معهد الفنون الجميلة بيتها الأول ولايفارق ذاكرتها

نضال عبد الكريم، اسم كان صاخبا منذ عرفتها في معهد الفنون الجميلة في بغداد عام 1975 .. اسم له وقع خاص بين طلبة المعهد في تلك الفترة، عندما كان المعهد في ذروة توهجهه لجيل طامح وحالم من الشباب والشابات، الذين توافدوا بكثافة نوعية فلترتهم لجنة مميزة باختبار، أقل مانقول عنه غربال ناعم لايقبل دغشا. شباب صاخب .. يشعرك بنبض الشارع الثقافي، الادبي والفني، والسياسي أيضا، حيث تتلمس المواقف من كل شيء، مواقف في السياسة، مواقف من الفن وفي الفن، مواقف حياتية وانسانية وثقافية، كان طالب المعهد في تلك الفترة شعلة من نار، تُطبخ فيها، تتدفأ عليها، تحرق بها، واهم ماتميز به شباب تلك المرحلة، سلاحهم القوي والفتاك، ثقافتهم ومعرفتهم ودرايتهم بما يدور حولهم، ليس في العراق فحسب، بل تعداه الى العربية والعالمية  .

كانت نضال عبد الكريم الأشهر والألمع بين أقرانها في المعهد المذكور، حماسها وقدرتها، وخلفيتها الثقافية، وتجربتها الحياتية بالرغم من صِغَرِ عمرها، كانت سلاحها القوي والكبير في مغامراتها الجريئة في الخوض بتجارب أكبر من عمرها، حيث كانت مشاركاتها اقرانها من الطلبة في اعمالهم المسرحية، واختيار اساتذتها لها في اعمالهم التجريبية والأكاديمية في بعض الاعمال الاحترافية لمسرحيات خارج خشبة المعهد وقاعاته، وكان للفنان الراحل قاسم محمد دورا كبيرا في تنمية قدراتها وقابليتها في التمثيل، وصقل موهبتها في البحث والتمحيص والتدقيق في ادوارها، كان الفنان الراحل حازما في تعليم وتربية طلابه وهب الدورة الأولى له في هذا المعهد بعد عودته من اكمال دراسته في خارج الوطن، محملا بتجارب مهمة وكبيرة أثمرت فيما بعد للمسرح العراقي برمته نتائجها المبهرة والكبيرة، كان ولازال المسرح العراقي يفتخر بثمارها، ويشهد لها المسرح العراقي والعربي، لما لتلك النتائج من أثر كبير على تقدم المسرح، حيث يشهد القاصي والداني أن للفنان الراحل قاسم محمد دوره الكبير والمؤثر لما آل اليه المسرح في تلك الفترة من ازدهار وتقدم ولازالت تلك الاعمال التي انتجها لفرقة المسرح الفني الحديث شاخصة في أذهان العراقيين من طلبته الذين شارك اغلبهم في أعماله وهم لازالوا على مقاعد الدراسة، والعرب الذين شاهدوا اعماله في مهرجاناتهم المسرحية الرسمية منها والغير رسمية .

نضال عبد الكريم المميزة في دراستها ومشاركاتها ومتابعاتها، لم تنجو من مضايقات السلطة وجلاوزتها في المعهد، شخصية منفتحةٌ وجريئةٌ في طرحها وفي تعاملها مع الآخرين لدرجةٍ العناد الإيجابي ، بنقاشاتها داخل الدرس وخارجه على خشبة المسرح ، لأيمانها العميق برسالتها ورسالة المسرح التي جاءت اليه عن قناعة مترسخة بان المسرح رسالة انسانية قبل ان تكون فنية ، واعية من خلاله انها ستكون في صميم افكارها  وأحلامها في خدمة الشعب والوطن.

شاركت وهي لازالت طالبة في الكثير من الاعمال المسرحية، وعملت مع كبار المخرجين المسرحيين العراقيين امثال الفنان الراحل جعفر السعدي والفنان الراحل قاسم محمد، والراحل عوني كرومي، والفنان لطيف صالح، والفنان الراحل والفقيد كاظم الخالدي، والفنان اديب القليجي، والفنان المسرحي سلام الصكَر ... وغيرهم .

إنتمت الى فرقة المسرح الشعبي في بغداد وكانت عضوا فاعلا شاركت في أغلب اعمالها منتصف السبعينات من خلال خشبة مسرح بغداد، ومسرح الستين كرسي، الذي أسسته وانشأته فرقة المسرح الشعبي لقلة المسارح في بغداد .

