ولد الشهيد (لطيف مطشر- أبوالندى -) في الناصرية عام 1952، وفي مدارسها أكمل دراسته الأبتدائية والمتوسطة والثانوية، كان رياضياً معروفاً في المدينة، خصوصاً في رياضة (الجمناستك) التي كان فيها بطلاً للمنطقة الجنوبية لعام 69 | 70، إضافة لبطولة المنضدة، لذلك قُبل بسهولة في كلية التربية الرياضية، بعد إنهائه للدراسة الآعدادية، لكنه لم يستمر في هذه الكلية إذ فُصل منها بسبب عدم إنتمائه للآتحاد الوطني لطلبة السلطة!، ثم قدّم طلباً لكلية القوة الجوية، وبعد أن أنهى دراسته فيها فصل منها ومن الجيش! لعدم إنتمائه لحزب البعث!، وقد إضطر نتيجة الضغوط التي تعرض لها لمغادرة وطنه الى إيطاليا، ولكنه ما لبث أن عاد الى كردستان ملتحقاً بصفوف ألأنصار الشيوعيين في 4 | 11 | 1981، وأصبح أمراً لأحد الفصائل الأنصارية في منطقة بهدينان .

عرفت الشهيد عن بعد بإعتباره (إبن ولاية) فقط!، أي لم تكن تربطني به صلة صداقة أو علاقة تنظيمية، بل لم أكن أعرف حتى ميوله السياسية، كنت أعرف أنه ليس بعثياً، وليس عضواً في ألاتحاد الوطني لطلبة السلطة، كنت أراه بإستمرار، بملابسه الرياضية، عندما يأتي للتدريب على العقلة في إعدادية الناصرية!، لم يكن بيني وبينه أي كلام لذلك لم أنتبه لحضوره أوغيابه عن الناصرية!.

عام 1981 كانت مفرزتنا متوجهة من بهدينان الى سوران، في مهمة أنصارية، وفي الطريق مررنا بقاعدة (هيركي) التابعة لحزبنا، كنت أتحدث مع آمر فصيلنا النصير الشهيد (أبو علي النجار) عندما قاطعني قائلاً: (أوگف لحظة!!) ثم تركني وهبّ قافزاً نحو شخص يبعد عنا قليلاً، ولم أتبين ملامح ذلك الشخص الذي إحتضنه الشهيد أبو علي النجار، حتى تركه وصاح بي: (تعال شوف منو هذا!!). كانت دهشتي كبيرة حقاً عندما شاهدت (لطيف مطشر) بملابس الأنصار!، صافحته وقبلته، فقال لأبي علي النجار أنه كان يعرفني جيداً في الناصرية ولكنه لا يعرف إسمي، وأنا أيضاً قلت للشهيد أبو علي بأني لا أعرف إسمه! ولكني أعرف أنه رياضي مشهور في المدينة!، ومنذ تلك اللحظة أصبحنا أصدقاء، إذ كانت مفرزتينا تلتقيان بإستمرار، فهو في مفرزة هيركي التي يقودها الرفيق (توفيق)، وأنا في مفرزة أخرى يقودها الرفيق (ابو سربست)، كنا ننزوي جانباً، في أوقات ألأستراحة، نشعل ناراً ونضع عليها زمزمياتنا لأعداد وجبة شاي شهية! ثم نبدأ بتذكر الناصرية، بكل ما فيها من مجانين ومنكتين وشخصيات طريفة ومتميزة.. كان صوته عذباً عندما يشدو بالأغاني الريفية.. وكان يحب الرسم والشعر والخط، كانت لديه رغبة عارمة، حدثني بها، وهي أن يقوم مع مجموعة من الأنصار بإقتحام مدينة كردية وتحريرها، وقد شكى لي أن الرفاق لا يوافقونه على مقترحه هذا رغم أنه طرحه مراراً!، وكنت أرد عليه بأن مقترحه هذا مبكر الآن، فيسارع لشرح مقترحه ومحاولة إقناعي بوجهة نظره!. كان مفعماً بالحماس والحيوية والنشاط وحب الحياة. كان يتذكر دوماً صديقته الآيطالية ويحدثني عنها قائلاً: أنها كانت شيوعية، وكنت أتمشى معها في الشوارع ننشد معاً النشيد الأممي، هي باللغة الأيطالية وأنا باللغة العربية، فلهذا النشيد لحن واحد بجميع اللغات!. حدثني أيضاً عن كلية القوة الجوية وكيف قبل بها فقال: لقد وضعوني في مكان يدور بي بسرعة كبيرة، وحين أوقفوه فجأة نزلت بشكل هادئ وطبيعي، ومشيت ولم أسقط أو أتقيأ كما حدث للبعض ممن كانوا معي في نفس الاختبار!، لقد إجتزت كل الأختبارات بتفوق! ثم ضحك وقال: تصور لقد تفوقت في الكلية وبعد تخرجي فصلوني.. يردون أصير بعثي! وضحكنا كثيرا على حزب البعث، وتذكرنا بعض عناصره الهزيلة في المدينة .

