النصير الفنان حيدر ابو حيدر
إلتقيته في كوبنهاغن، مبدع مجتهد، حفر تاريخه المسرحي الممتد لأكثر من ثلاثين عاماً بدأب وإصرار. في البصرة التي وُلد فيها ودرس مرحلتي الإبتدائية والمتوسطة، ظهرت مواهبه المسرحية في النشاطات اللاصفية وأثناء الرحلات المدرسية من خلال إجادته تقليد الشخصيات المختلفة. كان لإهتمام أستاذ النشاطات الفنية في المتوسطة (المدرس قاسم) به وحديثه المتواصل معه عن المسرح، التأثير الأبرز عليه لكي يعشق هذا الفن الجميل، ولكي تنمو داخله روح السخرية والمشاكسة. ومع إنتقال عائلته إلى بغداد وعمله في فرقة مسرحية تابعة لإتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي، ومساهمته في مسرحية (الأم شجاعة)، أخذت ملامح مستقبله تتجه نحو هذا الميدان.
في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، إلتحق حيدر ابو حيدر بالحركة الانصارية في كردستان، وهو يعتبر هذه الفترة من أهم فترات حياته الفنية، وتكمن أهميتها كما يؤكد، في التشجيع الذي نالته أعماله المسرحية من جمهور الأنصار، وفي الحرية الكاملة في تقديم أي عمل مسرحي، إذ لا رقابة للسلطة على ما يقدمه، رغم ندرة النصوص. في كردستان، إلتقى حيدر بالفنان المسرحي عدنان اللبان، وساهم معه في تقديم عمل مسرحي هو(الحنَّه)، كما أخرج عملاً آخرا من تأليف النصير صباح المندلاوي، هو (حكاية المواطن نون)، والذي عُرض أكثر من مرة. كما أخرج نصاً عالمياً لوليام سارويان، هو مسرحية (من هناك) وقدمه في يوم المسرح العالمي. يقول حيدر: "أنه بالرغم من ندرة الإمكانيات، فإن وجود عدد من الفنانين الأنصار، ساعد في تذليل المصاعب، فالشهيد الفنان فؤاد يلدا (أبو آيار)، وهو نحات محترف، ساعدني في عمل ديكور من أجمل ما يكون، إذ حوَّل الطين والصخور لمسرح لا يمكن تصور وجوده في قاعدة أنصارية!. كما أبدع النصير (أبو حسن حبيب ألبي) في الإنارة، ليضيف تكاملاً آخرا لنص متقدم وتمثيل مبدع. ثم أخرجت عملاً للكاتب الجزائري واسيني الأعرج، هي مسرحية (رجل غامر صوب البحر)، وأخرج لي النصير (يوسف أبو الفوز) نصاً عنوانه (الدوارة)، ومثله 17 طفلاً مع فرقة موسيقية، وبحضور جمهور من فلاحي القرى المجاورة، لمقر الفوج الأول في كلي (مراني)".
النصير الفنان صباح المندلاوي
يقول الفنان صباح المندلاوي الذي إلتقيناه في بغداد: ( مع وصوله إلى قاعدة أنصارية في كردستان، آواخر عام 1980، بدأ التدريب مع مجموعة من الأنصار، على نص عنوانه (تداعيات في ليلة رأس السنة)، وهو توليفات من شعر سعدي يوسف والجواهري ولوركا وغيرهم، لنقدمها امام أكثر من 60 نصيراً في إحتفال رأس السنة في منطقة كلي (كوماته). شاركت في التمثيل الفنانة النصيرة أنوار البياتي (أم بسيم)، والنصير الفنان يوسف. وفي آذار 1981، وفي يوم المسرح العالمي، تم في الهواء الطلق، وقريباً من موقع "يكماله الانصاري" تقديم مسرحية (دم الشهيد). وقد حضر العرض، بالإضافة لأنصار الموقع، الكثير من أهالي القرى المجاورة. كما كانت لنا تجربة مسرحية أخرى عام 1983، إذ تم تقديم مهرجان مسرحي متكامل في إحدى القواعد الأنصارية بمناسبة يوم المسرح العالمي، حيث أخرج الفنان علي رفيق مسرحية (حكاية عند الموقد) للكاتب التركي ناظم حكمت. والعمل الثاني هو مسرحية (الإملاء) للكاتب الإيراني جوهر مراد، والعمل الثالث من تأليفي وهو مسرحية (إمرأة من هذا الزمان) من أخراج الفنان يوسف، ومثلته الفنانة أنوار البياتي. وفي عام 1985 قدمنا مسرحية (ألأسوار)، والطريف أن أهالي قرية (خاستو) القريبة من موقعنا، شاركوا معنا في التمثيل، وبينهم (ملا القرية)!. بعدها أخرجت مسرحية باللغة الكردية، من تأليف الشاعر شيركو بيكس، تتحدث عن كاوة الحداد، وقدمتها بمناسبة أعياد نوروز، ومثلها النصير (بنياد).
