حين تُطاردك السلطة في كل زاوية، يتحوّل حتى مقص الحلاقة إلى تهمة.
وحين لا يبقى لك مكان في المدينة، يصبح الجبل مأوى للفكرة والنجاة.
لكن هناك أيضًا من ينتظرك... لا بالسياسة، بل بالمخالب الصغيرة.

في هذه الصفحات، أروي لكم فصلاً من التحوّل، من أرض النفط إلى قسوة الجبل،
ومن مطاردة البعث إلى مطاردة البرغوث.

ولدتُ في مدينة الذهب الأسود، كركوك. وعندما كبرت، التحقت بالعمل في شركة النفط، وهناك بدأت أولى فصول الملاحقة. لم تكن أفكاري خفية، ولم يكن انتمائي للحزب الشيوعي العراقي سرًا. فسرعان ما لاحقني أعوان البعث، في الشركة، وفي الشارع، وحتى داخل صالون الحلاقة الرجالي الذي افتتحته كمورد رزق ثانٍ.

اكتشفوا الحقيقة. وختموا باب رزقي بالشمع الأحمر. وظل المحل مغلقًا لسنتين كاملتين، ومع ذلك كنت أدفع إيجاره شهريًا—عقوبة قاسية ومدروسة، تدفع فيها ثمن فِكرك بمالك.

رغم أن الحزب الشيوعي كان حينها متحالفًا علنًا مع حزب السلطة، لم تتوقف الملاحقة. وهكذا، لم يكن أمامنا سوى الجبل، حيث ساهم حزبنا إلى جانب الحركة الكردستانية في مواجهة نظام البعث.

لكن في الجبل، بدأت ملاحقة من نوعٍ آخر.
مخلوقات لا تعرف الانتماء، لكنها تعرف تمامًا كيف تمتص الدم.

البرغوث، أول المستقبلين. لم أره من قبل، فأنا ابن المدينة، مدلل، لا أعرف البرغوث ولا القمل. هنا، يقفز من مكان إلى آخر، يشرب دمك، ثم يعود متى شاء. القمل أيضًا كان ضيفًا دائمًا، يستوطن ثنايا ملابسنا الداخلية، لا يكلّ ولا يملّ.

أما الزائر الآخر، "أبو سبعة وسبعين"—كان يستيقظ داخلي كلسعة قاسية، أستفيق عليها في سبات الليل، أمسكه وأسحقه، دون أن أعرف ما هو. إلى أن أشعلت المصباح ذات ليلة، ورأيت منظره المقزز.

في ليالٍ أخرى، تختبئ العقارب في طيات أفرشتنا. صمت الجبل لا يكسره إلا صرخة رفيق. “عقرب لدغتني!”
ننهض، نحمله مسرعين إلى طبابة الموقع، جسده يتورم، يهذي، والبرد يزداد. لا نملك إلا حقنة واحدة لتخفيف الألم، وقلوبًا متعبة تُقاوم.

وهكذا، وجدت نفسي بين البعث والبرغوث.
كلاهما يمتص دم المناضلين... ولكن أحدهما بفكر منحط، والآخر بطبيعة منحطة.