مهداة الى وجه صديقي البريء الشهيد دكتور عادل
اتينا مع دكتور فاخر الى بست الشرغة، والتقينا بالرفاق، واوصلنا لهم رسائل وتوصيات. يبدو انه كان مطلوبا القيام ببعض العمليات، تجعل الجماهير وفي نفس الوقت العدو، ان يعلم ان البشمركة ما زالوا موجودون في المنطقة. ان ذلك مهم للطرفين، للجماهير كقوة دعم معنوي، وللعدو المتغطرس عكس ذلك.
في مساء 8 او 9 \ 5 \ 1988 انطلقنا بالسيارات حتى وصلنا الى الخندق الذي يحيط بمدينة اربيل (حيث ان المدينة كانت قد احيطت بخندق عرضه ثلاثة امتار وعمقه ثلاثة امتار).
ترجلنا عند محلة (كلاويز) حاليا، وتركنا بعض الرفاق بالقرب من السيارات. وصلنا الى الخندق، هناك ايضا تركنا بعض الرفاق لتأمينه، اما نحن فعبرنا نحو العمق، الى داخل المدينة، باتجاه محلة (خاتوناوه) التي بنيت فيها بعض البيوت الحديثة. ولحماية طريق عودتنا، بقيت مجموعة من الرفاق لحراسة المكان.
دخلنا الى احياء (باداوه ، وشورتاوه) بالرغم من وجود الكثير من جحوش ومسلحي النظام، ثم دخلنا الى محلة (حي المعلمين- ماموستيان) بجانب جامع (خديجة الكبرى) الحالي. بالقرب من ذلك الزقاق الذي دخلنا منه الى حي المعلمين، كانت هناك قطعة ارض خالية لم تبنَ بعد، أقمنا فيها نقطة حراسة بأمرة الرفيق هزار ومجموعة من الرفاق، اما المتبقون وعددنا يتراوح بين (6-7) بيشمركه، فتوجهنا الى شارع الاربعين متر، ثم انحرفنا نحو اليمين باتجاه سوق اللنكه الحالي. وصلنا تقاطع الثلاث شوارع الذي يؤدي الى بيوت الامناء العامين. هناك نصبنا سيطرة باشراف الرفيق (دكتور عادل)، الذي اتذكره الان. كنا الرفاق (بيستون- كوسرت- كاروخ-(واعتقد) كاوه جاوشين ورفيق او رفيقين اخرين). بدأنا بايقاف السيارات، لكننا لم نتصرف كبيشمركه، بل كمفرزة من مفارز السلطة، لان هدفنا الاساسي كان الحصول على سيارة، لكي ندخل الى عمق المدينة اكثر، ونلحق ضربة قوية بالعدو هناك. اوقفنا عدة سيارات وطلبنا الهويات عسى ان يقع بين ايدينا واحدا من ازلام النظام.
كنت في وسط الشارع، افحص الهويات، وكان اغلب ركاب السيارات من الناس العاديين الذين نتركهم وشانهم، اما اذا احد سألنا: من انتم؟، فكان الاتفاق ان نقول (نحن جماعة كاك فلان، الذي كان مسؤول مفرزة امن، وكان سيئا جدا مع الناس، ودائما ما يقوم بنصب سيطرات داخل المدينة ويلقي القبض على الركاب والمارة).
وصلت سيارة (تويويتا 2 طن تعمل على الديزل)، عندما اوقفتها عرفت سائقها، لكنه لم يعرفني، ولكي لا يشك، طلبت هويته، وبينما كان يقوم باخراج هويته سألني: انتم جماعة من؟، فتظاهرت اني ادقق بالهوية. قلت له: اننا جماعة كاك فلان، فقال: اين هو كاك فلان؟، قلت: لم يأت، لماذا تسأل هل تعرفه؟، قال: نعم فنحن اقارب.
كم كنت اود ان اشكره كثيرا، لانه بسيارته هذه، مع اخيه الذي كان يملك سيارة مثلها، قد انقذوا بيتنا اثناء الليل، حيث الوقت انذاك كان مخيفا جدا، لكن بسبب مهمتنا، لم استطع ان افعل شيئا، (حتى جاء وقت الانتفاضة، فشكرته وحكيت له عن تلك السيطرة).
