بعد ان ضاقت بي السبل، وكنت مطلوبا للنظام البعثي، وكانت صوري موزعة على مفارز انضباط الجيش وسيطراته في السليمانية واربيل لمعرفتهم باني كنت المنسق النشط بين طلبة الكليات اثناء الاضرابات والمظاهرات، ويعرفون ايضا بأني رافض للانخراط في تدريبات الجيش الشعبي اللا شعبي!. فلم يبقَ امامي سوى الالتحاق بقوات الانصار في جبال كردستان.

وشاءت الصدف العجيبة ان اصل الى المقرات بسلام، فالصدفة الاولى وانا محتار في طريقة الالتحاق،  صادفت زميلا ورفيقا لنا وهو صديقي، وطرحت عليه موضوع إلتحاقي بحركة الانصار،  فارشدني الى عائلة في السليمانية يمكنها ان توصلني الى المقرات بتوصية من تنظيم الداخل. 

ذهبت الى بيت هذه العائلة، واستقبلوني احسن استقبال، فبتُّ عندهم تلك الليلة على أمل الخروج صباحا بمساعدتهم. في الصباح ذهبنا أنا والمرأة صاحبة البيت واثنان من اطفالها الى كراج السيارات التي تصل الى مدينة (احمد أوه)، وهي مدينة محررة من سيطرة السلطة البعثية، لكن الطريق إليها يمر عبر عدة مناطق ومدن تنتشر فيها مفارز الانضباط وجنود الجيش.

قبل ان نركب السيارة، اخبرت السيدة التي ترافقني مع طفليها واكدت عليها ان لا تتعرف عليّ في الطريق ابدا ولا تتكلم معي لاي سبب كان، وذلك من اجل ان لا يعرف او يشك اي احد من ركاب السيارة في وجهتي ونواياي، لكنّ السيدة سرعان مانسيت وصيتي، فما ان تحركت السيارة وقطعنا مسافة، راحت تناديني بين فترة واخرى باسمي (كاك وليد فرمو كول بروجة)!، يعني اتفضل (حب عباد الشمس)!، وهكذا حتى وصلنا الى سيطرة مدينة سيد صادق.

كان الجو في تلك الساعات ممطرا. صعد الانضباط  يتفحص وجوه المسافرين واحدا بعد اخر، واول ما وقعت عيناه على شكلي صفن قليلا، ثم نظر الى الخلف حيث زميله الذي بقي في كابينته بسبب المطر، بعدها التفت ناحيتي وقال: ممكن هويتك. اعطيته هويتي، بينما قلبي انتفض واصابعي راحت تتحسس رقبتي التي سوف يلتف حولها حبل المشنقة!، لكن الجندي وجه لي السؤال، هل انت من الناصرية ؟، فقلت نعم: كما اني هيأت جوابا اخرا اذا استمر بالاسئلة، لكن الصدفة الثانية الجميلة التي حصلت، بان الجندي قال لي: (يا اهلا وسهلا بأبن ولايتنا)، واعاد لي هويتي بالرغم من معرفته الجيدة بوجهتي، أعطاني الهوية وقال للسائق: (اتفضل اتحرك).

ما ان قطعت السيارة مسافة قصيرة، حتى صاحت السيدة موجهة كلامها الى السائق: (تكاية دابزين)، يعني اريد النزول رجاءً، فتوقفت السيارة ونزلت المرأة ومعها طفليها، ونزلتُ معهم مسرعا. وبينما كنا نسير باتجاه قرية (شيرمار) صادفتنا سيدة اخرى لتخبرنا ان في القرية مفارز من الجحوش. عندذاك فكرت باني وقعت في المصيدة لا محال، لكن المرأة عندما علمت بوجهتي اخذتني مسرعة وادخلتني في بيت معزول عن القرية، واعطتني ملابس كردية (الشروال  والجمداني/ غطاء الرأس) لاحد الشهداء الذي استشهد لتوه.

بقينا في البيت فترة قصيرة ننتظر خروج مفارز الجحوش من القرية، وعندما تاكدنا من ذلك، انتقلنا الى بيت اخر، وكان علينا ان ننتظر في هذا البيت حتى اختلاط الظلام لكي نتسلق سفح الجبل الذي يفصل بين قرية (شيرمار) ومقرات الانصار، وما ان اختلط الظلام حتى خرجنا من البيت وبدأنا بصعود السفح، وعندما وصلنا الى قمته، واذا بصوت عال يأتينا من جهة الخلف (جيى زه لام) يعني من انتم؟، فقالت السيدة التي ترافقني: (خومانة هاوريان)، فرحب بنا الحرس وسمح لنا بالمرور عبر السفح الاخر للجبل حيث تنتشر مقرات اغلب الاحزاب، ثم وصلنا الى مقر سرايا الفوج التاسع لانصار الحزب الشيوعي العراقي الواقعة في قلب الوادي. فسألني الرفاق عن اسمي ومن اين؟ فقلت لهم اسمي الحقيقي، فضحكوا جميعهم، لقد كان عليّ ان اختار اسما مستعارا اتعامل به اثناء وجودي بالحركة الانصارية. وبوصولي الى المقرات، تنتهي هذه القصة لتبدأ قصص اخرى اكثر اثارة واشدّ غرابة.