بعد فشل (الجبهة الوطنية)، بين الحزب الشيوعي العراقي وحزب البعث الحاكم، لجأ الحزب الشيوعي لرفع شعار (الكفاح المسلح)، كأسلوب رئيسي في النضال، ولما كان الإعلام جزءا أساسيا ومكملا للعمل العسكري، فقد أصبحت من أولويات مهام الحزب وقوات الأنصار، التي شكلها في كردستان العراق، تأسيس وتطوير وسائل إعلامه، ولذلك ظهر خلال عقد الثمانينات، نوعان من الإعلام، الأول إعلام صدر خارج الوطن، في بيروت ودمشق بشكل خاص، وهذا ما سأتجاوزه في مادتي هذه، وإعلام داخل الوطن، وفي كردستان تحديدا، وهذا الإعلام على نوعين، النوع الأول إعلام مركزي، يخص الحزب بكامله، والثاني إعلام أنصاري، خاص بالمقاتلين الأنصار، ومنتج هذين النوعين من الإعلام واحد، وهو النصير المقاتل، كما إن نوعي الإعلام كانا باللغتين العربية والكردية.

الإعلام المركزي

1: الإذاعة: هي بمثابة صحيفة يومية في كل بيت، لمن يريد أن يتابعها، لذلك فالتفكير بالحصول على إذاعة خاصة بالحزب أصبح واحدا من أهم مهام قيادة الحزب، لذلك وصلت الإذاعة أواخر عام 1979، عن طريق بهدينان، مهداة من الجيش السوفيتي، وكانت هناك صعوبات كبيرة في البداية لإيجاد المكان المناسب لها، لإيصال البث ولتجنب قصف طيران العدو.

المهم بدأت الإذاعة بالبث باللغتين العربية والكردية، ولكل قسم مدة نصف ساعة وبفترتين صباحية ومسائية، والبث يصل للمدن الجنوبية، ويسمع في الكويت أيضا، ويصل لدمشق وأحيانا لقبرص، ويسمع بوضوح في القامشلي.

وكان طابع المواد تحريضي، يستهدف فضح النظام وكشف جرائمه، والمواد تكتب بأشكال صحفية مختلفة، تتراوح بين الإفتتاحية والتعليق والمتابعة والبلاغ العسكري والحديث الشعبي والمادة الثقافية، وبرامج خاصة بالطلبة والشبيبة والمرأة والعمال.

وقد إنتقلت الإذاعة لعدة أمكنة، كما تبدلت أجهزتها عدة مرات، بسبب القصف السلطوي ومعارك بشتاشان وغيرها، وأخيرا إنتقلت لمنطقة (خواكورك)، وبقيت فيها حتى معارك الأنفال في أب 1988، وتم دفنها مع جميع المولدات الكهربائية وأجهزة التشغيل، وكنت من بين المساهمين في عملية الدفن بإعتباري المستشار السياسي وقتها لفصيل الإعلام المركزي للحزب.

2: صحيفة طريق الشعب: إنتقلت صحيفة طريق الشعب ألتي صدرت في الخارج إلى كردستان، لتصدر في منطقة نوزنك ضمن تشكيلات الأنصار، ثم إنتقلت مع الإعلام المركزي وقيادة الحزب إلى مقر ( بشتاشان ) أواسط عام 1982، وتوقفت فترة قصيرة بعد معارك بشتاشان مع قوات أوك في أيار 1983، وعاودت الصدور في منطقة لولان، ثم إنتقلت مع الإعلام المركزي إلى منطقة (خواكورك) مستمرة في الصدور، حتى هجوم الأنفال السلطوي في أب 1988، حيث تمت تصفية الإعلام المركزي. وخلال هذه الفترة أصبحت الصحيفة شهرية، بعد أن كانت يومية، كما تغير كادرها عدة مرات، أما المضمون فتحريضيا تعبويا، وكنت ضمن هيئة التحرير مند بداية 1986 حتى توقفها في أب 1988.

