استمرت عزلتنا في مقر (كوستا) حتى الاسابيع الاولى من عام 1980، حيث الثلوج غطت المنطقة، واخفت تحتها كل شيء. البرد قارص، والمواد الغذائية شحيحة، ووجبات الطعام اليومية (كما هي مكتوبة في ورقة معلقة في وسط القاعة)، لا تتعدى الخبز والشاي وقليل من السكر (نصف ملعقة لكل مقاتل)!.
في أحد الأيام، حصلنا على وجبة (عدس) من أصدقائنا في الحزب الديمقراطي الكردستاني، واخبرنا الرفيق حامد شعلان (ابو حازم) اداري الموقع، بان وجبة الفطور في صباح الغد ستكون (شوربة عدس)، فراح لعابنا يسيل ونحن نتخيل (الشوربة) التي فارقناها منذ وقت طويل!. تولى الرفيق الإداري، وهو طباخ ماهر، مسؤولية طبخها، ولكن بسبب اهتمامه الاستثنائي بالطبخ، احترقت الشوربة وتفحمت ولم تعد صالحة للاكل!. كان الخبر الذي سمعناه قبل النهوض الصباحي مخيبا، وبدّد أحلامنا بوجبة مختلفة!.
في منتصف شباط من عام 1980، حاول الرفيق دنخا البازي (أبو يعقوب) ومعه ثلاثة رفاق، الذهاب عبر ايران إلى مقرنا في (ناوزنك)، لإخبار الرفاق عن وضعنا السيء، لكنهم لم يتمكنوا من العبور بسبب تراكم الثلوج. في هذه الاثناء، وصل إلى (كوستا) ثلاثة رفاق عبر تركيا، هم: مازن، آزاد خانقين، أبو غسان، كما غادر المقر عائدين الى بهدينان من دون سلاح الرفاق: أبو نغم، أبو أنيس، والشهيد أبو جهاد.
في اذار، ذهب الرفاق: أبو يعقوب، الفقيد أبو علي الشايب، الفقيد أبو داود، أبو خلدون، وأبو وفاء إلى (ناوزنك)، كما وصلت الى (كوستا) مفرزتان قادمتان من قاطع بهدنان. الاولى تضم الرفاق: أبو نغم (عاد مرة اخرى)، الفقيد أبو ازدهار، وثلاثة رفاق آخرين في طريقهم الى (ناوزنك) ايضا، والمفرزة الثانية التي جلبت معها السلاح، تضم الرفاق: الشهيد أبو سحر، الشهيد أبو كريم، وعدد اخر من الانصار. هذه المفرزة، مكثت فترة قصيرة في مقر (كوستا)، ثم عادت الى بهدينان، ما عدا الرفيق ابوسحر الذي بقي (كوستا).
بتاريخ 4-5-1980، وصلت مفرزة قادمة من ناوزنك، تضم الرفاق: مام خضر روسي قائد المفرزة، أبو علي الشايب، أبو داود، مام طه، سرود، الشهيد الدكتور سربست، غفار، كاك الشيخ، هيرش، هيوة أبو شوقي، الشهيد فؤاد، الشهيد ملا عثمان، الفقيد فهد بولا الأخرس، هيوة شقيق غفار، كاميران، الشهيد هاوار، سيروان.
بوصول هذه المفرزة، بقيادة الرفيق مام خضر روسي، ومعهم جهاز مخابرة، تعزز مقر (كوستا)، واصبح له دورا مهما من حيث عدد الرفاق المتواجدين فيه، والسلاح، والوضع المالي، والنشاط في المنطقة، فتوسعت علاقاتنا مع الحزب الديموقراطي الكردستاني، ومع الناس من خلال الزيارات المتكررة لبيوتهم، وتقديم المساعدات والخدمات الطبية لهم، كما قمنا بنشاطات أخرى من خلال المفارز الجوالة وغيرها.
