تأسيس قاعدة هيركي وأول عملية انصارية - الحلقة الاولى/ فارس فارس

تأسيس قاعدة هيركي 28/7/1980, وأول عملية انصارية مشتركة في قضاء العمادية ناحية ديرلوك 23/08/1980.

ملاحظة:- جميع المعلومات الواردة في النص اعتمادا على دفتر مذكرات صغير سجلت فيه اهم الاحداث السياسية والعسكرية التي مررت بها منذ اليوم الاول لوصولي لمقر قاطع بهدنان بتاريخ 27/6/1980م, حيث لازلت محتفظ بهذه التحفة الصغيرة منذ ما يقارب اربعة عقود (الصور مرفقة), وفيها ايضا سجل بجميع العمليات الانصارية التي ساهمت بها ولمدة سنتين سواء في منطقة العمادية او دشت الموصل, ينتهي التوثيق في هذا الكتيب الصغير بتاريخ 25/8/1982م, وهو تاريخ تبليغي بالتوجه الى مقر القاطع, لتحدث اول محاولة لي للتمرد على قرار مكتب قيادة قاطع بهدنان بشان اختياري للدراسة في الكلية العسكرية في جمهورية اليمن الديمقراطية والتوجه الى هناك وانجاز المهمة والعودة السريعة!, لم اكن ارغب في ترك المفرزة واهالي المنطقة بعد تعلقي الكبير بهما وبعد التطورات النوعية التي حصلت في عملنا الانصاري, لكن اصرار الرفيق الفقيد الخالد توما توماس (ابو جميل) القاطع والبات!, كسر ارادتي ورغبتي بعدم الذهاب!, فأنصعت لقرار قيادة القاطع وتوجهت لعبور الحدود للمرة الثالثة خلال ما يقارب ثلاث سنوات!.

كان يوم 28/07/1980م, هو تاريخ اختيار موقع قاعدة هيركي لانصار الحزب الشيوعي العراقي من قبل مفرزة الاستطلاع المرسلة من قبل قيادة قاطع بهدنان الى هذه المنطقة التي تقع في منتصف الطريق بين مقر بهدنان ومقرات الانصار في مناطق سوران, والذي سيحتفل به سنويا الانصار الهراكنة الابطال (الاوباش, اطلقت التسمية لاحقا للتندر!), كتاريخ لعيد ميلاد قاعدة هيركي البطلة لما ستقوم به من دور كبير في انجاز العديد من المهمات الانصارية العسكرية والسياسية والجماهيرية, ولتغدو لاحقا السرية الخامسة المستقلة او سرية العمادية التي ارعبت قوات النظام وعملائه حيث قارب عدد مقاتليها المائة نصير اغلبهم من شباب المنطقة.

اول مهمة انصارية

بتاريخ 6/8/1980م, تم تبليغي بالانضمام الى مجموعة من الانصار عددنا 17 نصير, اطلق عليها تسمية فصيل هيركي مهمتها التوجه الى تلك المنطقة وبناء القاعدة واستكمالها قبل حلول فصل الشتاء, والبدء في النشاط السياسي والعسكري والجماهيري والدعائي....الخ, في منطقة كانت مجهولة تماما لجميع انصار الفصيل حيث تتميز بالعلاقات العشائرية المتشابكة والمتحاربة والطبيعة الجغرافية الوعرة والمعقدة والأسوأ من ذلك حالة الياس والقنوط الجماهيري بعد فشل الحركة الكردية وانهيارها عام 1975 وقساوة النظام الفاشي في التعامل معها حيث تم تدمير قراهم وتهجيرهم الى مجمعات سكنية تشبه معسكرات الاحتجاز, وكثرة العملاء والجحوش ونشاطهم الملفت والسيطرة الامنية والعسكرية والمعنوية التامة لقوات ومرتزقة النظام في هذه المنطقة (نحن نتحدث قبل شهر من اشعال فتيل الحرب العراقية الايرانية المشؤومة), وفي ادناه اسماء انصار فصيل هيركي الذين كلفوا لتنفيذ هذه المهام وهي المفرزة الاولى التي توجهت لبناء قاعدة هيركي:-

