كانت هذه آخر الأيام التي أقضيها في فصيل (دراو)، ففي تموز 1984 نقلت مع الرفيق سعيد عرب الى الأعلام، وسافر الرفاق (أبو روزا وأم روزا) الى أيران للقاء بالأهل، وقبلها فارقنا الرفيق الشهيد (آزاد)، ونقل بعدها الى (لولان) الرفيقان (سامان ونوروز)، وكذلك نقل الرفيق (أبو حسين) الى مقر (م . س) في بهدينان، وبالرغم من مرور 19 عام على ذلك الفصيل، لكن حلاوة تلك الأيام لا تزال عالقة في الذاكرة، واولها تعليقات الرفيق (أبو حسين) التي عادة ما تشيع المحبة والسرور. طوال فترة بقائه في فصيل (دراو) رفض الرفيـق أثير منصور (أبو حسـين) أن يحمل بندقيـة الكلاشنكوف وحمل بندقيـة (البرنـو) كأي مقاتل كردي مجـرب. الرفيق أبو حسـين سريع البديهية، أذا لم تعجبه كلمة أو حديث لرفيق، يمسك نظارته ويسـحبها الى الأسفل ويتطلع ماطا شفتيه، ثم يصدر تعليقه الجميل المناسب. لم تكن تعليقاته جارحة يوما، بل مضحكة وتعود عليها الرفاق.
أطـلق على معظم الرفاق ألقاب وتعليقات على أوزان الكتب القديمة، او مستوحات من الحياة اليومية، أو من طبيـعة الرفيق المعني، فالرفيقة (نوروز) كانت تذهب يوميا الى فصـيل (الهورمان)، وتلتقي بالرفـيقات وتستمع الى أحاديثهن ومشاكلهن وتدردش معهن، وعندما تعود ونحن جالسين حول المدفئة ليلا، تبدأ بنقل كل ما دار عند الرفاق الهورمان من أخبار، فأطلق عليها الرفيق أبو حسين عبارة: (أخبار الهورمان في أسفار الرفيقة نوروز خان). وبحكم علاقتي بالطبابة والأدوية، أطلق عليّ (إلتهاب القولون تجده لدى الرفيق أبو التون)!. الرفيق (سـعيد عرب) كثير المزح مع الرفيقات، وخاصة نوروز وليلى، فيجمع الأحجار الصغيرة ويرميها ليلا نحو السقف، فتحدث حركة بين الاوراق والاغصان الجافة، فيقفز وهو يردد بأن ثعبانا في سقف الغرفة، وعلينا قتله في اليوم الثاني!، فتصدق الرفيقة (ليلى)، وتفتح الضوء بعد كل رمية حجر. أتذكر كم تألمت الرفيقة (نوروز) عندما سرق الرفيق (سعيد عرب) صورة فوتغرافية للشهيدان (ماجد وأخيها آزاد)، كانا يقفان وقفة حداد بمناسبة يوم الشهيد الشيوعي، وعندما نتحدث عن الصورة وكيف فقدت، يجرنا الرفيق سعيد الى موضوع اخر، وكلما قلنا له هذا ليس موضوعنا، يقول: ستفهمون قصدي بعد عدة اشهر، فيعلق ابو حسين: (الأثر البعيد في تعليقات سعيد).
