كان خبر المفارز القتالية في المنطقة معروف من خلال القرى التي تستضيفها، أو من خلال الأماكن التي تأوي إليها خلال فترة النهار، وايضا بعض قادة المفارز يتزاورون حين تكون أماكن استراحاتهم متقاربة من اجل التنسيق أو العمل المشترك. حصل أكبر تنسيق في تلك الفترة، باجتماع مع مفرزة (فتاح كلي) الكبيرة والمسلحة بدوشكا ومدفع 56 ملم، مع مفرزتين أخريين. تجاوز عدد المفرزة المشتركة الـ 160 مقاتلا، وجرى التخطيط لعمليات كبرى.
تتوزع المفارز على عدة قرى صغيرة ومتقاربة. تعددت العمليات السريعة، ونحن في طريقنا صوب الشارع الدولي للقيام بعملية نوعية كبيرة. وقبل الخوض بالتفاصيل، أدرج الطريفة التالية:
بلاف = بيفاز
في واحدة من القرى القريبة من مواقع السلطة، امضت المفرزة ليلتها، لكنها لم تخرج من القرية فجرا الى مكان بعيد كما هو معتاد في منطقة بهدينان، بل قررت البقاء فيها، ونصب الدوشكا على مرتفع، ومدفع 56 ملم على مرتفع آخر، كما اقامت كمائن عند مداخل القرية، وارسلت مجموعة استطلاع لمواقع السلطة، وابقت جميع مقاتليها في جهازية قتالية.
في فترة الغداء، كنا أربعة أنصار في بيت واحد. قدّم لنا صاحب الدار غداءً جيدا قلما نحظى بمثله في القرى الأخرى. طلب مني أحد الأنصار، أن أطلب من صاحب البيت بصل، لكني أخبرته (بأن ليس من اللائق ان ينهض الرجل من على سفرة الطعام من أجل البصل). ألح عليّ، فكررت اعتذاري، قال: "إذا لم تطلب، سأطلبه بنفسي". قلت له "تفضل". فوجه كلامه إلى صاحب الدار قائلا بكردية مفككه:
- بره! بلکی بجك بلاف بينه، يعني بالعربية: (أخي ممكن أن تجلب بعض الحذاء!). استغرب صاحب الدار، أن يطلب أحد البيشمركه حذاء على الغداء، فما كان مني إلا أن تداركت الأمر بسرعة وأنا أطلب منه بصل: بره! بلكي بي زحمه ت هندك بيفاز بينه، وحين فهم الخطأ، بعد استبدال كلمة (بلاف) أي حذاء بكلمة (بيفاز) بصل، ذهب صاحب البيت لجلب البصل وهو يضحك بصوت عال، وكذلك نحن.
رجوت أحد أنصار مجموعتنا، ممن لا يصبر أبداً على عدم نشر خبر كهذا!، بأن لا يغادر البيت، لكنه بعد تناول الشاي، وابتسامة صاحب الدار تكبت ضحكة مجلجلة، طلب أن يخرج ليتمشى في القرية بحجة أنه أكل كثيرا. رجوته عدم نشر الخبر، فأكد لي بانه لا يفعل!، ولكن الخبر سرعان ما انتشر في كل البيوت. خرج صاحب الدار إلى الحقل، وبقينا في غرفة الضيوف لأننا سنبيت ليلة ثانية في القرية. عند الغروب جاء مضيفنا، وكنا نقف خارج الدار. حين شاهدنا انفلتت منه ضحكة قوية، فقد تذكر البلاف والبيفاز، لكنه حين وصل قربنا اعتذر عن ذلك.
النصير الشيوعي العدد 40 السنة الرابعة تشرين الثاني 2025