أهم الأعمال المسرحية التي قدمتها من خلال فرقة المسرح الشعبي هي (سيرة أُس) من اخراج الفنان أديب القليجي ومسرحية (إمتحان الموديل) من اخراج الفنان الفقيد كاظم الخالدي.

ممثلة من الزمن الذهبي .. تشق طريقها رغم الصعوبات والمعوقات

إضطرت الفنانة القديرة نضال عبد الكريم لمغادرة العراق، بعد ان ضاقت فيها السبل نظرا لموقفها السياسي والفني والثقافي ورسالتها الفنية التي تتعارض ونهج السلطة الدكتاتورية، وبعد تعرضها الى المضايقات والملاحقات والتهديد على عملها وعزلها ومراقبتها، حيث كانت مهددة في السجن والاعتقال في اية لحظة او فرصة.

غادرت الوطن مرغمة وبطريقة لاتخلو من المغامرة بحياتها، متجهة الى المجهول عسى ان تجد فرصة لتامين حياتها ومستقبلها، فحطت رحالها في جمهورية اليمن الديمقراطية آنذاك، مدينة عدن التي لم تكن تحلم او ترغب ان تكون فيها في يوم من الأيام، لكن الآمان والعيش الكريم دفعها الى ذلك، منطلقة من أن بامكانها استكمال مسيرتها في الفن والنضال من اجل عراق يخلو من الاضطهاد والتعسف على الاقل، لتبدأ مشوارا لايخلو من الصعوبة في كل شيء إبتداءا من البيئة وملحقاتها، والمجتمع الذي يختلف عن ما كانت عليه، ولكن صبرها ومثابرتها ورسالتها الانسانية، كانت اكبر من ان تخوض هذا الغمار، لتكتشف انها بين ثلة من الفنانين والمبدعين والمناضلين الذين شاركوها الهم المسرحي والعراقي، باشرت بمشروعها الفني الذي في صلب اهتماماتها وطموحها، لتشترك مع الفنانين العراقيين من زملاءها ومجايليها في الوطن، حيث باشرت مع الفنان لطيف صالح مخرجا لمسرحية (راس المملوك جابر) لمؤلفها سعد الله ونوس ... لتكون باكورة أعمالها في خارج الوطن، قدمت هذه المسرحية في مدينة عدن ونالت رضا واعجاب الجمهور والنقاد عراقيا وعربيا، لتتواصل مع المخرج الفنان سلام الصكر في مسرحية ( الأم) والتي عرضت على مسارح عدن وبعض المدن اليمنية الاخرى، ويترسخ اعجاب الجمهور مرة اخرى بالمسرح العراقي  هناك.

تتالت الاعمال المسرحية والتلفزيونية في عدن، وبأجتهادها وجديتها ومثابرتها كسبت جمهورا جميلا يعتز ويفتخر بها وبأعمالها مع مجموعة من الفنانين العراقيين هناك الذين رسخوا لمسرح عراقي امتداد للمسرح العراقي الجاد والهادف.

عملت كمخرجة تلفزيونية بين عامي 1990- 1992 في تلفزيون عدن وأعدت الكثير من البرامج الفنية والثقافية والتمثيلية، اضافة الى عملها في المسرح مع الفرق والمجموعات العراقية.

تجربتها في كردستان العراق .. فنانة في النضال ضد الديكتاتورية

من هناك إلتحقت بفصائل الأنصار الشيوعيين العراقيين في كردستان العراق، تلبية لنداء الوطن في معارضة ومحاربة النظام الديكتاتوري والفاشي في بغداد، مساهمة منها في النضال من اجل عراق ديمقراطي يرفل ابناءه فيه بالحرية والرفاه، ومن يعرف حياة الانصار الشيوعيين يعي تماما مهماتهم الثقافية والفنية الى جانب حملهم للسلاح ضد أعتى الديكتاتوريات في العالم والذي لايمكن لحركة او منظمة او جيش يستطيع تغيير النظام الجاثم على رقاب العراقيين، ولكن الانصار في خطوتهم هذه قدموا شهداء ودماء في سبيل مايؤمنون به في اضعاف النظام ومشاغلته في تلك الحقبة التي تشتعل فيها الحرب العراقية الايرانية، ساهم الانصار والفنانة نضال عبد الكريم منهم في المساهمة في تثقيف وتوعية وتوجيه شعب كردستان وقراه وقصباته المتناثرة في ربوعه، ساهموا وبشكل حر ومباشر في توعية الجماهير وفضح النظام وممارساته وبشاعته في القمع والاضطهاد، من هنا كانت مساهمة الانصار ومن إنضم اليهم من الفنانين والمبدعين في شتى صنوف الفن والثقافة وكل من موقعه.