في منتصف الشهر الخامس من عام 1980، خرجت مفرزة استطلاعية من (كوستا)، تتكون من تسعة رفاق، هم: الشهيد رستم آمر المفرزة، أبو محمود روست، الشهيد أبو سلام، الشهيد فؤاد، الشهيد ملا عثمان، الشهيد سيروان، أبو آمال، أبو ثائر، ماجد ره ش، للتعرف على المنطقة وتعريف الناس بسياسة الحزب وتوزيع أدبياته.
مرّت هذه المفرزة بظروف صعبة جدا اثناء حركتها، فالنظام في ذروة قوته وجبروته، واستطاع ان يحول المنطقة باكملها الى ثكنة عسكرية، كما ان اهالي القرى، ومن شدة خوفهم من اجهزة النظام البعثي، ومرتزقته، واساليبهم القذرة في القتل والتدمير، تعذر عليهم استقبال البيشمركة في تلك الاوقات، مما اضطر المفرزة الى ان تتحرك خلال الليل فقط.
بعد ان قطعت المفرزة المناطق المحرمة، وعبرت (ده شت براز كر)، ثم (ده شت حياة)، توجهت الى (روست و كرتك)، وهناك إلتقت مع قوة من البيشمركة تابعة الى (أحمد فقي ره ش)، الذي تعاون معنا، وقدم لنا المساعدة، وارسل معنا احد الادلاء لعبور مناطق (بالك) الخطرة جدا. وهكذا حتى وصلنا الى (ده شت اربيل)، حيث إلتقينا مع مجاميع اخرى من بيشمركة الاشتراكي والبارتي، واشتركنا معهم في معركة ضد قوات ومرتزقة السلطة في قرية (الانجاغ). وبسبب الفوضى وعدم التخطيط الجيد، استشهد الرفيق (فؤاد)، ووقع في الاسر الرفيق (ابو سلام) الذي أُعدم في سجن ابو غريب فيما بعد، وتعرضت انا للاصابة برصاصة في اعلى الفخذ. بعد ذلك، استمرت مفرزتنا متوجهة الى مقر (ناوزنك)، الذي وصلناه بعد معاناة كبيرة.
في بداية خريف 1980 عدت الى (كوستا) قادما من (ناوزنك) بعد ان تماثلت للشفاء من الجرح الذي اصبت به في معركة (ده شت اربيل)، وعلمت حينها: بان مفرزتين من رفاقنا تحركتا من (كوستا) باتجاه منطقة (بالك)، وهي: مفرزة شقلاوة بقيادة الشهيد مام طه (الامر العسكري)، والشهيد احمد بربن / أبو سلمى (المستشار السياسي)، والرفيق ماموستا هيرش (الاداري)، ومعهم مجموعة من الرفاق الاخرين. اما المفرزة الثانية، فهي مفرزة راوندوز بقيادة الشهيد خضر حسين، والمستشار السياسي كاظم عبود (ابو وصال)، وملا عمر كادر حزبي في منطقة بالك (اداري المفرزة).
كما خرجت مفرزة أخرى مشتركة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني من (كوستا) إلى منطقة (سيديكان وميركسور). كانت بقيادة الدكتور عبد الرحمن من (حدك) وبمشاركة رفاقنا الشهيد أبو هاشم جبار فنجان من الموصل، غفار، أمانج. تعرضت هذه المفرزة إلى كمين محكم من قبل الجحوش التابعين إلى (أسعد شيتنة)، ودارت معركة شرسة بين مفرزتنا وبين مرتزقة السلطة، استشهد فيها الرفيقان: أبو هاشم وغفار.
خلال فترة الصيف والخريف من عام 1980، تولى مسؤولية مقر (كوستا)، الرفاق: الفقيد ابو حكمت (المستشار السياسي)، مام خضر روسي (الامر العسكري)، الفقيد ابو علي الشايب، الفقيد ابو داوود، ابو حازم / ابو يارا (الاداري)، وعند ذهاب ابو حازم في اجازة، تولى الادارة الرفيق يونس محمد (ماموستا سعد). وفي نهاية عام 1980، غادر الفقيد ابو حكمت الى ايران، بينما كنا نتهيأ لاستقبال العام 1981........