قدّم آمر الفصيل العسكري الرفيق (هه زار)، أمسية عسكرية حضرها الآمر العسكري للقاعدة آنذاك الرفيق ملازم (قصي)، وكان المفروض أن تغطي الأمسية أخبار المنطقة، وعلاقتنا بالقرويين والركائز، ولكن المحاضرة تحولت الى الأنسحاب وطرق الأنسحاب وأفضل مكان له.... ألخ، فعلق الرفيق أبو حسين ( أسهل طرق الفرار لدى الرفيق هه زار). النصـير (بستون) من عائلـة شيـوعيـة من كـركوك، وهو من أقرباء الرفيق (هه زار)، إلتحق بأنصارنا وهو صغير السن وقليل التجربة و(يدردم) كثيراً، ويردد دائماً بأن بقائنا هنا ليس له فائدة، ويجب أن نهاجم العدو. يذهب بستون يومياً لبقالة أحد القرويين القريبة من المقر لشراء السكائر، ويستمتع بالنظر الى ابنته الجميلة (شكرية)!، وذات ليلة وعندما بدأ يطالب بضرب (الربية)، علق أبو حسين: (بستون يضرب الربية تحت شعار لبيك يا شكرية).
جاءت في النشرة الحائطية التي يصدرها الفصيل، فقرة ألامنيات في العام الجديد، وكانت أمنية الرفيق فيصل العتابي (أبو محمد روماني)، سقوط الطاغية صدام ونظامه، ونزول الأنصار الى الداخل بملابسهم، حاملين أسلحتهم وسط هلاهل الامهات، فعلق الرفيق أبو حسـين (مثل أكل التين والرمانِ، امنية ابو محمد روماني) ِ
كان الرفيق (خالد عرب) أكثر الرفاق أجادة في تحطيب الخشب، ويساعد الرفاق في ذلك، خاصة عندما يريد تفريغ همومه وعصبيته، فردد أبوحسـين (فن تكسير الحطب لدى الرفيق خالد عرب).
عرف عن الرفيق (آزاد) كونه نحيفاً للغاية، وفي نفس الوقت، كان ودودا وبشوشا، فقال أبو حسين: (قلة الزاد لدى الرفيق آزاد). الرفيقة الهادئة (ليلى)، وذات الصوت الناعم، لم تنجُ من تعليقاته فقال: (أنعدام الحيل لدى الرفيقة أم الليل)، أما الرفيق (أبو محمد يماني)، فكان يعيش في وضع خاص، ولم يتآلف مع الرفاق، وكثير الشكوى حتى من أبسط الأمور، فعلق الرفيق أبو حسين (مرض الطفولة اليساري لدى الرفيق أبو محمد يماني)!. الرفيق أبو حمدان يشكوا من ألتهاب مزمن في الكلية، وتتهيج آلامه اثناء البرد او الحركة الزائدة، فيسكنها بابرة (البسكوبان)، فيرد أبو حسين: (أبرة البسكوبان تهدأ كلية الرفيق أبو حمدان).
في أحد الأيام ونحن نتناول الغداء، سمعنا خبر وفاة (أندربوف) سكرتير الحزب الشيوعي السوفيتي، فقال أبو حسين موجها كلامه الى الرفيقة (هيفاء): (بعد وفاة أندربوف، البركة بالرفيقة أم الهوف). اما الرفيق (سامان) رغم لطافته، كان جديا في الكثير من الأمور، فخلقت هذه الجدية وأمور أخرى بعض الحساسيات، وزادت الشكاوى ضده، فعلق أبو حسين: (شكل الثعبان تراه عند الرفيق سامان)، ويقصد العقوبات الحزبية التي أتخذت بحق عدد من الرفاق.
أصبح بعد ذلك الرفيق (أبو حازم / ابو يارا) مستشارا سياسيا خلفا للرفيق سامان، وكانت غرفته لا تبعد سوى أمتار عن الفصيل. عندما يصل البريد الحزبي من القاعدة، يأخذه الى غرفته، ويأتي ألينا لينقل الأخبار، وربما العقوبات، أو التحرك لمفرزة قادمة، فعندما نشاهد الرفيق أبو حازم قادما ألينا يعلق أبو حسين (الخطر القادم في خطوات الرفيق أبو حازم).
عندما أنتقـل الرفيق أبو حسين الى بهدينان، قلنا له لماذا لا تعلق على نفسك فقال (فقدان الشاي الزين بغياب أبو حسين)، لقد كان أبو حسين أكثر الرفاق عشقا! للشاي، وكان يردد قول الشاعر الشاي خمرة الثوار.