إشتركت الفنانه من خلال تلك النافذة في خدمة بلدها وشعبها بالكثير من النشاطات الفنية والثقافية والمسرحية، وفقا للامكانيات المتاحة التي لاتخلو من الصعوبة والخطورة والمغامرات .

مسارح بغداد والعراق موقعها الحقيقي .. تحلم في العودة إليها

بعد هذه التجربة الصعبة والمريرة، لم تستسلم الفنانة لهذه العوائق والصعوبات في مواصلة طموحها المشروع في مواصلة دراستها والبحث في افضل الطرق لتلبية رغباتها في تعزيز هذا الطموح في الدراسة، التي طالما سعت وتسعى لتحقيق أحلامها في التفوق العلمي والعودة للوطن ... غادرت الفنانة من هناك الى خارج الوطن مرة اخرى، لتكون هذه المرة على مقاعد الدراسة من جديد وهذه المرة في موسكو ... لتلتحق في احد معاهدها الفنية، لتدرس المسرح هناك لتنال شهادة عليا (الماجستير) في علوم المسرح ولتختص بالنقد المسرحي ..

أكملت دراستها في المعهد الدولي  للفنون المسرحية – موسكو 1984-1990 وحصولها الشهادة العليا في (النقد المسرحي) لتبحث من جدبد ايضا عن ساحة عمل لتعطي ثمار ماتعلمته، حيث ابواب الوطن لازالت مغلقة امامها ولازال النظام الصدامي جاثما على رقاب شعبنا ولامجال للعودة ...

اختارت، مضطرةً، أن تبقى في المهجر لتحط رحالها في (كوبنهاغن) العاصمة الدانماركية، وتبدأ حياتها بشبه استقرار، ولكنها، لم ولن تغادر أحلامها في المسرح وخشبته، بالرغم من الحياة الجديدة وصعوبتها، في اللغة والحياة وغربتها. واصلت حياتها وبحثها محاولة الوصول الى طموحها (الحلم) الذي طالما تسعى الى تحقيقه.

في الدانمارك وبعد أن إستقرت في هذا البلد، الذي لايخلو أيضا من صعوبة في ترحالها، وتجربتها في المنفى والمهجر، حيث اللغة الجديدة والمجتمع المختلف بعاداته وتقاليده، وثقافته وفنه، وإنغلاقه على الشعوب الاخرى، استطاعت أن تتأقلم، محاولة أن تبدأ من جديد في مشروعها المسرحي، مذللة الصعوبات والمعوقات مع نفسها.

العراق في ضميرها وذاكرتها، وما ان سنحت الفرصة لها بالمشاركة في مسرح عراقي هناك، حتى لبت الدعوة للمساهمة مع مجموعة من المسرحيين العراقيين هناك، اضافة الى نشاطاتها الثقافية والمجتمعية مع الجالية العراقية في الدانمارك والسويد ..

تأسست فرقة ينابيع العراق المسرحية من مجموعة من المسرحيين العراقيين في السويد والدانمارك، منهم الفنانين صلاح الصكَر وسلام الصكَر والفنان حيدر ابو حيدر .. وساهمت من خلالها بأعمال كثيرة نذكر منها مثالا لاحصرا:

مسرحية (البرقية) من اعداد واخراج الفنان حيدر ابو حيدر ومسرحية (جداريات) أيضا

مسرحية (مملكة الكرستال) ومسرحية (الحاوية) من اخراج الفنان سلام الصكَر 

ولازالت ناشطة في هذه الفرقة التي تقدم اعمالها بين السويد والدانمارك، ممثلة / وعضو فاعل في نشاطها ..

وقدمت من خلال هذه الفرقة أيضا مسرحية (عند الحافة) وشاركتها في التمثيل المبدعة سومه سامي وهذه المسرحية من اخراج الفنان سلام الصكَر ايضا .

وقدمت مسرحية المركب  تاليف وإخراج سلام الصكر .

مسرحية سوادين عراقيه تاليف وإخراج سلام الصكر  وتمثيل نضال عبدالكريم سلام الصكر  ورتاب الأمير .

شاركت مع هذه الفرقة في اكثر من مهرجان ثقافي وفني ومسرحي في الدانمارك وخارجه، منها مهرجان الثقافة العراقية في كوبنهاغن، ومهرجان الثقافة في ستوكهولم – السويد، ومهرجان مراكش الدولي للمسرح في مراكش – المغرب، والمهرجان الفني والثقافي لرابطة الانصار بين بغداد والناصرية، ولازالت مستمرة في عطاءها، مثابرة مجتهدة، تامل وتتمنى ان تقف مرة اخرى على مسارح بغداد والعراق!.