كلية العلوم في بغداد، مثل العديد من المدارس والجامعات والمؤسسات، قدّمت لهذا الوطن الغالي، ولمسيرة الحزب الشيوعي العراقي، مناضلين اشدّاء، سطّروا ملاحما بطولية في الصمود بوجه الجلادين، بينما روى قسم منهم، ارض العراق بدمائه الزكية. واليوم، وفي عيد الشهداء الشيوعيين، نستذكر ملحمة البطل النصير نصير الصباغ (أبو نادية)، احد ورود وقناديل كلية العلوم / جامعة بغداد.
لـم تمهل الدكتاتورية الرفيق (ابو نادية)، وقتا كافيا، لكي يعيش شـبابه، ويتمتع بحياته الطلابية الجامعية كما يريد. لقد حاربت اصحاب الافكار التقدمية، وكل من عارضها بالرأي، فما ان بدأ عام 1979، حتى اطبقت اجهزة الامن البعثية على بغداد، بعد ان انهت جولتها الاولى في البصرة، واحرقت الاخضر واليابس فيها.
في هذا الوقت من عام 1979، وبعد عامين ونصف من دراسته في الجامعة، ركب نصير الصباغ قطار الغربة متوجها الى (براغ) عاصمة تشيكوسلوفاكيا. لم تكن لديه رغبة في الدراسة، خاصة بعـد المخاض الذي مرّ به، وصعوبة التأقلم مع البلد الجديد.
توارد الاخبار عن انطلاق (حركة الانصار الشيوعيين) في جبال كردستان العراق، حفّزت الرفيق (الصباغ)، على قطع دراسته والالتحاق بالحركة، معبرا بذلك عن حبه للعراق، وحماسه الشديد للعودة الى ارض الوطن، ومحاربة الدكتاتورية في عقر دارها، حتى وأن كان الثمن الموت.
لـم اسمع الكثير عن سيرته في تلك البيئة، والظروف القاهرة التي كان يعيشها رفاقنا الانصار، الاّ نزرا يسيرا، من خلال كراس اصدره الحزب، استذكارا لشهدائه في جريمة (بشت ئاشان)، التي استشهد فيها (نصير)، وكوكبة اخرى من الشيوعيين، الذين تطوعوا لمحاربة الدكتاتورية.
لـم تلن عزيمة النصير (ابو نادية) حتى في احلك الظروف، فقد وصف لي احد رفاقه الانصار (سمير)، ساعاته الاخيرة قائلا: "ان الشهيد اصيب بذراعه اثناء انسحاب مجموعته بأتجاه جبل قنديل، وابدى شجاعة نادرة، وهو يقاوم ألم الجرح، وعندما وصل بمساعدة رفاقه الى قمة الجبل، فوق اعلى نقطة جغرافية في المنطقة، وفي اقرب مكان الى السماء، اسـلم روحه الطاهرة، من جراء النزف والتعب والارهاق .... والغدر ايضا".
رصاصات غاشمة، تمكنت منه، وألغت مشروعه الانساني، واغتالت ابتسامته البريئة. وعلى غير عادة الاحباب، فقد ووري جسده الثرى مع رفاقـه هناك، بعيدا عن مدينته التي احبها. بعيدا عن شــوارعها، وازقتها، وصياح اولادها، وضجيجها القريب من القلب. لـقد كانت الارض التي آوته غريبة عليه، ولاحقا غدرت به!.
لكل منا احباب وأهل افتقدهم يوما مـا، انما ذكريات الرفيقات والرفاق في كلية العلوم، ستبقى عصية على النسيان، و تلح علينا بالسؤال: لماذا جرى كل ما جرى؟، وكيف السبيل لتفاديه مستقبلا؟، وهل نكتفي بأستذكار شهدائنا؟، وهل سيأتي يوم، يقف فيه الجناة امام العدالة؟، او يتقدم القتلة بالاعتذار للشعب العراقي؟.
جريدة النصير الشيوعي