كانت ... قصة شهرين من حياتي  ..! هاني ابو زياد                 

14 اب – 14 تشرين اول  1988...9

انضممت لهم مسرعا . كنا  مجموعة الاستطلاع , اسرعنا الخطا بالسير , عيوننا واذاننا  مفتوحة . نهّم  لنسبق الفوج  بمسافة مناسبة , نستطلع الطريق  وما حوله ونؤمنه .. وكلنا جاهز للرماية فبنادقنا  بايادينا جاهزة  والرفيق عمار  يحمل  القاذف ب7  على كتفه وهو جاهز للاطلاق  . كان الظلام لازال مخيم  وحدود الرؤيا  قريبة ومحدودة . اجتزنا قرية اطوش بمسافة غير بعيدة  سمعنا  حركة  وراينا  اشباح قادمة , سحبت الاقسام , واتخذنا مواقع قتالية و , توكي  , هزت المكان  ..  كان الرد ضعيف نحن سجناء البارتي  اطلق سراحنا قبل قليل . تحدث معهم  رفيق  وعرف وضعهم  كانوا بحدود 12 من الجحوش اطلق البارتي صراحهم وانسحبوا من المقر .. تاكدنا من انهم غير مسلحين ولا يشكلون خطورة  .. قال الرفيق .. عليكم ان  تتنحوا عن الطريق وتختفوا  فخلفنا  قوة كبيرة احذروهم , وتحركوا بالنهار  .. واصلنا السير امام الفوج حتى الصباح وشروق الشمس  .. فقد قطعنا مسافة كبيرة ومررنا من جنب مقر البارتي  كان فارغا  ...هذه المنطقة انا لا اعرفها بشكل جيد مررت بها  مرة  واحدة عام 1985  وبصحبه الشهيد سيروان عقراوي  كنا قاصدين  مقر كافية  .. لهذا لا احفظ اسماء القرى هنا ولا عيون الماء لكني اعرف اين نحن  وعلى يسارنا  كارة العظيم  , فلا خوف علينا ولا هم يحزنون . وصلنا الى مكان اكيد كان له اسم فيه عين ماء انتشر الرفاق في المكان واخرج  كل من عليجته خبز كنت خبزته البارحة ولحم ذلك الثور ,  الا انا  ! ما كان معي شيء  ااكله  فقد وزعوا  الخبز واللحم  عندما كنت  انام  بالشكفته .. ماذا افعل ؟ سالت  الرفيق  توفيق وقلت  ليس لدي طعام . قال طبعا  لانك كنت نائم ! تعال ...! اقتسمنا ما كان يحمله من خبز ولحم  , كان الخبز طيب !!. اكلنا , وقبل ان نتحرك  , كلفني الرفيق  توفيق  بمهمة قيادة  مجموعة  من الرفاق  تكون بالقرب من  قيادة  الفوج  لمساعدتهم  ان حدث شيء ما . ربما  فكر  ان  تكون المجموعة  مسؤولة عنهم وتبقى بالقرب منهم ..!  وكذلك مسؤولية البغل  لهذا اليوم  !!!  لا اعرف  لماذا اختار الرفيق هذه المجموعة للاهتمام بالبغل  ايضا وهناك عدد كبير جدا من الرفاق  بالمفرزة .. البغل هذا الذي رافقنا كل الوقت .فقد كنت اعتقد انه يحمل طعام ومؤن او عتاد مثلا , ولكن الحقيقة اكتشفناها لاحقا  سنتاتي عليها .. بعد الفطور والاستراحة  , صاح  الرفيق توفيق حركة ,,, الرفيق توفيق  هو المسؤول العسكري للفوج ,,, والمسير بمسافات  طبعا فالكل يعرف لا ننا نسير بالنهار . والقوات المعادية هناك بالقرب من الجانب الايمن للوادي  والرمي مسموع بشكل واضح  فهو لدوشكات  نصبت على الهيليكوبترات وهي تمشط المنطقة  قيل انه من المناطق  القريبة من دينارتة  انا لا اعرف هذه المناطق وكان  الدخان يغطي المنطقة برمتها وصوت الهيلكوبترات  يملء الفضاء  ونحن نسير ,, مع اني مسؤول المجموعة كان البغل  مسؤوليتي ايضا .. تعب الرفيق صفاء من حمل  الجهاز ( جهاز الارسال )  فهو ثقيل كما قال  وضعناه على البغل , بالرغم من  ان ذلك  لا يجوز  ....كنت اسير  امام الرفيق ابو سالار  وخلف البغل .. هذه المرة الاولى التي اكون بها  بهذا القرب من الرفيق  واسمع صوته . فقد رايته سابقا ,, ربما سلمت عليه ,, عندما كنت ازور مقر مرانة .., فقد كان للتنظيم المحلي غرفة عند المدخل الشمالي للمقر كان يعيش بها  واظن انه بقي هناك  حتى بعد ان اصبح  المسؤول الاول لمحلية  الموصل ......