وهذا ما أزعج المسؤولين في هذه المدن من الاجهزة الامنية والبعثية وزاد من خوفهم من نشاط قوات الانصار .

8- وبنفس الوقت إنتظام الصلة مع الركائز في التشكيلات العسكرية والامنية ساعد في تدفق المواد والمستلزمات والمعلومات المهمة التي تستفاد منها قيادة الحزب .