نبدأ بأسماء الذين استشهدوا او توفوا لاحقا:

  1. الشهيد ابو محمد طالب جامعي من اهالي البصرة, استشهد في بشتاشان.
  2. الشهيد سليم (المسؤول الاداري) من اهالي كربلاء, استشهد في العمادية.
  3. الشهيد شاكر يزيدي- شمو سليمان سعدون- استشهد مع زوجته وطفلته في عمليات الانفال سيئة الصيت, من اهالي سهل نينوى.
  4. النصير الفقيد هشام يزيدي – علي عبدين- من اهالي حتارة, اخو الرفيق ناظم حتاري, سهل نينوى.
  5. النصير الفقيد ابو براء من اهالي بغداد مدينة الثورة.
  6. النصير توفيق يزيدي- خيري درمان حجي- آمر الفصيل العسكري, من اهالي حتارة, سهل نينوى.
  7. النصير دكتور سليم- ياقو أيشو- المستشار السياسي للفصيل, سكنة بغداد من اهالي مناطق دهوك.
  8. النصير صبري ابو حيدر- جراح الفؤادي- معاون آمر الفصيل من اهالي بغداد الشعلة.
  9. النصير ابو شرارة, من اهالي بغداد الكاظمية.
  10. النصير زهير- منتصر- من اهالي بغداد, حي فلسطين.
  11. النصير ابو ادراك, من اهالي بغداد مدينة الثورة.
  12. النصير الفقيد ابو بسيم, من اهالي بغداد الحرية.
  13. النصير ابو وليد- علي بداي- البصرة.
  14. النصير كامل يزيدي- كمال حسين علي- اخو الرفيق ابو داود يزيدي, نينوى.
  15. النصير ابو سامان, من اهالي الديوانية.
  16. النصير ابو عوف- الدكتور علي ابراهيم, اهالي بابل مدينة الحلة.
  17. النصير ابو حياة- فارس كريم فارس- من اهالي بغداد منطقة الكفاح.

بتاريخ 8-9/8/1980م انطلق الفصيل نحو الهدف, من خلال عمق الاراضي الكردية التركية ذات الجبال الشاهقة التي تلامس الغيوم بل تتجاوزها في بعض الاحيان, والطرق الوعرة والخطيرة!, حيث استقبلتنا القرى الكردية بترحاب متميز, وامنت لنا الطرق لعدم المواجهة او الوقوع في كمائن القوات العسكرية والقرقول التركي المنتشرة بكثافة لافتة في تلك المناطق من كردستان تركيا, وصادف عيد الفطر يوم 12/8/1980م في تلك السنة, وقد مررنا خلال المسير بالقرى التالية:-

قرية (كانيك) وثلاث قرى كردية عراقية مهجرة, فجرت منازلها واغلق ينابيع مياهها بـ الكونكريت المسلح من قبل قوات النظام الدكتاتوري البعثي الفاشي.

بعد عبور الحدود التركية بثلاث ساعات, وصلنا قرية (آشوت) بتاريخ 9/8, ثم قرية (آروش) بتاريخ 10/8, قرية (سة ره سبي) 11/8, قرية (قصروك) 12/8, قرية (بي لات) في هذه القرية طلبوا من الرفيق توفيق اطلاق اعيرة نارية فوق رؤوس الاغنام ليزول عنها المرض! لكونها ايام مباركة, عيد الفطر! وفعل ذلك!, قرية (هه شت) 13/8, قرية (كي سه رش) وقرية (توستان) وقرية (بي لجان) 14/8, قرية (هيركش) صباح 15/8/1980م ومنها على بعد ساعة دخلنا الحدود العراقية لنكون في موقع مقرنا الجديد وتم بنفس اليوم وضع حجر الاساس للقاعة الكبيرة الاولى, حيث حملنا اكبر صخرة لتكون حجر الزاوية لتلك القاعة او الغرفة التي حمت الانصار ايام الثلوج والعواصف العاتية في الشتاء القارص الذي تتميز به هذه المنطقة.