3: صحافة المنظمات الديمقراطية: أن قادة المنظمات الديمقراطية وهي (إتحاد الطلبة وإتحاد الشبيبة الديمقراطية ورابطة المرأة العراقية)، كانوا شيوعيين أو قريبين من الحزب، ولهذه المنظمات صحافتها الخاصة وهي (كفاح الطلبة) و (الشبيبة الديمقراطية) و (نضال المرأة). وبوجود ناشطي هذه المنظمات في صفوف الأنصار، فقد بادروا لإصدار صحفهم الخاصة شهريا وبإنتظام مند شباط 1985، حتى هجوم الأنفال في أب 1988.

4: مناضل الحزب: وهي نشرة داخلية تنظيمية تخص أعضاء الحزب، وتوزع عليهم فقط، وقد أعيد إصدارها في الفترة الأنصارية.

الإعلام الأنصاري

1 _ المجلات الدفترية _ وهي تجربة فريدة إبتدعها الأنصار الشيوعيين العراقيين، منذ بناء قواعدهم الأولى، إذ لجأوا لتحويل الدفاتر المدرسية العادية، لمجلات عامرة بمختلف المواد الصحفية والثقافية، وتعتبر مجلة (النصير الثقافي)، أول مجلة دفترية صدرت أثناء بناء القاعدة الأولى في منطقة بهدينان،  في 4 تشرين الأول عام 1980، ثم أعقبتها عشرات المجلات في مختلف القواطع. أما لمادا صدرت هذه المجلات، فإن حمل السلاح وخوض المعارك، لم يكونا هما مركز الإهتمام الوحيد للنصير الشيوعي، بل إهتم النصير ايضا بمواصلة تنمية العقل والذوق الجمالي، في ظل ظروف مناخية وطبيعية وامنية صعبة. لقد كتب في هذه المجلات الدفترية، التي بلغت أعدادها العشرات، مئات الأنصار، الذين إستشهد الكثير منهم فيما بعد، وكانت كتاباتهم تشبه يوميات سجلوا فيها معظم خواطرهم وأحلامهم في الحبيبة البعيدة، أو الحنين للأصدقاء والأهل، كما كتبوا فيها أشعارهم وقصصهم، وموضوعاتهم الفكرية والإقتصادية والطبية والعسكرية وغيرها، وقد قمت بدفن عشرات المجلات الدفترية، التي تجمعت في فصيل الإعلام المركزي، مع إذاعة الحزب في أب 1988، أثناء عمليات الأنفال وهجوم السلطة على مقراتنا.

2 _ صحيفة النصير _ تبلورت في قاطع بهدينان، الذي يضم محافظتي دهوك ونينوى، فكرة إصدار صحيفة (النصير) الشهرية في أواخر عام 1980، وكان وصول طابعة صغيرة من الخارج أحد المحفزات لإنجاز الفكرة، فتشكلت أول هيئة تحرير للصحيفة من الفقيد أنور طه (أبو عادل) والفقيد لطفي حاتم (أبو هندرين)، ثم إلتحق بهم الرفاق علي الصراف، وإبراهيم إسماعيل (إبو دجلة) والفنان قاسم الساعدي (أبو عراق). وصدر العدد الأول بمساعدة الحزب الديمقراطي الكردستاني.  وبعد العدد الأول، وفرت قيادة القاطع، جهاز رونيو وكمية من الورق الشمعي العادي من الخارج، وكان الأنصار يصادرون في عملياتهم العسكرية ضد السلطة، كميات من الورق والأحبار والأقلام، ويهدونها لمكتب إعلام القاطع وهيئة تحرير الصحبفة. وقد إستمر صدور هذه الصحيفة حتى نهاية عام 1985، وتغيرت هيئة تحريرها بضعة مرات، ففي شهر تموز عام 1982 وحتى نهاية 1985 توليت رئاسة تحريرها. ويتضمن كل عدد الأخبار العسكرية وأخبار المنطقة وتحركات السلطة، وحياة الأنصار ومقالات وأعمدة ثابتة عسكرية وصحية وصفحة ثقافية. وأصدرت النصير ملاحق باللغة الكردية (لهجة بهدينان)، والتنظيمان الحزبي والعسكري كانا يمدان الصحيفة بالمعلومات والأخبار، والصحيفة توزع على المفارز والقرى والقصبات الكردية، وعلى التنظيم الحزبي في كردستان والداخل. وأصبحت الصحيفة مرعبة للخونة وأزلام النظام، من خلال الباب الذي إستحدثته وهو (لن يفلتوا من العقاب)، والذي ينشر أسماء هؤلاء ويتوعدهم بالعقاب.

