بدأت الاستعدادات العسكرية والتهيئة لهجوم شامل على المنطقة بهدف ابادة الكرد والمعارضة العراقية المتواجدة في كردستان. فما ان وضعت الحرب العراقية - الإيرانية أوزارها، حتى بدأ الهجوم بمحورين، الأول باتجاه منطقة بادنان والثاني باتجاه منطقة السليمانية وكركوك. سأتناول المحور الثاني بقليل من التفصيل على حد ماتتسع له الذاكرة وكوني شاهدا على هذه الحقبة التاريخية.

تواجدت قوات المعارضة العراقية المسلحة في منطقة واسعة جغرافيا وهي تمتد من زاخو إلى مناطق طوزخرماتوا في محافظة كركوك، وللمعلومات، أنّ قواتنا بشكل خاص (المفارز الشيوعية) تواجدت على امتداد الساحة الكردستانية كلها. انسحبت القوات المسلحة للمعارضة العراقية من سهل شهرزور باتجاه المناطق المحصنة في منطقة دربندخان وقره داغ، وتم الاتفاق مع قوات (اوك) على توزيع المناطق الدفاعية بسبب التحشيدات العسكرية المكثفة في المنطقة. اتخذ (اوك) قمة تلة قرية (سوسينان) المحصنة، ونحن اتخذنا موقعا أسفل التلة، وكان مكاننا غير محصن بالشكل المطلوب عسكريا.

بدأ الهجوم صباحا بأنواع مختلفة من الأسلحة الثقيلة (دبابات، مدفعية، هاوانات)، وكان القصف شديدا ومركزا. استمر القتال ليومين، فاضطررنا إلى الانسحاب تحت القصف الشديد وقد جرح الرفيق (عادل ره ش) الذي ذكر بان قوات اوك قد انسحبت قبلنا.

وباختصار انسحبت القوة كاملة باتجاه (بازيان) ومن ثم (سماقولي) والمقرات الخلفية، وهناك تفاصيل كثيرة اتركها لشهود آخرين. كنا نتابع المعارك من خلال البرقيات التي تردنا من القاطع، في أواخر آذار استلمنا برقية مفادها ان القوة بأكملها ستنسحب إلى گرميان وعليكم تهيئة المستلزمات الضرورية لاستضافتها. وفعلا بذلنا جهودا في إعداد و شراء مستلزمات المؤن. قواتنا في البتاليون الرابع منتشرة في المنطقة تحسبا للهجوم، وقد علمنا ان رفاقنا بقيادة الرفيق احمد بازوكة وقوة من اوك بقيادة عادل شكر صدوا هجوما للقوات المتقدمة وكبدوهم خسائرا وغنموا سيارات وشفل في معركة لطيف آغا و كان ذلك في 6 نيسان.

الأحداث تتسارع سقطت منطقة قره داغ ودربندخان وانسحبت بعض القوات من البتاليون 7 والبتاليون 15 وبعض من رفاق القاطع وبقيت قوة صغيرة بقيادة الرفيق جوهر المسؤول العسكري للقاطع  في منطقة قره داغ. بعد 6 نيسان أصبحت منطقة گرميان منطقة (كربلائية) المشهد هجمات من محاور عديدة، من اتجاه كفري كلار ومن اتجاه سنگاو ناوجول ومن قادر كرم بنارگل زنگنة ومن جباري خالوبازيان، هجمات لم يشهد لها تاريخ المناطق الكردستانية مثيلا. اعمدة الدخان والتراب تتصاعد في كل الاتجاهات، اصوات هدير الطائرات والدبابات والشفلات تتداخل مع بعضها، صراخ الأطفال وولولة النساء وحيرة نظراتهن وهن يحملن ماامكن من الحاجات والأطفال. جمهرة من الناس تهرع خائفة باتجاه المجهول لكي تبتعد عن الوحوش الكاسرة من الجحوش والعسكر. بدأ التعب على البعض مما اضطرهم الى ترك بعض الأثقال في الطرقات، وعندما اشتد التعب والخوف اضطر البعض حتى لترك بعض اطفالهم!، بينما تبرع بعض الشباب بحمل الأطفال المقطوعين عن اهلهم و ساروا باتجاه الركب، إلى أين؟ لا يدرون، إلى المجهول.

الطرقات مليئة بالتركترات والماطورات واشياء اخرى كثيرة تركها المتعبون. سكان المنطقة بدءوا بترك قراهم وهربوا باتجاهات مختلفة. الطيران يحلق على ارتفاع منخفض وأحيانا يفتح نيرانه باتجاه الأرض نحو أهداف معينة، وهنا لابد من ذكر حادثة مؤلمة صادفتها حيث التقيت احد القرويين وكنت اعرفه وهو على ظهر حمار وقد أصابته شظية في قدمه، طلب مني ان أساعد ابنه الجريح في التلال القريبة وهو بصحبة أغنامه، وفعلا وجدته وقمت بتضميده جروحه البالغة والتي نزفت كثيرا (بالجمداني) ونقلته إلى مكان أفضل وتركته للمجهول لان الوقت لا يسمح بالتأخر.