كان العمل للبناء يبدا من الصباح حتى المساء ماعدا وقت الغداء واستراحة لمدة ساعة, نقل الحجر من سفوح الجبال, جلب التراب والتبن وتخمير الطين, وتحضير الاعمدة والمجسرات الخشبية من سيقان الاشجار القوية والطويلة وتقطيع الاغصان (الجلو), وتهيئة التراب للسطح, وكل ذلك يتم بأدوات بدائية, وبنائين (خلفات) مبتدئين ايضا وهم النصير توفيق والنصير د. سليم, حيث يدب الخلاف بينهما دوما حول وضع الحجر المناسب في اماكن الزوايا والشبابيك! كان العمل مرهق وغير طبيعي لكن همة الانصار واصرارهم على المواجهة اللاحقة مع النظام الفاشي لتحقيق اماني الشعب بالحرية والعدالة كانت تهب العزم والارادة الكافية لإنجاز المستحيل. يتبع

الحلقة الثانية

تأسيس قاعدة هيركي 28/7/1980

واول عملية انصارية مشتركة في قضاء العمادية ناحية ديرلوك 23/08/1980م

بتاريخ 18/8/1980م, اي بعد ثلاث ايام من الوصول للموقع وبدء العمل في البناء, تم عقد لقاء بحضور آمر الفصيل والمستشار السياسي والاداري ومعاون آمر الفصيل والرفيق هشام يزيدي, وانا سادسهم, ملخص الحديث: طلب الرفاق في الحزب الديمقراطي الكردستاني (حدك) النزول بمفرزة مشتركة الى مناطق سيطرة النظام الدكتاتوري وبالتحديد قضاء العمادية وناحية ديرلوك ومجمع شيلادزة ومنطقة صبنه التابعة لها, وسيكون هذا اول تواجد من نوعه لمفرزة كبيرة في المنطقة بعد انهيار الحركة الكردية عام 1975م,((حيث تواجدت مجموعة الشهيد الخالد محمود يزيدي من2-5 بيشمركة في المنطقة وصادفت تلك الايام الذكرى الاولى لاستشهاده في آب1979, وانتهاء عمل المجموعة, ولهذا قصة!)) وبنيتهم القيام بعملية عسكرية ضد مقرات البعث والجحوش, وتأديب بعض العملاء في المنطقة بالإضافة الى اللقاء مع ابناء عشيرتهم وسيكون رئيس عشيرة (النيروي) قائد مفرزتهم واسمه مصطفى نيروي ومساعده الدكتور علي تيلي ومعهم حوالي ثلاثين بيشمركة.

وضح الرفيق توفيق يزيدي بهذا اللقاء موقف مكتب الفصيل من طلب حدك بالشكل التالي:- ليس بمقدور فصيلنا المساهمة بهذه المفرزة المشتركة بسبب ان مهمتنا الرئيسية حاليا هو استكمال بناء القاعدة قبل حلول الشتاء ويستلزم ذلك على الاقل, بناء القاعة الكبيرة ومخزن الارزاق ومطبخ وغرفة صغيرة لمهام القيادة, وسيتم تعزيز الفصيل برفاق جدد حسب وعود قيادة القاطع, مما يستلزم بناء قاعة ثانية كذلك قبل الشتاء, عددنا لا يساعد للقيام بالمهمتين! لذلك توصلنا الى فكرة مساهمة ثلاث رفاق فقط بالمفرزة مع حدك, وهم الانصار ابو حيدر سيكون مسؤول المجموعة وهشام يزيدي وابو حياة, مهمتكم هي: معرفة ما يلي: اسماء المناطق والقرى, عدد البيوت والسكان وطبيعتهم, الطرق والمسالك فيما بينها والزمن المستغرق بينها, تواجد ومواقع قوات النظام, ظروف عبور مناطق الخطر وخاصة نهر الزاب, الاجراءات المتخذة بما يخص دخول القرى ومناطق المبيت والاستراحات....الخ, بالإضافة الى الدور السياسي والدعائي وتعريف الجماهير بالحزب وسياسته, واقامة علاقات خاصة مع الاهالي وخاصة الشباب ليكونوا ركائز بالمستقبل, ومن الناحية العسكرية لكم حرية اتخاذ القرار في المشاركة من عدمها في اي عمل عسكري يقترح عليكم!, ومن هو غير مستعد للقيام بالمهمة يستطيع الاعتذار ويكلف رفاق اخرين بها!.

