هل يمكن أن تبقى نبتة "ماركس" حية بعد فصلها عن جذورها الليبرالية؟، عن ديكارت وسبينوزا وليبنتر؟.

انا وغيري من " الصغار" الذين دخلوا التحزب من باب الثقافة (وكنّا أقلية لاوزن لها) كنا نجيب بكلا. كنت وما زلت وسأبقى أرى أنه لابد لموضوعة الحرية وتحقيق الفرد لذاته وإحترامه كفرد، أن تُطرح كموضوعات أساسية ضمن أي جهد يروم تغيير وضعنا المزري. مالم نفعل ذلك سوف نستبدل شيخ المسجد بالقائد الحزبي، قائد قطيع سماوي بقائد قطيع أرضي، فالعائق الأساس أمام شعوبنا هو الفكر التقليدي الرجعي القروسطي وهو ذات الفكر الذي كان سائداً في القرنين السابع عشر والثامن عشر في أوربا الذي قهرته البرجوازية بالفكر الليبرالي التنويري.

لكن مدرستنا الماركسية الارثوذكسية علمتنا تعريفاً واحداً لليبرالية فهي: موقف التهادن مع العدو الطبقي  والذي كان يتجسد بالثرثرة والتسيب وخرق الإنضباط الحديدي.

وبناء على تقلص الأبعاد الفلسفية لمفردة "الليبرالية" وتجريدها من وسطها التأريخي الذي نشأت به كان لنا نحن الفتية الصغار آنذاك، بمقابل الفهم الماركسي الارثوذكسي لليبرالية، فهمنا الخاص المبسّط الذي تدرج في تطرفه الى أن وصل في يوم معين الى شعار صارخ: "الصيانة خيانة"! وكان ذلك بعد أن كشفت الصيانة عن نفسها بوصفها غطاء لمذبحة طالت كل النازلين لداخل الوطن. كانت الأخبار تأتي مضمخة برائحة الدم وتشي بأندساسات مدمرة والصيانة ترد: لاتساؤل ! تنظيمات الداخل بخير فاعلة وتتنامى...ويوم النصر قريب!.

والليبرالية المبّسطة كما إعتنقها "عادل" وغيرت إسمه الى "عادل ليبرالي" تخرج من إطارها الفلسفي التأريخي لتتلخص بمنح مصطلح "خرق الانضباط" مطاطية ما، وسحب خط الحدود الفاصلة بين "المسموح به" و "غير المسموح به" وجره مسافة أبعد على حساب "غير المسموح به". "عادل" كان تواقاً مثل كثيرين، كشخص أعلن إستعداده للتضحية بحياته، تواقاً لأن يرى نفسه مشاركاً في رسم مسار الخطى لا بالسير الإجباري على آثارها ولكن كيف؟.

قبل 5 آلاف سنة اقتنعت آلهة العراقيين القاسية برأي إنليل/ مردوخ الذي أزعجه تكاثر العراقيين وهيجانهم ليقترح على مجلس الآلهة إبادتهم وإنهاء الحياة كلها بجعل السماء تصب ماءً لاينقطع. لم يكن أمام "أنكى" إله "الحكمة والسلام" الا الاعتراض على قرار مجلس الآلهة، غير أن هذا الإله المسكين كان وحيداً فبقي صوته مغرداً خارج السرب كأقلية كان عليها الالتزام بما قرره مجلس الآلهة و (النظام الداخلي).

كان قلب الإله "أنكى" يتقطع ألماً بسبب القسوة المفرطة اللامبررة لقرار مجلس الآلهة، ولكن ما العمل؟  أدى قرار "إنليل" التعسفي بالإله "أنكى" الى القيام بمجازفة تسريب أسرار اجتماع الآلهة الى الإنسان "أتونا بشتم" الفاني وتحذيره من فظاعة ما سيأتي، وهو فعل ممنوع منعاً باتاً في عرف الآلهة، فالآلهة لا يجوز لها أن تتصل بالبشر. فتبلور بعد تلك الجلسة الإلهية الحاسمة، أول فعل" ليبرالي" في التأريخ البشري المكتوب وكان لصالح البشر.

حينها، قفز صاحبنا الإله الليبرالي "أنكى" ببراعة على "النظام الداخلي" فلم يسرب محضر الاجتماع مباشرة الى الإنسان لكنه فعلها عبر تقرير مشفّر حين خاطب ليس "أتونا بشتم" بل بيته القصبي:

"بيت القصب يابيت القصب

جدار ياجدار

اهدم بيتك وابن مركباً

اهجر كل ما تملك واطلب الحياة."

وفهم صاحبنا الآخر "أتونا بشتم" أو "نوح" الرسالة...

ليت علي جبر" عادل ليبرالي" الذي استشهد في بشتاشان كان يعرف هذه الحقيقة حين كان بيننا ... لكان جعل منها أطروحة!!.