في آواخر ربيع عام 1981 وبعد فتره وجيزه من تشكيل الفصيل السادس (فصيلنا) في منطقة نوكان  وهي منطقه مشرفة على قاعدة نوزنك وقد كانت مهمة فصيلنا هي {سلاح الدوشكا} بالاضافة الى المهام الانصارية الاخرى ولكن  لم يمضِ على تواجدنا سوى فترة وجيزة حيث كنا وقتها  نعمل على تهيئة موضع لسلاح  الدوشكا وتهيئة موقعنا الصيفي  مؤقتا لحين الاتفاق على بناء الموقع الشتوي عندما ابلغنا الرفيق مسؤول الفصيل العسكري أبو الوليد {هو الفقيد حسن عبود، مدرس كيمياء من محافظة السماوة}  بالأستعداد للتحرك الى منطقة بشتاشان وأن يكون تجمعنا عند فصيل بشدر لحين أستكمال مستلزمات تحرك المفرزة. اضافه الى فصيلنا التحق معنا رفاق من فصيل حماية المكتب العسكري وكذلك رفاق من فصيل بشدر، فرحت من كل قلبي لمشاركة الرفاق من فصيل بشدر معنا لمعرفتي بهم وانسجامي معهم فأغلب المفارز التي اشتركت بها قبل ان انتقل الى فصيل آخر كانت قد ربطتني بهم علاقة جميلة وتعلمت  منهم الكثير وأحببت منطقة بشدر وبتوين من خلالهم وخاصة علاقتي المتميزة مع الشهيد مام رسول بطل المهمات الصعبة والرفيق الذي لايعرف المستحيل، وهو الذي سيقود المفرزة الى منطقة بشتاشان، المسافة بين نوزنك  وبشتاشان ليست طويلة والطريق الجبلي سالك وغير وعر وتستخدمه مفارز الانصار والبيشمركه  وكذلك قوافل (الكرونجيه) في نقل بضاعتهم من مناطق قلعة دزه الى نوزنك (الفروشگه)، وصلنا  منطقة بشتاشان في اليوم  الثاني من انطلاقنا من قاعدة نوزنك بعد ان بتنا ليلا في قرية رز‌گه المهجرة والمحروقة كباقي القرى التي كانت واقعة على الشريط الحدودي بين قلعة دزه وايران، طول فترة مسيرة المفرزة كان مام رسول (آمر المفرزه) صامتا وعلى غير عادته وطبائعه في قيادة المفارز التي شاركت مع رفاقي من فصيل بشدرفي مناطق بشدر وبتوين فكان دائما مرحا ومتابع لكل رفيق في المفرزة ويشعرك بالامان في اخطر الظروف بهدوئه وحكمته ولكن في هذه المفرزة كان مام رسول صامتا.

في بداية دخولنا الى منطقة بشتاشان شعرنا بتغير تضاريس المنطقة  وخاصة عند مرورنا بقرية أشقولكا المهجرة شعرنا بجمال المنطقة وكثافة الاشجار المثمرة والمتروكة، استقرينا في منتصف الطريق بين  اشقولكا وقرية بشتاشان السفلى مؤقتا وانشغلنا جميعا بقطف الثمار والاعناب وفواكه مختلفة بعد ان كنا محرومين منها في الفترة السابقة. أنبهرنا لجمال الطبيعة ولعظمة جبل قنديل الذي يحتضن حوض بشتاشان بهيبته وشموخه وأرتفاعه الشاهق، ياختصار شعرنا  وقتها  ان هذه المنطقة هي  ركن من الجنة  تُرك على الارض .

