ضمن مساعيها الجادة، لتسليط الضوء على تجربة الانصار في جبال كردستان، والتعريف بجزء من مسيرتهم النضالية، إلتقت جريدة النصير الشيوعي الرفيق النصير (ملازم ماجد) عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، وعضو المكتب التنفيذي للتيار الديمقراطي، واجرت معه الحوار الاتي:

النصير الشيوعي: كيف كانت البدايات الأولى لالتحاقكم بحركة الأنصار؟

- التحقتُ بالحركة الأنصارية في 15 أيار 1980، برفقة الرفيقين (الشهيد باسم، والرفيق خالد صبيح). عملية التحاقنا جرت عبر التنظيم السري، حيث تم الاتفاق على مغادرتنا بغداد إلى السليمانية التي سنمكث في احد بيوتها السرية ليلة واحدة، وفي صباح اليوم التالي نواصل طريقنا باتجاه قلعة دزة.

في قلعة دزة، آوينا الى احد البيوت السرية ايضا، وبقينا فيه حتى قبيل غروب الشمس، عندئذ تحركنا مع أحد "القجقجية" سيرًا على الأقدام خلف الحيوان وصاحبه، في مسيرة ليلية، استغرقت ما بين خمس إلى ست ساعات. كانت تلك الليلة مرهقة للغاية، وكلما نسأل صاحب الحيوان عن الوقت المتبقي لوصولنا؟، يجيب: "سنصل بعد قليل"!.

عند وصولنا إلى القاعدة العسكرية في (ناوزنك)، على الحدود العراقية – الإيرانية، استقبلنا الرفاق بالترحاب. وبعد استراحة لفترة وجيزة، أجرى معنا الرفيق أبو سربست – عضو المكتب العسكري حينها – تحقيقًا أوليًا حول ظروف التحاقنا، بعد ذلك تم توزيعنا على (فصيل أربيل) الذي يقوده الشهيد سالم، ويضم عددًا من الرفاق البارزين مثل: (مله حسن، ملة نفطه، أحمد عوينه، الدكتور نوزاد من كوسنجق، وآسو وهو مهندس يعمل الان في اعلام الحزب الديمقراطي ومعظمهم من مدينة أربيل وضواحيها).

خلال تلك الفترة، خضعنا لدورة عسكرية استمرت نحو أسبوعين، أشرف عليها الرفيق محسن ياسين والشهيد سامي حركات. تعلّمنا فيها أساسيات التدريب باستخدام الأسلحة المتاحة، مثل: (البرنو والكلاشنكوف)، وكانت إمكاناتنا في ذلك الجانب محدودة.

في الشهر العاشر من نفس العام، انتقلنا إلى قاعدة (بيتوش)، حيث تم إنشاء إذاعة الحزب "صوت الشعب العراقي". تقع قاعدة (بيتوش) في قرية بيتوش، وهي منطقة إيرانية خاضعة لسيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، والمسؤول السياسي للقاعدة الرفيق ما موستا سردار من السليمانية مقيم الان في السويد، وعلى بعد أكثر من ساعة مشيا على الاقدام من القاعدة، نُصبت أجهزة الإذاعة على قمة أحد الجبال، وكنت ضمن طاقم الحماية، بالاضافة الى هيئة التحرير.

عملت في إذاعة "صوت الشعب العراقي"، شخصيات مهمة مثل: (بهاء الدين نوري، الكاتب كاظم الموسوي (أبو بشير)، الشاعر عواد ناصر، إضافة إلى مجموعة من الكتاب والكوادر). شكلت تجربة الإذاعة محطة مهمة، إذ مثّلت منبرًا رئيسيا لتواصل الحزب مع الجماهير رغم الظروف القاسية داخل العراق. كما انطلقت من قاعدة (بيتوش)، مفارز الأنصار باتجاه ريف السليمانية لمواصلة النشاط العسكري والسياسي، وقد كنت من المشاركين في هذه المفارز بقيادة الرفيق حمه صالح من (قرية قره جتان).

النصير الشيوعي: ما هي أهم القضايا التي ظلت عالقة في ذاكرتكم من تجربة الأنصار؟

- من أبرز ما بقي عالقًا في ذاكرتي هو طبيعة الحياة داخل الفصائل الأنصارية، حيث سادت علاقات رفاقية حميمة، وروح مساواة حقيقية بين الجميع. لم تكن هناك أي تفرقة بين هذا الرفيق وذاك، سواء في المأكل أو الملبس أو أداء الواجبات اليومية او تنظيم الحراسات، باستثناء بعض الاعتبارات البسيطة للرفاق كبار السن. بالنسبة لي كان هذا الأمر بمثابة شيء إيجابي، لأنني جئت من مجتمع يزخر بالتمايزات الطبقية والاجتماعية، وفجأة وجدت نفسي في بيئة تجسد عمليًا القيم التي كنا نحلم بها.

