في بداية تأسيس قاعدة بهدينان وبقية القواعد الأنصارية الاخرى، كنا نمر نحن الأنصار، في ظروف غاية في الصعوبة من عدة نواحي، (توفير السكن للرفاق، توفير السلاح للدفاع عن النفس، طرق التكيف مع الطبيعة القاسية في الجبال..…الخ.
عندما بدأنا في عملية بناء السكن، كان علينا ان نخطط للحصول على التموين، وهذا يتطلب معرفة الطرق والممرات والمواقع من خلال الادلاء، لكي نستطيع الوصول الى القرى التي نبتاع منها المواد الغذائية وحاجات الانصار الضرورية الاخرى. الطرق الجبلية وعرة وشاقة وتحتاج الى دراية خاصة، فأي انحراف عن الطرق السالكة، ندفع ثمنه غاليا، لكثرة انتشار الربايا العسكرية العراقية والجندرمة الاتراك.
تعلمنا الخطوات الأولى، التي هي الأساس في إكتشاف الطرق بمساعدة الإدلاء، بعدها اعتمدنا على امكانياتنا، وقمنا بتشكيل مفارز صغيرة لجلب التموين، وفي نفس الوقت استمر عملنا في بناء غرف السكن التي تتطلب جهودا كبيرة، حيث نقوم بتحضير الصخور وقطع اغصان اشجار البلوط (الجلو) واوراقها التي تُستخدم في سقف الغرف، ويستمر عملنا هذا من الصباح وحتى المساء.
بالأضافة الى واجباتنا اليومية التي هي (الطبخ، والخبز، والحراسات الليلية...الخ، كنا نقوم في بناء الغرف. في البداية ساعدنا أحد البنائيين الأكراد، وهو من المعتقلين عند الحزب الديمقراطي الكردستاني، ويمتلك خبرة بهذا النوع من البناء، ثم إلتحق بنا الرفيق الشهيد (أبو كريم)، الذي كان يعمل بناءً سابقا (خلفة)، فتعلم بشكل سريع وأبدع في عمله.
عملية توفير مستلزمات البناء صعبة ومتعبة جدا، وتتطلب الذهاب الى الوديان والقمم المحيطة بمقراتنا لقطع الاشجار، ورميها من القمة الى النهر (الروبار)، ثم نقوم بسحبها من الماء وحملها على اكتافنا الى أماكن عملنا، بعد ذلك نقوم بقطعها وترتيبها، ونستخدم ما لا يصلح للبناء منها في التدفئة. نحفر بأيدينا لإخراج الصخور والرمل، فلم تتوفر لدينا، الاّ بعض الادوات البدائية التي لا تساعد كثيرا في عملية البناء، هذا ومن الجدير بالذكر، اننا كنا نرتدي ملابسنا المدنية التي دخلنا بها الى كردستان، ولم نحصل بعد على الملابس الكردية.
إكملنا القاعة الأولى والثانية، وأصبحنا نسبيا أكثر إستقرارا. ثم وصلت لنا خمسة بنادق إيطالية الصنع، ذات مخزن يحمل 32 طلقة، ففرحنا فرحا كبيرا، وأحتفلنا بهذا الحدث المهم. لقد كنا في حيرة، كيف نحرس وندافع عن انفسنا ولا نملك قطعة سلاح!؟...
بدأ عملنا يتطور تدريجيا، وأخذنا نستقبل مجاميع جديدة من الرفاق الجدد، الذين يأتون ومعهم كميات من الاسلحة، والتي نقوم بإيصالها الى مقراتنا وقواعدنا التي قمنا بفتحها في ((هيركي، وگوستا، وايضا الى الرفاق في مناطق سوران))...
سلاح الحزب يغرق!
لا بد ان اذكر حادثة حصلت لنا في اواخر عام 1980، وهي غرق السلاح في الروبار (النهر)، والشجاعة التي تحلى بها الانصار من اجل انقاذه. لقد وصلت مجموعة من الرفاق الجدد، ومعهم كمية لابأس بها من السلاح، فكلفت مع بعض الرفاق بأيصالها الى قاعدة (گوسته). من ضمن الرفاق الذين كانوا معي (الشهيد أبو كريم، ابو تحسين، أبو شرارة، ابو وسن، ورفاق اخرين جدد لا تسعفني الذاكرة بتذكر اسمائهم. وعلى الرغم من صعوبة الظروف وقسوتها، فقد تقرر ذهابنا الى (كوسته)، فمررنا بعدة قرى، ثم وصلنا الى قرية حدودية اسمها على ما أذكر ((چم دو))، وتعرف بـ(قرية العريف ياسين)، وهو عسكري سابق في الجيش العراقي، ومحسوب على الحزب الديمقراطي الكردستاني، كان يحتفظ بقطعة من طائرة عراقية، يقول إنهم أسقطوها سابقا!، وكلما مرت بقريته مفرزة من الانصار، يروي لهم بفخر ومبالغة، حكاية تلك الطائرة!.
خرجنا من قرية العريف ياسين قبل الخيوط الأولى للفجر، والاسلحة المكلفين بايصالها، محمولة على ظهر بغليين، أحدهما يتمتع بقوة أفضل من الثاني. كان علينا أن نعبر بهما النهر (الروبار) الذي مياهه باردة جدا، وتياره جارفا. اثناء عبور البغال، حدث ما لا نتوقعه، حيث سقط البغل القوي في النهر، بينما عبر الثاني الضعيف، ووصل الى الجانب التركي!. النهر عميق، والجو شديد البرودة، والوقت قبل الفجر، لاحل، الاّ بأنتزاع السلاح من ظهر البغل، وهذا يتطلب ان نخوض في النهر سباحة، مع العلم ان بعض الرفاق الجدد لا يجيدون السباحة، فصاح الرفيق ابو كريم بصوته المعروف: ((سلاح الحزب يغرگ يارفاق، هبوا، نغرگ ولا يغرگ السلاح))!... لم ينزل في الماء، سوى رفيقين لا يجيدان السباحة، وخفنا عليهما من الغرق. تظافرت جهودنا، وقمنا بنقل السلاح من على ظهر البغل الى الجانب التركي، حيث علينا ان نجتازه بشكل سريع، لكي نعود مرة اخرى الى الجانب العراقي. لقد نجحنا بذلك، وقمنا بتنشيف السلاح وتنظيفه بإستعمال ملابسنا الداخلية الاحتياطية!، لقد أبدى الرفاق بطولة لامثيل لها، متحدين الظروف الصعبة التي تعرضوا لها، وكان اجمل ما فيها، نوادر وتعليقات الشهيد ابو كريم التي كان من ضمنها ((اقتراح الى الحزب، بأن يفتح دورات تعليم السباحة للرفاق قبل إلتحاقهم بالحركة الانصارية!!......
عن جريدة النصير الشيوعي العدد 29