تم تشكيل مكتب السرية بعد وصول الرفيق الفقيد ابو دلشاد (تحسين الشيخلي) بعد ايام من تواجدنا في بشتاشان  وكان الرفيق ابو دلشاد هو المسؤول السياسي للسرية والرفيق جوتيار آمر للسرية ومعاون له الرفيق الشهيد مام رسول والرفيق ابو عادل المسؤول الاداري للسرية والتي عرفت بسرية بشتاشان. أدركت في حينها بعد تشكيل مكتب السرية سبب صمت الشهيد مام رسول في الفترة السابقة، كنا جميعا في المفرزة  ومنذ لحظة تحركها الى بشتاشان نعتقد ان الرفيق  مام رسول وهو النصير القديم والشجاع ورجل المهمات الصعبة في كل الاوقات واخطرها هو سيكون المسؤول العسكري بالاضافة الى انه  كادر فلاحي في منطقة بشدر وبشتاشان جزء من هذه المنطقة ناهيك عن شخصيته المحبوبة وهدوئه وحكمته في الظروف الصعبة وامكانيته العسكرية مما  أكسبه ثقة جميع الرفاق الانصار وقد برر مام رسول كل هذه الصفات بأستشهاده البطولي في معركة بشتاشان. كانت المهمة الموكلة  لسريتنا هي الدفاع عن بشتاشان التي ستصبح القاعدة الرئيسية للحزب مستقبلا، وكانت المهمة غير سهلة فبشتاشان منطقة واسعة ووعرة ولها مداخل متعددة كما ان عددنا القليل وتسليحنا البسيط الذي يقتصر فقط على الاسلحة الخفيفة، جعل المهمة اكثر صعوبة، ومع ذلك شكلت فصائل اشقولكا، قرناقو. بولي، وفصيل مكتب السرية، وانشئنا خيمة طبية مخصصة للرفيق الرائع الشهيد الدكتور بهاء منعزلة في منطقة من وادي كان يسلكه الاهالي عندما يأتون لرعاية اراضيهم واشجارهم في المنطقة، كانت منطقة بشتاشان تتعرض للقصف المدفعي بين الحين والاخر من الرباية العسكرية  المتواجدة. بعد استقرارنا في بشتاشان تناقل الاهالي اخبار تواجدنا فيها وبتظخيم كبير كعادة الفلاحين في نقل الاخبار، وبالتالي تصل المعلومات الى السلطة من خلال عملائهم وركائزهم الاستخبارية في القرى والمجمعات السكنية.

في ضحى يوم صيفي ولم يمر علينا سوى ايام على تواجدنا، غارت علينا الطائرات السمتية بشكل مفاجئ وسريع. قصفت المناطق والمرتفعات المحيطة بقرية قرناقو  وبشتاشان وبداية سفح جبل قنديل وفي الغروب في نفس اليوم قصفت الربايا  وادي بشتاشان  في اماكن متفرقة ولكن بعيدا عن مواقعنا، وقد ارسل لنا الرفاق مع فرزة وصلت الى بشتاشان بعد يومين من نوزنك سلاح (دوشكا) وعتاد له. ساعدتنا تضاريس بشتاشان وسرعة أنتشارنا وعدم تكدسنا في منطقة واحدة على تفادي مفاجئة السمتيات لنا بدون خسائر، وقد زاد حذرنا بعد ذلك في حياتنا اليومية من احتمالات القصف المدفعي وغارات الطيران. زار السرية القائد الانصاري ملا علي (الفقيد عبد الله ملا فرج) مع رفاق آخرين من قاطع السليمانية قادمين من نوزنك، وكنت مع المجموعة التي رافقته عندما اراد استطلاع المنطقة (معرفتي بالرفيق ملا علي كانت منذ صيف 79 عندما وصلنا الى قاعدة بلبزان واستقباله لنا. للرفيق أمكانية قيادية عسكرية أشعرتنا نحن الملتحقين الجدد بالثقة وخاصة عندما مرت قاعدة بلبزان بظروف حرجة اثناء تقدم الجيش الايراني وحدسه لتطور الاوضاع وقراره الصائب بنقل القاعدة بسرعة الى منطقة اخرى)، وبعد ان استطلع كل منطقة بشتاشان من طرق  ومداخل ومنطقة بولي وقرناقو وكاسكان، وكذلك طرق الوصول الى جبل قنديل، وفي نهاية جولتنا أتذكر ما قاله ملا علي أنه من الصعوبة الدفاع عن المنطقة في حالة التقدم العسكري عليها وكذلك صعوبة الانسحاب من خلال جبل قنديل وخاصة في فصل الشتاء لما معروف عن جبل قنديل وصعوبته التي تصل الى حد المستحيل في هذا الفصل .