تقع مقراتنا بين قرى ليلكان وأرموش العليا والسفلى، وتبعد عن فصيل (دراو) اكثر من ساعة. قاعات عديدة سبق وأن شغلها الرفاق (الهورمان) قبل ان ينتقلوا الى قاطع بهدينان خوفا من التطورات التي جرت في منطقتنا، حيث القوات الأيرانية تقدمت في الأراضي العراقية، وراحت تشق الطرق هناك. بعد ان ترك الرفاق الهـورمان هذه القاعات، شغلها رفاقنا، قاعـة صغيرة للرفيق (أبو عامل)، وآخرى للرفاق علي مالية وأبو أحـلام وأبو أزدهـار، وثالثة شغلتها الرفيقة الشهيدة أنسـام، ثم رفيقات قدمن من الخارج، وغرفة للرفيقين ام دنيا وابو دنيا، وقاعة كبيرة لبقية الرفاق.
قبل وصـولي إلى الفصيل، كان الرفاق قد أنهـوا بناء قاعـة صغيرة ومطعم كبير، وأبدى الرفيق (أبو حسن حبيب ألبي) مهارة كبيرة في تنظيمه بواسطة المنشار الكهربائي، حيث وصل في تلك الفترة عدد من المناشير ووزعت على الفصائل لتسهيل قطع جذوع الأشـــجار الكبيرة بشكل عرضي منتظم، وربط عدة قطع مع بعضها بقيود حديدية، بحيث يمكن سحبها لتصبح طاولة طعام، وتم تعليقها بحبال من الأعلى، وبالرغم من بساطة الفكرة، ألا أن الجهود التي بذلها كبيرة، وكان يفتخر بعمله، ويردد دائما: (والله لوعندي أدوات كان عملت المعجزات).
يمتلك الفصيل سلاح مضاد للجو 14،5، وضع على قطع صخري حاد، ويتناوب عليه الرفاق يوميا من الصـباح الى المساء، وكان الصعود للسلاح متعب فالمنطقة مرتفعة وحادة القطوع. تكون مكتب الفصيل من الرفاق: أبو دنيا (العسكري)، أبو حازم (السياسي)، أبو عبيس (الأداري). اما الفصيل الثاني، فقد شغل قاعات مقر الأقليم سابقا، بعد أنتقاله الى قاطع أربيل، وكان يبعد عن الفصيل الأول 20 دقيقة، ويفصل الفصيلين، نهـر صغير يمر بدراو ويستمر في جريانه الى لولان. شغلت مع الرفاق عدنان وفوقي وأبو آمال وظافر القاعة الجديدة، وكانت رطبـة وباردة ومظلمة. بالأضافة الى المناوبة على سلاح 14.5 كانت للرفاق مهمات أنصارية أخرى، وهي أعداد وجبات الطعام والخبز والتحطيب، وبالرغــم من أن المنطقــة خضراء وكثيفــة الأشجار، ألا أن مهمة التحطيب كانت مرهقة للرفيق الخفر وذلك لكثرة عدد القاعات.
يقوم الرفيق الخفر بقطع الأشجار وترتيبها على شكل أكوام حسب عدد القاعات، ويأخذ رفاق كل قاعة حصتهم اليومية، ولا أتذكر من هو الرفيق الخفر الذي أخطأ بعدد الأكوام، ولم يتمكن الرفيق سليمان يوسف إسطيفان (أبو عامل) من أخذ حصته من الخشب، فنام ليلتها متحملا البرد القارص من دون مدفئة، وفي اليوم التالي سأل أبو دنيا (عيوني البارحة الرفاق ما طلعوا للتحطيب؟)، عندئذ قرر الرفاق مراقبة عدد أكوام الخشب لكل قاعة كل مساء.