مقدمة لا بد منها
حرص النظام البائد انذاك، على تجنيد الفلاحين، كل في قريته، وتسليحهم ضمن صفوف الجيش الشعبي، ليجعل منهم جماعات مخلصة له، تحافظ على هيبته الآخذة بالتدهور، خاصة بعد ان اشتد وطيس الحرب العراقية – الايرانية. من بين المهام التي اسندت لهؤلاء الفلاحين، هي جعلهم عيون النظام في مناطقهم، ترصد تحركات الانصار ونشاط مفارز البيشمركة المتزايد، وتنقل الأخبار الى السلطات، فأصبحوا جزءا من نظام الارهاب في المنطقة، وعقبة كبيرة امام حركة مفارزنا وتجوالها في القرى. لذا كانت اولى العمليات من اجل خلق بيئة صالحة لحرب العصابات، هو تنظيف الريف من الخونة.
لم يكن صعبا على الانصار، معرفة اسم ومكان سكن كل فرد لديه سلاح الجيش الشعبي، بل يمكننا معرفة وقت تواجده في بيته او عمله، مع العلم ان من النادر وجود قرية من قرى سهول اربيل، قد تطوعت بكامل رجالاتها في حمل سلاح السلطة، على العكس من اهالي قرى المناطق الجبلية الذين يتبعون سيدهم (آغا القرية أو العشيرة) في السراء والضراء.
وللأمانة والتأريخ، لم يكن الانصار، اول من قام بنزع سلاح الجيش الشعبي في قرى ارياف اربيل، بل قامت به ايضا مفارز بيشمركة تابعة للمناضلين: مام غفور وقادر مصطفى من الحركة الاشتراكية، بعضها في عمليات مشتركة معنا.
حددت سريتنا (أربيل) نزع سلاح ثلاثة قرى مهمة بالنسبة لنا، كأهداف استراتيجية في تلك المرحلة من العمل الانصاري. هذه القرى هي: هيلوه، سياو، وخضر جيجة في كندناوة. وعلى الرغم من التفاوت الزمني في تنفيذ تلك المهام، لكنها جميعا، وغيرها العشرات من الحالات الفردية، قد تم تنفيذها بنجاح، ومن دون اي خسائر.
قرية هيلوه
الزمن: خريف عام 1982. المكان: سهول اربيل الواسعة
هيلوه، القرية التي نشأ وتربى وشب وشاب فيها، الرفيق (محسن ده شتي). القامة الشيوعية الشامخة والمعروفة في عموم مناطق (ده زي)، وخاصة سهول اربيل. وهو من يعرفها، ويعرف حتى حجارة جدران بيوتها.
لم يتبق غير عدد قليل من بنادق السلطة في القرية. بعض من حملة السلاح، ادركوا اللعبة القذرة، فتخلوا عن سلاحهم طواعية وسلموه للحكومة، لكن بعضهم الاخر، وهم من دعاة معاداة البيشمركة، احتفظوا به.
استنفرت القرية بالكامل، على صوت حركتنا وفعاليتنا، وتم تزويدنا بالمعلومات الكافية وتحديد اهداف العملية. قام الرفيق محسن ده شتي بالدور الاساسي في التخطيط. قسمت المفرزة الى اربع مجموعات: واحدة للإسناد مع نصب كمائن في طريق هروبهم المحتمل، وثلاث مجموعات تقوم بمحاصرة المسلحين. وبعد الاتفاق بضرورة تجنب اطلاق النار وإلحاق الاذى بالمدنيين من اهالي القرية، ذهبت كل مجموعة الى هدفها، وبدأت تنادي على الاشخاص المعنيين، وتطلب منهم تسليم اسلحتهم فورا.
بدأ الهدف الاول بأطلاق النيران والمقاومة العشوائية، فهبت مجموعة الرفيق كوسرت وابو دنيا بالرد عليه باطلاق الرصصاص بكثافة لم يتوقعها، فرمى سلاحه واستسلم.
أما الهدف الثاني، فأصيب بالرعب بعد ان رأى ما حصل لصاحبه فحاول الهرب جنوبا من القرية، الإ ان كمين الرفاق الذي خطط له الرفيق محسن، والمكون من الرفاق بريار و قهار، قد مسكا به، ونزعا سلاحه وهو يرتجف، لكن رفاقنا طمأنوه بالحفاظ على حياته وحياة عائلته.
المعركة الاشد كانت مع الهدف الثالث، الرأس الاكبر الذي يقف وراء تسليح القرية. كان شخصا حاقدا على البيشمركة، وصاحب عداوات عشائرية كثيرة، ومشاكل على ملكية الارض، وهو شخص عنيد وشرير. رفض جميع العروض التي قدمناها له بتسليم سلاحه، والكف عن اطلاق النار، والنجاة بنفسه من الموت، حيث تمترس فوق بيته داخل هرم طيني أُعد لمثل هكذا معركة، وراح يرمي من خلال نوافذ صغيرة اعدت لهذا الغرض في جميع الاتجاهات، وتحول المشهد الى معركة حقيقية، لكن رصاصاته لم تؤثر فينا.
أصبح المشهد القتالي كالتالي: هو في الاعلى، ونحن على الارض، اي السيطرة بمنطق حرب العصابات له. حرص الرفيق عباس على عدم ازعاج الجيران باستخدام سطوح منازلهم، لذلك طلب من الرفيق حامل القاذفة ر. بـ. جـ.7 ، ان يضرب البرج من طرفه، لا قلعه بالكامل، لكي نتجنب قتل هذا الاحمق، فأنطلقت القذيفة بصوتها المدوي، واقتلعت قمة البرج، فساد سكون رهيب وخيم الهدوء على منازل القرية. توقفت حتى الكلاب عن نباحها. بعد دقائق، شق السكون عويل وصراخ النساء، فكرر الرفاق النداء بتسليم السلاح مع عتاده فورا، والا اقتحمنا الدار واجهزنا على هذا المجرم.
أخيرا فُتح الباب، وخرجت سيدة متوسطة العمر نادبة باكية، تحمل السلاح بيدها مع العتاد كاملا. كانت بقع الدم واضحة على البندقية. لقد أُصيب الجحش بجروح عديدة في جسده.
راحت المرأة تتوسل الرفاق، بالعفو عنه وعدم قتله، فطمأنها الرفيق عباس، "باننا لا نريد الحاق الاذى باي احد، ان ما نريده هو تسليم سلاح الحكومة لنا، ليتمكن من ممارسة حياته الاعتيادية وهو ليس عدونا ". تلك الكلمات التي قالها الرفيق عباس، تركت اثرا طيبا في نفس زوجة هذا الاحمق، فراحت تدعو لنا بالنصر على الاعداء.
كان صدى العملية ايجابيا في عموم المنطقة، لانها كسرت جبروت هؤلاء الاوغاد وتسلطهم على الفلاحين في المنطقة، باستخدامهم سلاح الجيش الشعبي، فأصبح الجميع يخشى التعامل مع السلطة وحمل سلاحها، كما ارتفعت عاليا سمعة الشيوعيين وما يتميزون به من عفو وتسامح مع المغرر بهم من قبل اجهزة السلطة ومخاباراتها.