من قال ان الشهداء لا يحبون النكتة؟ أجزم انهم يساهمون في صنعها ...

كان ذلك في ايار 1982، في مقر أنصار الفوج التاسع، في مناطق ريف السليمانية، على مقربة من قرية حدودية أسمها (دولكان)، حيث نظم الانصار حفلا بمناسبة عيد العمال. كان عريف الحفل الشهيد المربي ذو التجربة محسن شنيشل (أبو رياض)، الشخصية الآسرة، الذي أعتقل وأعدم عام 1983 أثناء ادائه مهامه الحزبية في مناطق الفرات الاوسط بفعل وشاية من خائن كان سببا في اعتقال واعدام العديد من الرفاق. في هذا الحفل أراد أَبُو رِياض ان يقدم شيئا جديدا، فوزع مجموعة من الانصار بين صفوف حضور الحفل، وهؤلاء الانصار تم تجميعهم واعتبارهم (الفرقة الفنية) إذ تدربوا سريعا على بعض الاغاني الثورية ومنها النشيد الاممي. أخبرهم الرفيق أَبُو رِياض بأنه ما ان تنتهي دقيقة الحداد على ارواح الشهداء حتى يبدؤوا بأداء النشيد الاممي:

ـــ هبوا ضحايا الاضطهاد... الخ.

تقاطر سكان القرى القريبة، حضر ممثلو بعض القوى السياسية من المعارضة الايرانية والعراقية، وايضا رفيقان من قيادة الحزب. زين المكان بشكل يليق بالمناسبة، والروائح الزكية تهب من المطبخ، حيث ينتظر الجميع بعد الحفل وجبة طعام مع اللحم، وهذا امتياز لا يتكرر في حياة الانصار الاّ ما ندر. كان البرنامج حافلا بالكلمات السياسية والفقرات الفنية، واداره أَبُو رِياض ببراعة وظرافة. يملك أَبُو رِياض صوتا جهوريا مما أهله لعرافة الحفل نظراً لعدم وجود ميكرفونات ومكبرات صوت، بالاضافة للكنته الريفية المحبوبة، والتي تتسلل رغما عنه الى لغته العربية القويمة. بدأ أَبُو رِياض مرحبا بالحضور والضيوف واعضاء قيادة الحزب، وقرأ كلمة استهلال قصيرة تحييّ المناسبة، وطلب من الحضور الوقوف دقيقة حداد على ارواح الشهداء. ثم رفع رأسه ودار بين الوجوه باحثا عن اعضاء (الفرقة الفنية) وقال:

ــ شكرا.

لم ينشد أحد!

غمز بحواجبه للنصير (أبو سيف ـ محي العبيدي) وقال بصوت أعلى:

ـ شكرا.

لم ينطق أحد.

رفع يده مثل مايسترو وقال بصوت غاضب:

ـ شكرا.

لكن أحد من اعضاء (الفرقة الفنية) لم يبادر للغناء. سادهم الارتباك وزاد من ذلك انفعال أَبُو رِياض وطريقته بتحريك حواجبه لتذكيرهم بواجبهم، فغص بعضهم بالضحك، وفار الدم في عروق أَبُو رِياض الفلاح، وصاح بصوت عميق وغاضب بلهجته الموروثة من اهله في اهوار العمارة:

ــ  يا أبو سيف، يا هدى، وأنته يا... أشبيكْم، وينكْم، هبوا.. هبوا.. مالكْم ما تهبون.. هبووووووا ضحايااااا الاضطهااااااد !

بطاقة:

محسن شنيشل ــ أبو رياض:

شخصية تربوية معروفة بالطيبة وحسن المعشر. عاش وعمل في مدينة السماوة، من مواليد الناصرية / الجبايش. أثر الهجمة الإرهابية، غادر الى الكويت ثم الى اليمن حيث عمل في سلك التعليم، كمدير لمدرسة ثانوية، وعرف بالحزم والصرامة، أحبه الطلبة في اليمن. التحق بصفوف الأنصار، ثم عاد الى داخل الوطن، والقي القبض عليه عام 1983  بوشاية خائن وتم اعدامه.

النصير الشيوعي العدد 40 السنة الرابعة تشرين الثاني 2025