بعد نقاش مستفيض لكل جوانب المهمة والاحتمالات السلبية والغير متوقعة وخاصة ما طرحه النصير الفقيد هشام يزيدي من ملاحظات جدية, كنا ابو حيدر وانا نسمع بها للمرة الاولى, حول طبيعة وتصرفات وسلوك الجانب الاخر العشائرية سواء سياسيا او جماهيريا او عسكريا وحتى امنيا وكثرة الاختراقات في صفوفهم ومخاطر كل ذلك!! لهذا اضيف الى صلاحيات المجموعة هي حقها في اتخاذ قرار الانسحاب من المفرزة المشتركة في اي وقت تشاء والعودة للقاعدة!!. بعد ترتيب احتياجاتنا من العتاد والشواجير ونوع السلاح والملابس والاحذية, و(لهذا قصة), بالإضافة الى كمية كبيرة من المنشورات, عدد جديد من طريق الشعب, بيان اتحاد الطلبة العام واتحاد الشبيبة الديمقراطي وبيان رابطة المراءة, اصبحنا مهيئين للانطلاق مع بيشمركة حدك!.

بتاريخ 19/8/1980 ظهرا تحركت المفرزة باتجاه قرية (جرماندي) ثم قرية (زير) ثم قرية (هشو) ثم قرية (رش مة) وصولا الى ناحية (بيه بو) ثم مطار بيه بو للطائرات العمودية, وتحدث لنا قصة ما بين زير ورش مه لاحقا مع الرفيق توفيق (قصة الدببة!) جميع هذه القرى مع مركز الناحية كانت مدمرة بالكامل وهجر جميع سكانها, وقبل فترة وجيزة تركت قوات النظام جميع مواقعها العسكرية على عمق حوالي 20كم من الحدود التركية وسميت هذه المناطق بالمحرمة على البشر والحيوان, وبما انه اغلب البيشمركة الذين كانوا معنا من سكنة هذه القرى, فعند كل قرية يخرج احدهم ليؤشر على كومة من الحجر المحترق هنا كان بيتنا وهنا الجامع او المدرسة او المطحنة او عين الماء وهكذا, كانت الدموع لا تفارق حدقات عيونهم وعيوننا في هذه اللحظات!.

قضينا ليلتنا الاولى على ارضية مطار بيه بو الاسمنتية, واشعلت نار ضخمة من سيقان الاشجار الكبيرة وبعد العشاء, انطلق الرقص (الدبكة) والغناء حول نار وصل لهيبها الى السماء, استغرق المسير لهذه النقطة حوالي ثلاث ساعات ونصف ما عدا اوقات التوقف في القرى, توطدت علاقتنا مع البيشمركة بشكل كبير وسريع خلال هذا الوقت القصير, فمام رشيد وهو عريف بالجيش سابقا يتحدث العربية بطلاقة, وكان متفاجئ ومستغرب من وجود عرب من بغداد معه في هذه الاصقاع, ليقول لازمته ويعيدها كل ساعة تقريبا, بغداد وين, زير وين, باه باه؟ بغداد وين رش مه وين, باه باه؟ بغداد وين بيه بو وين, باه باه؟ وبعد كل مرة يقترب مني ويناجي: آه يا ابو حياة, آه يا ابو حياة!!, اقترب منا الشباب كثيرا وكان ابرزهم شاب انيق وجميل ومتحمس عمره لا يتجاوز العشرين عام اسمه زبير, كان يعرف بعض العربية من قراءة القران وكانت لديه رغبة كبيرة لتعلم العربية وقراءة منشورات الحزب, توطدت علاقتنا نحن الثلاثة به, فهو اثناء التوزيع بالقرى لاحقا, كان معي واثناء الاستراحات عند هشام ليشرح له بالكردية مضامين المنشورات ويجلس مع ابو حيدر ليطبق ما تعلمه!, كان الجميع يحترمنا بشكل كبير وفرحين لوجودنا معهم وطيبة فلاحنا الجنوبي وجدته فيهم ايضا, فتوجه لنا يوميا عشرات الاسئلة والمشورات رغم صعوبة اللغة وقلة المترجمين! لقد زالت بشكل كبير احدى المشاكل التي كانت تقلق النصير الفقيد هشام يزيدي!.