جاءت عدة سيارات اخرى، تركناها تمر. احد سائقي السيارات سأل نفس السؤال، لكنه قال (انتم من اي جهة)، لم يقل (انتم جماعة من)؟!، بدا لي السؤال غريبا، لكنني تجاهلت سؤاله، وانشغلت بتدقيق هويته. قلت له: كاك فلان (واشرت بيدي الى الرفيق دكتور عادل الذي يقف بعيدا عنا قليلا). تطلع السائق الى دكتور عادل وبيستون ثم نظر لي وكأنه سرح بخياله، ورأسا مد يده الى هويته التي كانت لاتزال في يدي وقال: ( جيبها بابا جيبها، انت مع من تتكلم، واشار بيده الى وجوهنا، وقال بثقة عالية، هذه الوجوه البريئة وجماعة كاك فلان؟! انتم بيشمركة!، على من تضحكون؟ّ).
تعجبت كثيرا لما قاله، لا بل صدمت. نظرت الى وجوه الرفاق، الى ابتسامة دكتور عادل الدائمة، وملامحه وقامته و(شدة جمدانيه الاربيلية)، الى وجه بيستون المدور الابيض المحمر. ان ماقاله هذا الشخص صحيح حقا، فالنقاء والبراءة واضحتان على وجهيهما، وانهما فعلا بعيدان عن اعمال وافعال الخونة والمأجورين، من امثال (كاك فلان) الذي كنا ندعي اننا من جماعته. نظرت الى السائق، اوشكت ان اقول له، والله انت على حق، لكنني امسكت نفسي، واعطيته هويته بيده، وودعته.
ذهبت الى الرفيق دكتور عادل، وقلت له من الافضل ان نغادر المكان، اخبرته بما حدث، وقلت: اننا لا نستطيع ان نخفي انفسنا عن الناس، فملامحنا توحي بحقيقتنا.
عدنا الى الرفاق الاخرين، فوجدنا كوسرت وكاروخ ورفيق اخر، قد اخذوا سيارة، وذهبوا لضرب بعض اهداف السلطة داخل المدينة، لكنهم لم يستطيعوا ان يحققوا شيئا، وانما اضطروا الى اطلاق قذيفة (ار بي جي) على هدف عشوائي، وفي طريق عودتهم، اطلق عليهم شخص له علاقة بالنظام الرصاص، فأصيب كلا من الرفيقين كوسرت وكاروخ بجروح. الرفيق كوسرت، كان شابا شجاعا وجريئا جدا، قاد السيارة وهو جريح الى ان وصل الينا، فسحبناهم الى الخلف، وذهب الرفيق دكتور عادل معهم، ومن هناك إلتحق بهم الرفيق هيوا (قره جوغ) الذي كان موجودا عند نهاية البيوت مكلفا بمهمة حماية طريق الانسحاب.
جلب الرفيق هيوا حمارا من احد البيوت، ليحمل الجريحين ويوصلهما الى سياراتنا التي تركناها بالقرب من محلة (كلاويز). نحن ايضا حاولنا ضرب هذا الشخص الذي قام باطلاق النار على الرفاق. عندما اقتربنا منه وجدناه بين النساء والاطفال والبيوت، فقمنا باطلاق نار في الهواء، واطلقنا بعض قذائف (الار بي جي) لاخافته، وايضا لكي نسمع صوتنا، ونثبت وجودنا داخل المدينة، حيث ان العملية بالاساس كانت لاثبات وجود البيشمركه في المدينة. ثم بدأنا بالانسحاب حتى وصلنا الى السيارات. عندما قام الرفيق دكتور عادل بالاسعافات الاولية للجرحى بشكل جيد، قررنا ان نتحرك، ولما وصلنا الى قرية (جاله كَرده له)، بدأ الرفيق د. عادل بعلاج جروح الرفيقين اللذين أُصيبا بأرجلهما وفخذيهما، حيث كان جرح الرفيق كوسرت اكبر، لكن الاثنين وضعهما جيد، ولم تكن اصابتهما خطيرة.... بقينا هناك حتى الصباح............