3 _ صحيفة نهج الأنصار _ صدرت هذه الصحيفة لأول مرة في 8 شباط 1980، بثمان صفحات وباللغتين العربية والكردية، وأصدرها المكتب العسكري المركزي للحزب (معم)، لذلك يمكن إعتبارها لسان حال المقاتلين الأنصار. وكانت توزع في مناطق مختلفة من كردستان العراق، وتوقفت فترة من الزمن، ثم أعيد إصدارها بعد المؤتمرالرابع للحزب، وتم إستدعائي من قاطع بهدينان للعمل في مقر الإعلام المركزي في (خواكورك)، وأيضا للعمل كمحرر في هذه الصحيفة، إلى جانب الرفيقة (بشرى برتو) والرفيق صوفي عبد الله (أبو تارا)، وقد إلتحق فيما بعد بهيئة التحرير الرفيق محمد جاسم اللبان (أبو فلاح)، وتميزت هذه الصحيفة بتغطيتها لكافة العمليات العسكرية للأنصار في جميع مناطق كردستان. وتميزت بصلتها المباشرة بالأنصار، من خلال الزيارات الميدانية للقواطع، كقاطعي بهدينان وأربيل، والتي قمت بها ممثلا عن الصحيفة، ومن خلال الكتابات المباشرة لها، من قيب الانصار الذين كتبوا عن قصص العمليات التي يقومون بها، وعن شهدائهم وذكرياتهم وأوضاع مناطقهم. كما تميزت بشمولها أخبار كل القواطع الأنصارية، لذلك كانت جماهيرية الصحيفة كبيرة لدى الأنصار، ومساهمتهم للكتابة إليها غزيرة.

4 _ صحيفة طريق النصر (ريكاي سركفتني) _ صحيفة جبهوية صدرت في قاطع بهدينان، والطبعة العربية من مسؤولية حزبنا تحريرا وإخراجا وطباعة، وقد إنتخبتني هيئة التحرير منذ إجتماعها الأول لأكون رئيسا لتحريرها، وموادها موحدة يتم الإتفاق عليها في إجتماع هيئة التحرير وتترجم الى اللغة الكردية. وكان توزيع هذه الصحيفة واسعا على عموم كردستان، بسبب مسؤولية كل أحزاب الجبهة عن التوزيع، وقد إستقبلها الأنصار وجماهير المنطقة بالترحاب، إذ توضع مع اللافتات الملغومة، وفي مواقع العمليات العسكرية، وموادها منوعة.

5 _ مجلة ثقافة الأنصار _ عقد في كردستان مؤتمر للمثقفين والمبدعين الأنصار، ومن مختلف القوميات والإنتماءات الفكرية، تكونت هيئة إدارية للفرع ضمت الرفيق مفيد الجزائري وفلك الدين كاكائي وأخرين، وأصدر الفرع مجلة (ثقافة الأنصار) باللغتين العربية والكردية. وهذه المجلة تطبع في مقر الإعلام المركزي للحزب الشيوعي العراقي، وتوزع العديد من النسخ على بقية الأحزاب، وإستقبلت نتاجات المبدعين الأنصار، من قصص وقصائد وتخطيطات ورسوم ومقالات أدبية بالارتياح. صدر منها ثلاثة اعداد، قبل أن تتوقف بسبب الظروف العسكرية لحركة الأنصار.