ويضيف الفنان صباح المندلاوي: "من المهم توثيق تجربة (المسرح الأنصاري) الهامة، والتي ساهم فيها عدد كبير من الفنانين المحترفين والمتخرجين من معهد وأكاديمية الفنون الجميلة، ومنهم رياض محمد، هادي الخزاعي، علي رفيق، فاروق صبري، أنوار البياتي، سمير خلف، سلام الصكر، عدنان اللبان، صفاء العتابي، شهيد عبد الرضا وغيرهم، بالإضافة لعدد كبير من الهواة، من النصيرات والأنصار. والتوثيق يتم من خلال الكتابة عن هذه التجربة، ونشر الصور المتوفرة عن المسرحيات التي تم عرضها، وإجراء المقابلات الصحفية مع المساهمين والفاعلين فيه. كما بودي التأكيد على أننا كنا نصدر كل سنة بياناً خاصاً بمناسبة يوم المسرح العالمي، يُذاع من إذاعة الحزب، ويُقرأ في الفصائل والسرايا والمواقع الأنصارية المختلفة ".
النصير الفنان هادي الخزاعي
النصير الفنان هادي الخزاعي، الذي إلتقيته في مدينة أربيل، يشارك زميليه في الحديث عن (المسرح الأنصاري) فيقول: "أول عمل قدمته في (كلي كوماته)، بعد (سكيج) فكاهي قدمته ليلة رأس السنة 1982 / 1983، هو نص مسرحي، يتحدث عن شخصية إفتراضية إسمها (أحمد بن سعيد)، وقد أعددته من مجموعة أشعار لسعدي يوسف والسياب، ولقي العمل ردود فعل إيجابية من قبل الأنصار. ثم مثلت الشخصية الرئيسية، في مسرحية (ضجيج الغجر) التي أعدها عن بوشكين، النصير الفنان لطيف حسن، وأخرجها الفنان سلام الصكر، وإشتركت معي في التمثيل النصيرة (عشتار) والنصير الشهيد (سمير حناوي) والفنان (سمير خلف)، وقد أثار عرض هذه المسرحية في أكثر من موقع أنصاري الكثير من النقاشات الحيوية، للحرفية العالية التي إتسم بها العرض، نصاً وتمثيلاً وإخراجاً. ثم أعددت نصاً من مخطوطة للنصير زهير الجزائري عن بشتاشان، أسميته (شهادات أولية عن بشتاشان)، وكان وقع هذا العمل كبيراً، لأن الجريمة كانت طازجة والمعلومات دقيقة ومؤلمة. هذا النص شجعني على كتابة نصوص مشابهة، فكتبت مسرحية (على ضفاف القمر)، التي تناولت إستشهاد رفاق مفرزة الطريق، كما أعددت نصاً عن رواية الطاهر وطار (عرس بغل) ومثلته مع النصيرة أيسر شوقي عام 1986. وفي يوم المسرح قدمت عملاً أعتز به كثيراً، وهو نص أعددته وعنوانه (ليلة حرب في متحف البرادو)، وأجمل ما فيه أن العمل كان جماعياً، كما لو اننا نحتفل في مسرح حقيقي".
