علي أمين، لقبه القبيح، من الأسماء المعروفة في بامرني. عرف منذ أن كان يافعاً بكرهه للتعليم وهروبه من المدرسة. حينما أصبح شاباً تطوع في سلك الجيش اللاشعبي قبل أن يتحول الى جحش في تشكيلات السلطة. كان يستلم راتبه من آمر سريته لقاء انخراطه في هذا المسلك المُشين، وأهالي المدينة كرهوه، بحكم معارضتهم للنظام، فجل أبناؤهم مع البيشمركة والشيوعيين. بعد أن قاطعه أهالي بلدته توجه لينسج علاقة صداقة مع ضباط وجنود المطار العسكري جنوب المدينة، مستغلاً موقع بيته المحصن بحكم قربه من مقر منظمة حزب البعث. بمرور الأيام انحسرت دائرة علاقاته وانقطعت مع اقرب الناس إليه بمن فيهم والدته وأبيه العجوز، ناهيك عن أشقائه وشقيقاته.

وحدها زوجته بقيت تكابد معهُ، لا تدري كيف تثنيه عن تصرفاته الطائشة وتضع حداً لغروره ونزقه. حاولت أن تزرع الطيب في نفسه وتعيدهُ لدائرة معارفه كائناً لا يختلف عنهم في سجاياهم وصفاتهم الإنسانية، لكن الشرّ استحوذ عليه، أعمى قلبه. باءت تصرفاتها بالفشل. كانت حائرة تدفع ثمن ارتباطها به كزوجة. الجميع ينتقدون تصرفات زوجها، أعماله المشينة، وهي تداري ذلك بصمتها ودموعها.

لكنه تمادى، وراح يقسو عليها هي الأخرى، يذلها، يُعيرها بأهلها وفقرهم، يمسكها من شعرها ويضربها. كان يعنفها بشدة وهي تزداد ألماً. في آخر مرة حينما افتعل سبباً تافهاً لإذلالها وزاد من جرعة شتائمه البذيئة لها ولذويها، أخذ يلعن جميع النساء من جنس حواء وفي مقدمتهن حماته، واصفاً إياها بأقذع الأوصاف. لم يكترث لدموعها، بل تمادى كثيرا وراح يطلب منها أن تستعجل في تحضير المازة وقنينة العرق. كان ينتشي بتقريعها وإيذائها قبل أن يحس بنشوة الكحول ولذته فيكتمل احساسه بالسعادة، السعادة المنتزعة من احشاء الآخرين وعمق جروحهم بالمزيد من ايذائهم.

لكنها لا تدري ما الذي دفعها ذلك اليوم كي تقول له وهي تضع المشروب والمازة أمامه: "خذ اشرب، تسمم، أتمنى من رب العالمين أن يضعك تحت حكم امرأة لا ترحمك، تذلك. ردّ عليها بشريط من شتائم وبذاءات مكررة سمعتها عشرات المرات قبل اليوم، أضاف اليها اوصاف وتعبيرات جديدة، استلها من مصطلحات قاموس تشبيهاته، كأنه ينفث سماً دفيناً من خواء روحه وخزين حقده وكراهيته للناس، كل الناس، متجسداً في هيئة زوجته التي لم تكن في نظره الا جارية و عبدة لا تستحق الشفقة.

من قمة شاهقة في جبل متين، تسللت بمحاذاة سياج (جلو البلوط) مجموعة من الأنصار، متوجهين نحو هدف محدد هو بيت احد الجحوش في الجهة الشرقية للمدينة، تقودهم النصيرة سلوى. كلفت بقيادة الهجوم واقتحام الدار في تجربة هي الأولى من نوعها في حركة الانصار. كل ما قدم لها من معلومات، (ان الشخص المُهاجَمْ من أسوأ العناصر، وعليها ومجموعتها، عدم التساهل أو التهاون معه. المطلوب الحذر الشديد، وعدم إعطائه فرصة لاستخدام السلاح وإطلاق العنان لتهوره.

قررت سلوى امتحان قدراتها في تلك الليلة. هاهي تقود أول مجموعة هجوم. نجاحها في تأدية المهمة، سيعزز موقع النصيرات ودورهن بين الناس. هاهي فرصتها اليوم، عليها أن تكون جديرة بهذه المهمة. كانت الهواجس لا تفارقها، وهي تتقدم خطوة بعد خطوة نحو الدار التي يتموضع فيها الهدف.

عندما وصلت مشارف الباب، لا تدري كيف تجاوزت المسافة التي تفصل بين الباب وغرفة الجلوس. قفزت كالغزال وهي تركل باب الغرفة برجلها، لتطلب من الجحش المسلح علي أمين، عدم الحركة والاستسلام، بينما امتدت يد النصير كوفان لانتزاع البندقية المركونة فوق رأسه. انذهل من شدة الصدمة، وتحولت سلوى بملامحها الأنثوية إلى إلهٍ جبار ارعشه وشلّ قدرته على الحركة. دفق الماء تحته، بلل سرواله. لم تكن سلوى فرحة في نجاح المهمة وحدها حينئذ، لم يكن من معها في تنفيذ المهمة في غاية الفرح، كان فرح الزوجة لا يوصف، هللت وزغردت. استجابت السماء لندائها، لبت طلبها، نفذت امنيتها، حققت حلمها بتسليط كائن خرافي تقمص هيئة النصيرة سلوى تنقض عليه، تلجمه، تنتزع منه رجولته، سلاحه، حولته لمسخ ذليل. منذ ذلك اليوم، أصبحت سلوى إلهة تشعُ ضياءً، تراصت لجوار عشتار وفينوس بين نجوم السماء المتلألئةِ.

مقتطف من حكايا الانصار والجبل

النصير الشيوعي العدد 36 السنة الرابعة تموز 2025