منذ عدة أيام كنا قد جهزنا أنفسنا في مقر البتاليون الرابع، تم إخفاء قطع السلاح الفائض أنا وماموستا علي وكنا قد هيئنا المقر عند بنائه حيث عملنا انفاقا تحسبا للطيران لان المنطقة عبارة عن تلال وهضاب مما سهل لنا إخفاء حاجيات المقر داخل الانفاق و أغلقناها، و جمعنا الوثائق المهمة في حقيبة وتركنا المقر.

معركة تازة شار 9 نيسان

الاوضاع في 9 نيسان ازدات خطورة، القوات المعادية المتقدمة تواجه مقاومة شديدة من قبل البشمركة، وكذلك من الفلاحين المسلحين. مفرزة من رفاقنا بقيادة م. سامي باتجاه منطقة (تازه شار) ونحن قلقون ولا نعلم ماذا يدور في تلك المنطقة ولكننا نرى ونسمع الطائرات والقصف المدفعي الثقيل وأعمدة الدخان تتصاعد باتجاه شيخ حميد. الرفيق علي مام صالح احد شهود معركة (تازه شار) يروي لنا انهم سمعوا أصوات المدافع وكانوا في قرية (كاني قادر) التي تبعد حوالي خمسين دقيقة عن موقع المعارك. وصلنا إلى قرية شيخ حميد أنا و بصحبتي صديق اسمه سركوت والتقينا بالرفيق ماموستا قادر وكان على تلة في قرية شيخ حميد واستفسر منا إلى أين نذهب؟ لايمكنكما التقدم بسبب كثافة الرمي والقصف المدفعي وتقدم الدبابات وكذلك التحليق المنخفض للطائرات. و في هذه الأثناء التقيت بأحد قروي المنطقة وأخبرني ان كل شيء إنتهى ويقصد ان افراد القوة استشهدوا جميعهم وهم ثمانية من رفاقنا، واثنين من الفلاحين واثني عشر من اوك.

الدبابات والجحوش يتقدمون باتجاهنا ووصلوا على مسافة 200 م. تقريبا، واصبح انسحابنا امرا صعبا للغاية، لكننا تمكنا وبصعوبة كبيرة من الانسحاب اثناء وقوع قذائف المدفعية حيث الغبار يحجب الرؤية.

يقول الرفيق م. فاضل ((كنا نختفي في موقع على تلة ولكننا لا نرى (تازه شار)، وفي هذه الأثناء وبحدود الساعة الثانية بعد الظهر وصل قادما من موقع مقاتلينا الرفيق عدنان وهو يركض ووصلنا بصعوبة بالغة بسبب كثافة النيران وأعلمنا بأن الرفاق بحاجة إلى العتاد ولديهم جريح وهو مرسل من قبلهم، الا اننا لا نستطيع إرسال الذخائر بسبب احتلال موقع الكمين من قبل القوات والجحوش وهذا ما اخبرنا به آرام هورامي، وفي هذه الأثناء اقتربت منا دبابة فضربتها بقذيفة اربي جي وتوقفت وتمكنا بصعوبة من الانسحاب من المكان )).

و يقول الرفيق م. علي امر البتاليون الرابع گرميان، كنت احمل جهاز "هوكي توكي" وكنت على اتصال مع الرفيق م. سامي إلى ان انقطع الاتصال معهم بعد الظهر. كما اكد الرفيق م. علي انهم حصلوا على وثائق بعد سقوط النظام من استخبارات السليمانية انه تم أسر الجرحى طارق اخ الشهيد كاوه وعامر المخابر (نظمي) وآشتي وتم نقلهم إلى السليمانية واعدموا.

9 نيسان 1988، شهداء (تازه شار):

1: ناظم علي عباس (ملازم سامي) معاون آمر البتاليون الرابع

2: ماجد علي خليفة، طوزخرماتو

3: طارق محمد امين ، اخ الشهيد كاوة 

4: عدنان رشيد غيدان، كانى قادر

5: عبد الله حيدره سور

6: عبد الرحيم محمود (آشتي)، كركوك

7: طالب ابراهيم كامل (علي عرب) 

8: فوزي هادي عطيوي (عامر المخابر)

9: عادل مجيد ، تازه شار

10: احمد امين

11 : بيشمركة من اوك