1

يوما، عندما لا زال صغيرا، وهو يتمدد الى جانب أمه على سطح الدار، يحدق الى ثوب العروس التي اسمها: السماء، والمرصع بالفضة التي تتوهج ليلا، التي طالما حدثته أمه عنها، شهقت امه فجأة وضمته اليها:

ـ هل رأيت ذلك يا وليدي؟

كان لحظتها يفكر بجولة أطفال (العگد) التي سيقودها في اليوم التالي لجمع الماجينة من بيوت ( عگد المرزا):

ـ هل رايت النجمة وهي تسقط؟

ـ ولماذا تسقط ؟

ـ لان السماء ركضت؟

ـ ولماذا تركض السماء؟

ـ كل انسان له نجمته الخاصة على ثوب السماء، وعندما يحين اجله تنخلع من الثوب وتسقط، والسماء تركض يا وليدي للحاق بالشمس!

من يومها، وهو يحدق الى ثوب العروس الراكضة، ودوما يسأل:

ـ أين نجمتي ؟

2

يوما ما، بالضبط، وهما يهمان بركوب الطبگة، قالت له:

ـ اتعرف ؟!

كان لوجهها الحنطة المذراة توا، ولشفتيها مذاق البمبر، كان مولها بها وبالأزهار واشعار سعدي يوسف واغاني داخل حسن ومرق الباميا.

حاول لحظتها ان يختزن شكل علامة الاستفهام التي ارتسمت على حاجبيها الدقيقين. كان يعرف انهما حين يكونان معا يكون لشط العرب طعم ضحكاتها:

ـ ماذا؟

ـ أتعرف ان اجمل الازهار، تلك التي تموت في عنفوان جمالها !

بعد حين، إذ وقف بينهما العسف البعثي، وطواهما الرحيل، وسكن كل منهما ذاكرة الآخر، عرف ان حبهما زهرة جميلة في حياته، من يومها وهو يترنم مع (داخل حسن) :

ـ ( مطرت عليه بليل الاظلم )

3

يوما ما، واخوه مختف في مكان من الوطن، الذي تحول الى مسلخ وسجن كبير تستبيحه ضباع حزب البعث، وكان مطلوبا للأجهزة القمعية لترغمه على التخلي عن أفكاره ومبادئه، حاول زرع الحماسة في قلوب العائلة:

ـ أتدرون، ان خيط العمر كلما قصر، كان العمر اكثر مهابة !

انخرطت أمه في بكاء مر. رمقته زوجة أخيه بنظرات غريبة، جعلته يشعر بأنه يغطس في سورة دهشة:

من يومها، وهو يفكر:

ـ من اين تأتيه هذه الكلمات ؟

نيسان 1987

قرية بيرموس