كانت مهمة اداري السرية التي كلفت بها مهمة جديدة عليّ وصعبة في آن واحد، ولم تكن لي اي خبرة سابقة بها، ومسالة شراء المواد الغذائية الرئيسية وتوفيرها للسرية صعبة، فموقع سريتنا  ليس كما هو موقع قاعدة نوزنك المركزية وقربها من طريق قوافل (الكرونجيه ) الذين يهربون البضائع الى ايران، مما كان علينا ان نجد منافذ للتموين من القرى القريبة (نسبيا) من بشتاشان. من الامور التي ساعدتني في مهمتي هي التجربة التي كان يعكسها لنا بشكل غير مباشر الرفيق ابو احمد (الفقيد البطل عبد الرحمن القصاب) بأسلوب ادارته للادارة المركزية في قاعدة نوزنك وحرصه على نقل خبرته بشكل طبيعي من خلال  زياراته للفصائل واحاديثه مع الانصار بروح رفاقية وتربوية. كان دائما يذكر ان الادارة ليس فقط توفير التموين مع اهميته وأنما كذلك كيف تقيم العلاقات مع الفلاحين او تنشأ ركائز لك في القرى للحصول على اخبار تهمنا ومحطات لعمل الحزب كما كان للرفيق مام رسول دور بل دور كبير في تسهيل عملنا الاداري، فقد استغل الشهيد زيارات اهالي المنطقة له وخاصة أهالي سهل بشدر الى بشتاشان بين فترة وأخرى لتوفير  طلبياتنا من المواد الغذائية والبانزين الذي كان ظروريا لجهاز المخابرة. وبمساعدة رفاقنا كذلك، اقمنا علاقات في قرية درگله وقد كنا انا والرفيق حسن خدر بين فترة واخرى نزور قرية درگله ليلا ونلتقي في بيت (مام علي _ الرفيق الذي  انجز وقدم للحزب الكثير) لأنجاز بعض المهام أدارية او حزبية كانت، ولكن اغلب طرقنا التموينية وقتها كانت عن طريق سهل بشدر، وكذلك عن طريق نوزنك. تطور عملنا  الاداري تدريجيا وساعد على ذلك هو قلة عددنا وتمكننا من الحصول على التموين من مصادر مختلفة مع الاخذ بعين الاعتبار توفير  الاحتياط الضروري لاوقات الحاجة ونوزعه بشكل مباشر على الفصائل  بدون  تكديس  المواد الغذائية في مكان واحد. لا يمكن ان أنسى الظرف الحرج الذي مررنا به شتاء عام 1982، كان شتاء قاسيا وتساقطت فيه الثلوج بغزارة غير معهودة ولفترة طويلة، فأنقطعت وقتها الطرق المؤدية الى قاعدة بشتاشان. وواجهتنا مشكلة لم نكن نحسب لها حساب وهي كيفية توفير العلف للبغال حيث بدء ما مخصص لهن (كان عدد البغال 3) من علف ينقص الى درجة كبيرة مما اقتضى ان نطعم الحيوانات من التموين المقرر لنا .