في الفصائل الأنصارية، إلتقيت بمهندسين وأطباء وقياديين عسكريين وسياسيين، كانوا جميعًا يؤدون نفس المهام جنبًا إلى جنب مع بقية الرفاق، دون أي تمييز، وهو نموذجً حيًّ لبذور المجتمع الاشتراكي والشيوعي الذي سعينا إليه.

ما ميّز تلك الفترة أيضًا، هو روح العلاقات الأممية، والتنوع الثقافي والديني داخل الفصائل. لأول مرة شاهدت تفاعلًا مباشرًا مع أخواننا الأكراد، المسيحيين، الايزيديين، الصابئة، التركمان وغيرهم. كوني من البصرة، كنت أعرف هذا التنوع نظريًا، لكن لم أكن أعيش معه يوميًا كما حدث في تلك الفترة. كانت الحياة المشتركة داخل الفصائل مثالًا حيًا على الاحترام المتبادل والتضامن بين مختلف الطوائف والأعراق، وهو ما أضفى بعدًا إنسانيًا عميقًا على تجربتي.

كما أُتيحت لنا فرصة القراءة والدراسة، فبالرغم من صعوبة الظروف الجبلية وبعد المسافات بين القواعد، لكن بعض الكتب كانت متوفرة دائما، وكثير من الرفاق كانوا يستثمرون وقتهم في المطالعة. كما حرصنا على متابعة الأخبار عبر أجهزة الراديو التي اقتناها الرفاق من مواردهم الخاصة.

إن أكثر ما شدّني في تلك التجربة، هو روح العلاقات الرفاقية المتساوية والأخوة الأممية التي يصعب أن نجد لها مثيلاً في أي مكان آخر، والتي ما زالت حاضرة في وجداني حتى هذه اللحظة.

النصير الشيوعي: هل حققت حركة الأنصار أهدافها؟

- كان الهدف من تشكيل فصائل الأنصار، دفاعيًا بالدرجة الاولى، يتمثل في الحفاظ على كوادر الحزب واعضاءه ومنظماته من الهجمة الظالمة والوحشية التي شنتها اجهزة القمع البعثية ضده، وتأمين استمرارية العمل والحركة، وقد حققنا نتائج ملموسة في هذا المجال. أما الهدف الثاني، فكان خلق وعي سياسي وتعبوي لدى جماهير الشعب، ورفع مستوى الشجاعة الجماعية لمواجهة تهديدات النظام، إذ يخف الحاجز النفسي والخوف عندما تكون هناك حركة أنصارية قريبة من المدن، قادرة على مواجهة قمع السلطة.

في هذا الجانب، حققت حركة الأنصار إنجازات جيدة، إذ ساهمت في تعزيز روح المقاومة خلال انتفاضات 1982 و 1984 و 1987، وأدت في النهاية إلى انتفاضة 1991 المجيدة التي هزّت اركان النظام وكشفت ضعفه وهشاشته..

أما الهدف الاستراتيجي الأوسع، فهو إسقاط النظام، لكنه لم يتحقق بالكامل، خاصة في المناطق العراقية غير الكردستانية، وذلك نظرًا لقوة النظام وقدراته العسكرية، والدعم الدولي الذي كان يحظى به، إضافة إلى ممارساته القاسية والهمجية، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية في 1987 و 1988.

مع ذلك، يظل الإنجاز الأساسي للحركة أن الحزب حافظ على اسمه ومكانته ووجوده داخل المجتمع العراقي، ولم يبق أسيرًا لطاغية استُبدل لاحقًا بالقوة العسكرية الأجنبية. وهذا ما يجعل كل الشيوعيين يشعرون بالفخر والمصداقية، إذ أن موقفهم في تجربة الكفاح المسلح ضد نظام دكتاتوري ظل موقفًا مثالياً ونزيهًا، قائمًا على الدفاع عن شعبهم، والحقوق الديمقراطية، ومبادئ العدالة الاجتماعية.

في نهايةً هذا اللقاء، تتقدم هيئة تحرير جريدة النصير الشيوعي، بالشكر الجزيل للرفيق علي مهدي (ملازم ماجد) لاتاحته فرصة اللقاء معه، متمنين له النجاح في عمله.

النصير الشيوعي العدد 40 السنة الرابعة تشرين الثاني 2025