كانت ليلة 14 | 15 كانون الأول عام 1982 شديدة البرودة، وكان النصير (أبو الندى) مريضاً ومصاباً بالزكام ولهذا إقترح المسؤولون عن السرية إعفائه من المشاركة في عملية هذه الليلة، ولكنه أصر على المشاركة، بل على أن يكون على رأس مجموعة الأقتحام، وكان وقتها آمراً لأحد فصائل السرية، وهكذا تم إختيار نخبة من الأنصار معظمهم من شباب مدينة العمادية، وأنيطت قيادة العملية بالنصير (ابو الندى)، وكانت العملية تتلخص في إقتحام ربيئة (سكيري) ((التي كانت من ربايا السلطة الحصينة، والتي كان يشكو منها اهالي المنطقة))، والأستيلاء على اسلحة جنودها وعتادهم دون إطلاق نار! إذ كان الرفيق عامر (وهو من مدينة الحلة) أحد ركائز الحزب في الربيئة، وتم ألاتفاق معه على تسليم الربيئة للأنصار ساعة حراسته عند منتصف الليل، وهذا ما تم بالفعل، إذ عندما تلقى النصير (أبو الندى) الأشارة المتفق عليها مع عامر، سارع مع رفاقه الأنصار لأقتحام الربيئة، حيث كان الجنود يغطون في نوم عميق، وكان معظم الجنود من العناصر الطيبة، على حد وصف الرفيق عامر، والذي أكد على ضرورة المحافظة على حياتهم، بعد نجاح إقتحام الربيئة، وبالفعل أيقظ النصير (أبو الندى) الجنود وحدثهم بلطف وهدوء، لكنه لم ينتبه لجندي كان يرقد في سرير علوي وكان مسلحاً ببندقية، وقد سارع الجندي لرمي الأنصار المتجمعين بصلية من بندقيته، وكان أحد الأنصار يربط قنبلة يدوية مع شواجير سلاحه وسط حزامه، فجاءت صلية الجندي بالقنبلة والشواجير التي إنفجرت مسببة قتلى وجرحى وفوضى لم تكن محسوبة أو متوقعة، إذ بادر الأنصار باطلاق النار، وحدثت معركة حامية وسط ظلام الربيئة، ثم هدأت المعركة بعد ان خلفت خمسة شهداء من ألأنصار بينهم قائد المجموعة الرفيق (أبو الندى) بالأضافة للركيزة عامر، مع خمسة جرحى من الأنصار، وقد تم سحب الجرحى وبعض الشهداء في عملية شاقة إستغرقت ساعات فجر الخامس عشر من كانون الأول، وكان الشهداء الأربعة الذين سقطوا الى جوار الشهيد (لطيف مطشر - أبو الندى -) مجموعة من شباب مدينة وقرى العمادية الأبطال وهم كل من :

1: الشهيد البطل جوتيار محمود خالد (ممو) مواليد العمادية عام 1960، وكان قد التحق بأنصار حزبنا في 9 | 3 | 1982، وكان يشغل موقع الآداري في أحد فصائل سريته.

2: الشهيد البطل وليد إسماعيل أحمد (جيا) مواليد العمادية عام 1955، وكان قد التحق بصفوف الآنصار في 27 | 10 | 1982.

3: الشهيد البطل عصمت حجي رشيد (روژهات) مواليد العمادية عام 1957، وقد إلتحق بصفوف الآنصار في 18 | 10 | 1982 .

4: الشهيد البطل علي محمد علي إسكندر (ريفينك) مواليد العمادية 1962، التحق بصفوف الآنصار في 9 | 10 | 1982. وكان هؤلاء الشهداء الأربعة أعضاء في حلقة أصدقاء حزبية، وقد جرى ترشيح الشهيد ممو قبل إستشهاده.. تحية لهذه الكوكبة البطلة من شهداء حزبنا وحركة أنصاره في ذكرى إستشهادهم البطولي، وتحية للطائر الأسمر الملازم الطيار الشهيد لطيف مطشر (أبو الندى) وسلاماً لروحه الطاهرة ولقلبه الطيب .

النصير الشيوعي العدد 18 السنة الثالثة كانون الثاني 2024