في نهاية آب عام 1981  وصلت الى بشتاشان مفرزة من رفاقنا من بهدنان وكان آمر المفرزة الرفيق الرائع الفقيد ابو شروق (محمد خلف مجيد) ونسب اغلب رفاق المفرزة الى سرية بشتاشان، وكانت السرية بأمس الحاجة لأعداد جديدة لدعم فصائل بولي وقرناقو خاصة بعد احداث معارك ورته الأولى والثانية وتزامنها مع الاخبار التي كانت تصلنا بأستمرار بأحتمالات تقدم السلطة على المنطقة (وكان ذلك جزء من الحرب النفسية ضدنا التي تمارسها السلطة مما حتم علينا زيادة الحذر وزيادة عدد  كمائننا المتقدمة. من الاحداث المؤسفة الي عشناها في سرية بشتاشان هي اصابة الرفيق عادل مخلص سهوا اثناء أدامته لسلاحه، كانت أصابته عميقه وفي اكثر من مكان في ساقه وبعدة طلقات، ساعدتنا الصدفة بتواجد د. عادل الذي وصل الى بشتاشان قبل ايام،  كان علينا ايصاله الى نوزنك بناء على طلب المكتب العسكري، كانت الادوية المتوفرة في الموقع الطبي للسرية قليلة واغلبها علاجات للاسعافات الاولية واستطاع الرفيق د.عادل بادواته البسيطة وبما توفر لديه من ادوية ومعقمات أن يجري عملية جراحية كبيرة. بعد ان ناقش الحالة مع مكتب السرية وتاكيده على ضرورة تنظيف ساق رفيقنا الجريح، استمرت العملية ساعات غير قليلة حيث نجح الرفيق باستخراج أكثر من رصاصة وشظايا من ساق الرفيق وتنظيف الجرح ومراقبته بعد أنتهاء العملية. وبعد ايام  وصلت الى سرية بشتاشان مفرزة طبية قادمة من نوزك مع كمية من الادوية الضرورية وأدوات جراحية بقيادة د.صادق  وبالتشاور مع الدكتور عادل قاما الرفيقان (د.عادل ود.صادق ) باجراء عملية مرة اخرى للتأكد من نظافة ساق الرفيق من اية شظايا .

لايمكن بهذه السطور القليلة ان اعكس كل الاحداث التي مرت وحدثت في فترة تواجد سرية بشتاشان بتشكيلتها قبل انتقال المكتب العسكري والمكتب السياسي من نوزنك الى بشتاشان وتشكيل بتاليون بشتاشان. ما كتبته هو محاولة لتنشيط ذاكرة رفاقي الانصار في سرية بشتاشان لعكس الاحداث التي عشناها سوية،  فكل حدث مما أسعفتني بها الذاكرة بعد هذه السنين يحتاج الى كتابة خاصة بتفاصيله ولكل اسم شهيد خالد او فقيد غالي ودعنا قبل الاوان في ظروف عملنا المشترك واجب علينا ان نخلد مواقفهم وبطولاتهم.   

   منذ منتصف شتاء عام 1982 بدأت المفارز بشكل تدريجي تنتقل وتستقر في قاعدة بشتاشان من قواطع اخرى تنفيذا لقرار الحزب ان تكون قاعدة بشتاشان القاعدة الرئيسية. كانت من المزايا التي ساعدت سرية  بشتاشان على انجاز مهامها هو خفة حركتها وعدم اثقالها بمعدات تعيق الحركة السريعة عند الضروره، حيث كان  توزيع  فصائل السرية وتواجد رفاق يعرفون المنطقة ولهم خبرة ساعد على تحمل المهمة التي كلفت بها السرية مع صعوبتها، ولكن وخاصة بعد نهاية ربيع عام 1982 عند استكمال انتقال قيادة الحزب الى بشتاشان وتكدس اعداد غير قليلة من الانصار غير المدربين على العمل الانصاري في المنطقة وتواجد الرفاق المرضى وكذلك تواجد العوائل، كل ذلك اثقل القاعدة بمهام صعبة.. لم تبقى سرية بشتاشان بتشكيلتها السابقة، فعند تشكيل بتاليون بشتاشان والفصائل المرتبطة بالمكتب العسكري والمكتب السياسي، توزع رفاق بشتاشان في هذه التشكيلات العسكرية بعد تشكيل بتاليون  بشتاشان، والذي ضم سرية اشقولكا وسرية بولي وسرية المقر بالاضافه الى فصيل ادارة البتاليون. وعن هذه الفترة منذ التشكيل حتى معركة بشتاشان والانسحاب غير المنظم منها يحتاج الى وقفة اخرى .