دخلنا اول قرية (كارة او كاروكة) مأهولة بالسكان, 22 بيت, مساء 20/8/1980, قرية فقيرة ليس فيها من يعرف القراءة والكتابة حتى المختار, ولم يلتقوا باي عربي سوى المختار وكاك سعيد, ولم يسمعوا بالشيوعية او يلتقوا بهم سابقا! هي القرية الوحيدة المتبقية من عشيرة النيروي في المنطقة (ومهددة بالتهجير قريبا) ما بين جبال لينك والحدود التركية يجاورها القرى الريكانية المعادية لهم حيث والمساندة للسلطة, توزعنا زبير وانا في بيت كاكا سعيد, الذي استضافنا افضل ضيافة والذي سيصبح لاحقا (كاكا سعيد) احد ركائزنا الذي نعتمد عليه بالمعلومات وجلب الارزاق للقاعدة (ولهذا قصة طريفة, يعرفها انصار هيركي واهالي المنطقة, لا يسع المنشور هذا لروايتها!). تجمع اغلب شباب القرية في بيت كاكا سعيد لرؤية العرب الشيوعين وكيف هو شكلهم وماذا يريدون, وانا احاول ان افهم زبير ماذا يقول لهم, لا اعرف كم فهموا من حديث زبير لكن عموما يبدو كان الانطباع ايجابي لهم ولي, كل ذلك دفعني لاحقا لمحاولة تعلم اللغة الكردية بأسرع وقت مما اوقعني في مطبات طريفة وكثيرة. وعموما كان لتواجدنا ومعرفة اهالي المنطقة لاحقا به يشكل عامل رفع للمعنويات وبارقة امل جديدة لهم بعد فقدان الامل واليأس لأغلب سكان هذه المناطق!.

بتاريخ 21/8/1980 مساءا بدانا الصعود نحو قمة جبال لينك وهي سلسلة جبلية جبارة تشكل امتداد لسلسلة جبال متين محصورة بين كلي رشافة وكلي بالندا وقرب القمم استرحنا في مصيف قرية هه توت التي في طرفها الغربي يقع كلي ساطور الرهيب وفي بدايته تقع المغارة الكبيرة, ومع النصير زهير تحدث لنا قصة لاحقا مع الذئاب المتوحشة!, صباح 22/8/1980 عبرنا جبل لينك الى الجانب الاخر من الجبل الذي يشرف على وادي عظيم وواسع يقع بين سلسلتين جبارة, وهي جنوبا سلسلة جبال كارة وامتدادها جبال هفت طبقة (السبع طبقات ولها قصة!) وشمالا سلسلة جبال متين وامتدادها جبال لينك حتى منطقة برزان, يلفت نظرك مباشرة عندما تعبر الى الجانب الاخر من لينك نهر الزاب المتموج كالأفعى بمياهه البيضاء المراهقة التي لا تهدأ في جميع الفصول! والمجمعات السكنية التي هجر اليها سكان القرى المدمرة, مجمع سيريا ومجمع شيلادزة ومجمع ديرلوك وعلى امتداده نحو الغرب مجمع كانيك تم تأتي مدينة العمادية وبعدها مجمع بيباد, وتتضح امامك جميع المواقع والربايا العسكرية المنتشرة حول المدن والمجمعات السكنية ومع خط الشارع العام من مجمع سيريا شرقا الى العمادية وبيباد غربا وستمر حتى مصيف سرسنك وسوارة توكة وزاويتة الى دهوك في الجنوب الغربي والى زاخو من جهة الشمال الغربي, هذه المنطقة ولحد مدينة سرسنك وسوارة توكة  مرورا بمدينة العمادية, ستكون منطقة نشاط نصيرات وانصار فصيل هيركي الابطال (الاوباش!!). يتبع

الحلقة الثالثة

تأسيس قاعدة هيركي 28/7/1980

واول عملية انصارية مشتركة في قضاء العمادية ناحية ديرلوك 23/08/1980م

نحن الان في الجانب الاخر من لينك والمشرف على منطقة دشتا زيه وعند عين الماء الوحيدة والضعيفة, والتاريخ هو 22/8/1980 عصرا, ونرى القرى التالية بوضوح: بيران, بادان, باون, حسن بكري, جلكي, هاكاري العليا, هاكاري السفلى, ومن الجانب الاخر لنهر الزاب الكبير نرى بوضوح قرى: سركاني وبعدها على جهة اليمين, باوة وهاركي السفلى والعليا وصولا الى ناحية ديرلوك, تسيطر الربايا العسكرية ومقرات الافواج والسرايا لقوات النظام الدكتاتوري على جميع هذه القرى بالإضافة الى المجمعات السكنية والشارع العام الرابط بينها, لكن لا يوجد اي موقع عسكري في الجانب الاخر من نهر الزاب الكبير, الا عند الوصول الى قرب ناحية ديرلوك حيث توجد ربايا عسكرية تسيطر على الطرف الجنوبي منها.

نزلنا عند الغروب باتجاه قرية حسن بكري, حيث قسمنا الى عدة مجاميع حول القرية وعلى كل مجموعة ان تضع حراسة لخطورة المنطقة, بعد العشاء تجمع شباب القرية حولنا ومن محاسن الصدف كنت في بيت كاكا حسن وهو يعرف العربية بشكل متوسط واصبح المترجم في الجواب على اسئلة شباب ورجال القرية حول الحزب والوضع السياسي, وكان ابن كاكا حسن, واسمه احمد ويدرس بالمتوسطة في ديرلوك ويعرف العربية بعض الشيء من اكثر المتحمسين في الاسئلة والنقاش, حيث سيصبح لاحقا من اصدقاء حزبنا وزودته بالمناشير ليوزعها على اصدقائه وحسب طلبه.

خرجنا من قرية حسن بكري في الساعة العاشرة مساءا, باتجاه الجنوب الشرقي ومررنا قرب قرية بيران وبادان وباون ومن بين الربايا العسكرية عبرنا الشارع العام باتجاه نهر الزاب الكبير وفي النقطة المقابلة لقرية سركاني وعلى النهر مباشرة وضعت المفرزة نقاط الحراسة والكمائن وبحذر شديد حيث لم تكن ربيئة باون تبعد سوى 100 متر ومشرفة على نقطة العبور, كيف سنعبر هذا النهر الهائج والعريض والعميق؟ انتظرنا نصف ساعة واذا بثلاث شباب يجلبون كلك كبير مشدود بحبل قوي من الجانب الاخر من النهر, حيث سنعبر على وجبتين الى الجانب الاكثر امانا وسنتوزع على بيوت قرية سركاني دون اجراءات مشددة.

توزعت مع زبير في بيت كاكا ابو رمضان طيب الذكر, وتفاجأت بعربيته الطليقة ولغته الهادئة المتزنة والحكيمة, وتفاجئه هو بوجود عربي من بغداد في هذا المكان, وعندما عرف انني شيوعي, كانه فرح بذلك!, ولما سالته بسبب فرحه؟, قال ان اعز اصدقائي من اهالي العمادية هم شيوعيين!, فرح زبير ايضا وقال لي بما معناه التقيت بواحد من جماعتك!, رد عليه كاكا ابو رمضان وقال كلا انا لست شيوعي بل احبهم واحترمهم لانهم اناس طيبين!

سالت كاكا ابو رمضان: كيف تعلمت اللغة العربية بهذه الطلاقة ؟. اجاب: انا اعمل في وزارة الاشغال والاسكان, دائرة الطرق والجسور منذ اكثر من 20 عاما كسائق, وعملت في محافظات الجنوب وبغداد والموصل وقبل ثلاث سنوات نقلت الى هذه المنطقة, لذلك نقلت عائلتي من الموصل وسكنت هذه القرية التي سكن بها اجدادي........قطع حديثه دخول ثلاث شباب الى الغرفة والقائهم التحية طبعا باللغة الكردية, عرفتهم مباشرة هم نفس هؤلاء الشباب الذين جلبوا للمفرزة الكلك عند النهر, سألهم هل عبر الجميع وهل اخفيتوا الكلك؟ اجابوا بنعم! قال لهم باللغة العربية, اعرفكم على ابو حياة وهو من بغداد! طفت ابتسامة صادقة وباستغراب كبير لما سمعوه! وقالوا بصوت واحد اهلا وسهلا تشرفنا, بلغة عربية صافية! ووجه الكلام لي هؤلاء اولادي الاكبر رمضان والاخر شعبان والاصغر رجب! وكأن الارض لا تطيقني من السعادة التي غمرتني, قلت اهلا وسهلا تشرفت بكم! واصبح لنا معهم لاحقا حكايات!.

خرجنا في الساعة الرابعة فجرا من قرية سركاني, نحو الغرب وفي احدى الوديان العميقة, وجلب اهل القرية لنا الفطور ووجبة الغداء, وفي عصر هذا اليوم المؤرخ 23/8/1980, طلب الرفيق ابو حيدر- صبري- عقد لقاء بيننا, طرح بان مفرزة حدك قرروا القيام بعملية عسكرية هذه الليلة لضرب واقتحام مقر منظمة حزب البعث في الناحية, واعتقال او ضرب بيت رئيس الجحوش في المنطقة, وواصل استطلعت الموقع معهم عن بعد, واطلعت على خطتهم العسكرية, واعطيتهم ملاحظات لكن لم يقتنعوا بها, وان فشل هذه العملية يفوق 80%, حيث توجد ربيئة مسيطرة على الموقع ومن الضروري ان يتم مشاغلتها اثناء ضرب او اقتحام المقر, لتحيد نيرانها! هذا اولا, وثانيا يجب وضع مجموعة اسناد لتغطية الانسحاب او اذا حدث طارئ! قالوا ليس هناك حاجة لكل ذلك!! واضاف الرفيق هشام يزيدي بالإضافة الى كل ذلك, اعتقد وانا واثق من كلامي بان العملية فقدت عنصر المباغتة لقوات النظام فمرورنا على قرية حسن بكري كان خطا كبير, واجهزة النظام تعرف نحن من الامس في المنطقة والان لديهم انذار ج كما لا استبعد وصول معلومات للسلطة حتى عن الموقع المستهدف بالضبط!! وبما انه ليس لي اي خبرة بالتخطيط لعمليات عسكرية في ذلك الوقت وأثق بشكل كبير بتقديرات الرفيق صبري كونه عسكري سابق في الجيش وبالرفيق الفقيد هشام يزيدي كونه كان ايضا نصير في فترة سابقة حسب علمي, اضفت الى كلامهم : يعني هذه العملية بالتأكيد فاشلة!! اذن ما العمل؟ اما ان لا نشترك وماذا يجب ان نفعل بهذه الحالة او نشترك ولكن كيف واين, وقبل كل ذلك لماذا هذا او ذاك؟ يتبع