كنا نتحدث كل الطريق... ونحن نسمع الرمي ونرى في كل مكان وعلى طول الطريق اشياء كثيرة مرمية ومتروكة ,, كان يحملها  الناس المنسحبين بعد ان اصبحت ثقيلة ولا قيمة لها  استغنوا  عنها ... تراكتور متروك مثلا بعد ان ضاق عليه الطريق ولا يسعه  . تركه راكبيه  وترجلوا منه وساروا يحملون اطفالهم  وشيوخهم وما تيسر من طعام وماء . اغطية وافرشة متناثرة  , وطيور داجنة من دجاج وعلي شيش ( ديك رومي ) تركت قرب عيون الماء بامان لا يجرء احد على اخذها لانها ثقيلة وغير مهمة  وتاخذ وقت لمن يشتهيها . المهم الان ان يحمل المرء اولاده  وشيء من الطعام والماء , والمحظوظ فيهم  من كان  لديه بغل او حمار.. كنا نسير بهمة  .. كان الرفيق  ابو سالار يمشي بنشاط  لم الحظ عليه  علامة من علامات التعب  او الخمول  منتبه  ومتماسك لكنه مهموم  ويفكر.. لا اعرف بماذا ؟. بقينا  على هذا الحال حتى وصلنا الى المنحدر الذي  يؤدي الى المضيق .. مدخل بري كارة ومنه الى كافية ..هناك توقفنا  كان منظر مذهل  الاف من الناس  تصعد المنحدر راجعة منه باتجاهنا  وهم يولولون ... لقد كتب عن ذلك  كثير من الرفاق منهم  كتاب  وشعراء  جميعهم يمتلكون اللغة , وقدرة على  الوصف , فهو رهيب . انا لا استطيع ان اصفه  , لا امتلك  المفردات اللازمة لكي اسطرها ورسم  لكم  صورة  يمكنكم ان تتخيلوها  ..فهي مرعبة  فيها حالات لمشاعر انسانية  لم تجسدها  حتى الافلام ..اترك للقارئ الكريم تخيلها ... توقفنا هنا  لكن البعض نزل لمعرفة مصير عوائلنا التي غادرت المقر امس ..التفت حولي لم اجد اي مسؤول .. ما العمل ؟ اغلب الرفاق  ومن شدة التعب  والارهاق  جلسوا  لاخذ قسط من الراحة قلت للرفيق صفاء انتبه الى البغل  سانزل  لارى الوضع هناك والبحث عن القيادة  .. نزلت سريعا  بين الجموع  الصاعدة  سمعت صوت يناديني  التفت يمينا رايت القيادة مجتمعة .. حدثني ابو سالار هذه المرة بنفسه قائلا  ارجع الى الرفاق , لينتظروا هناك  نحن قادمون ..عدت  وعادوا . جلس الجميع  الا انا  فحمل البغل  مال  وكاد ان يسقط وانا استغيث لكي يساعدني احد .. لم يسمعني  بعد ان علا صوتي وغضبت الا  المسؤول الاول . تدخل  الرفيق ابو سالار  وصاح بصوت عالي  ومنفعل جدا  مخاطب الرفاق ليقدموا لي المساعدة  .. انزلنا الحمل من على ظهر البغل وراينا  ما فيه  !... ما كان طعام ولا مؤن ....!!! ليس هناك من ضرورة لتعرفوا  ما كان فيه لانها تشبه وضعنا وما نحن عليه   ... بدا الرفيق ابو سالار يحرق  .حرق الكثير من الورق والملفات . اصابت العدوى البعض  واخذوا يحرقون  حتى انا حرقت ما لدي من صور اشترك بها مع اخرين , بالرغم من انها  قيلة ولم ابقي الا صورتين  شخصيتين  انشرهما احيانا  ..  حدث شيء لا اعرف ان كان طريف  ام  حزين  ,هو  الحالة التي كنا نعيشها .. كان الرفيق ابو سامر يلبس على راسه قبعة ( شفقة تشبه ما يضعه الجيش الشعبي على روؤسهم ) كان قريب من حافة القطع  .. راى احد الرفاق القبعة صاح بصوت عالي وركض مسرعا باتجاهنا  رفاق جيش جيش تقدم ...عليكم ان تتخيلوا ماحدث !! كان  الوقت يمضي  والشمس غير متوقفة  فهي ايضا تحث الخطى لكي تستريح ..  قرار ,,, صدر ان نتوجه بالصعود الى الجبل الى كارة لقضاء ليلتنا  هناك  ونرى ما يخبئه الغد لنا  انه مساء يوم  28 اب 1988 .....يتبع

ملاحظة  ((( ولكي  لا يذهب  فكر احد او البعض لبعيد ... عندما سقط النظام عام 2003 ذهبت الى المقر لالتقي  بعض الاصدقاء هناك  سالت عنه  قيل لي انه في المدى  مع فخري ( الرفيق ابو سالار .. هو ابو رنا  وهو  لبيد عباوي ) . كتب لي  الرفيق ابو جمال  العنوان  وذهبت لالتقي به .. دخلت  وسلمت عليه بادلني التحية  لكنه لم يتذكرني  ابدا  حتى وانا  اقص عليه هذه القصة .انا لست من اولئك !! .والله من وراء القصد )))