عن المسرح في الغربة
بعد حرب الأنفال التي شنها النظام الدكتاتوري ضد قوات الأنصار في كردستان عام 1988، توزع الفنانون الذين ساهموا في هذه الحركة، مثل غيرهم، في بلدان العالم المختلفة، وهناك واصلوا نشاطهم المسرحي بأشكال جديدة، عن الغربة التي أجبروا عليها.
يقول الفنان حيدر أبو حيدر: ((هاجس المسرح ظل في داخلي، وفي الدنمارك التي وصلتها أوائل التسعينيات، قدمت مسرحية (كلهم قصخون) في فترة غزو العراق للكويت، وقد أعددت النص عن الكاتب سمير النقاش والشاعر خلدون جاويد، ثم توفرت لي فرصة دراسة المسرح عام 1996 هنا، في مدرسة (الدراما المسرحية)، فإكتشفت أشياء حديثة لم أكن أعرفها، كما توفرت لي فرصة تقديم عمل مسرحي مع الدنماركيين عنوانه (الرافض والمرفوض)، ثم عملت لمدة سنتين في المسرح الدانماركي، كممثل وتكنيك، في مسرح (كازفير تياتر).
بعدها بدأت مساعينا لتأسيس فرقة مسرحية عراقية، ولكنها كانت تفشل في كل مرة! ومن الأعمال التي أعتز بها، والتي قدمتها هنا، مسرحية (البرقية) للطاهر وطار، وقدمتها في الدنمارك والسويد، ومثلت معي فيها نضال عبد الكريم وغفران أبو سالم، بعدها أعددت ومثلت في مسرحية (مملكة الكريستال) التي أخرجها الفنان سلام الصكر، وبها إشتركنا في مهرجان مراكش الدولي للمسرح، حيث كان لها صدى كبير هناك، وقد تم عرضها في السويد والدنمارك، وفي بغداد والناصرية. ثم قدمت عملاً مسرحياً ساخراً عنوانه (هلو مارينز) إشترك فيه ثمانية ممثلون، وقد إستوحيت فكرته من مقال لشلش العراقي!. وفي ملتقى الأنصار في مدينة يوتوبوري، قدمت عملاً عنوانه (البابلي الأخير)، أعددته من قصائد للشاعر مصطفى عبد الله. كما أخرجت في المغرب، لفرقة مغربية محترفة، مسرحية (طفل الرمال) للطاهر بن جلون، وهي تعرض الآن في العديد من المدن المغربية، وقدمت أيضاً في برلين مع الفنان أسعد راشد مسرحية (الهناك) من إخراج الفنان حميد الجمالي، كما قدمت مسرحية (زوزك) والتي أتحدث فيها عن الإعدامات الجماعية أثناء الأنفال، والآن أعمل على مسرحية (الخادمات) لجان جينيه، وقد أدخلت في النص، كل إفرازات الوضع الحالي في العراق.
الفنان هادي الخزاعي، غادر كردستان ليتوجه نحو اليمن الديمقراطية، وهناك أخرج لفرقة يمنية مسرحية (نزهة في الجبهة)، وفي موسكو قدم مع الفنانة وداد سالم عملاً مرتجلاً، في حفل ميلاد الحزب، وفي هولندا التي كانت آخر محطات غربته، أعد عملاً للشاعر صلاح الحمداني عنوانه (حياة بين قوسين) وقدمه لمرتين. ثم أعد عملاً آخرا عنوانه (كلكامش بلا ملامح)، قدمه في قلعة في الهواء الطلق، كما تعاون مع الفنان (رسول الصغير) في عملين مسرحيين قُدما في السويد وألمانيا، وتعاون أيضاً مع الفنان (أحمد شرجي) ليقدما مسرحية (الجرافات) من تأليف الفنان الفقيد قاسم مطرود، أما آخر أعماله فمسرحية (الأوراسي) التي أعدها من نص للكاتب الألماني (هينر مولر)، وهي مسرحية ميلودراما، قام بتمثيلها وتقديمها في كوبنهاكن وفي مدن سويدية، وفي بغداد والحلة والناصرية والديوانية، كما ساهم في إخراج عمل متميز تم تقديمه في مهرجان أسيا في العاصمة اليابانية طوكيو، بالإشتراك مع الفنان (فارس الماشطة) و(عشتار فاروق فياض).
للمزيد: