كانت ... قصة شهرين من حياتي  ..!/ هاني ابو زياد                

14 اب – 14 تشرين اول  1988...8

استيقظت في الصباح الباكر ليوم 27 اب 1988. بعد ليلة كانت هادئة ونوم عميق , فهي الليلة الاولى التي شعرت بها بالامان  والراحة من يوم خروجي من كلي صاطور  .. انا بالمقر يحرسه رفاق شجعان ابطال  تمرسوا العمل واصبحت لديهم تجربة كبيرة  وخبرة بالعمل الانصاري  , كما انه مقر جيد الموقع من الناحية العسكرية .. كان الطقس جيد والهواء قليل البرودة ساعدت  في ذلك اشجار الجوز العملاقة التي  تغطي المقر باغصانها الوارفة , و تضفي علية  رونقا وجمال  وهيبة .( كتب  الكثير عن مقر مراني , فقد كتب عنها  عشاقتها  ومن عاش فيها  قصائد الغزل وقصص الغرام ,  وقدموا  اجمل الصور , فهي كبيرة على الوصف , انا كنت آتي اليها  ضيفا زائرا  في مهمة او لقضاء اجازة )....     كانت  هناك حركة غير عادية  بالمقر نساء واطفال واصوات احاديث . نزلت من السطح بكامل قيافتي العسكرية  باتجاه المطبخ  تبين ان العوائل التي غادرت البارحة باتجاه  سوارة توكة  قد عادت . كان الطريق مقطوع  فقد خيمت  الجيوش هناك على طول الشارع وملئت  المكان بالخيام والعربات العسكرية  وليس هناك اي منفذ للمرور , لهذا قررت قيادة المفرزة العودة  بعد ان قضوا الليل  بالمسير ذهابا وايابا . كانت قيادة الموقع تعرف ان هناك جيوش  تعسكر منذ البارحة  وقد اخبرهم الرفاق ابو داوود اليزيدي  ومرافقيه  الرفاق يونس مانكيش والشهيد ابو عهد . ولكن !!.....

 صدر فرمان  جديد .. نصه ! على العوائل الاستمرار باتجاه كافية  .. بعد الفطور خطب  بنا مسؤول   قائلا  ..على الرفاق الانتشار الى ساعة الغداء ..  كان حينها الرفيق يونس بجانبي  فطرنا  معا  واتفقنا ان ننتشر معا  فذهبنا بتجاه اطوش كنت اعرف  ان هناك اشكفته (كهف ) بالقرب من بيوت الرفاق  الشهيد شاكر  وتوفيق  يمكننا ان نقضي الوقت فيه .. دخلناها كانت نظيفة جدا . هي ليست كبيرة لكنها  تسعنا افترشنا الارض واستلقينا واضعين علايجنا ( جمع عليجة ) تحت راسينا  ونتحدث  .. تحدثنا كثيرا ولساعات  فلم نسكت ابدا . تحدثنا  عن عمليات اشتركنا بها  معا  عن رفاق نعرفهم عن كتب قراناها وقصص سمعناها  عن اسباب وجودنا في الفوج الاول  واحاديث كثيرة ومتشعبة  ولكن اهمها  هو وضعنا هنا وماذا بامكاننا ان نعمل  لو تقدمت علينا الجيوش وماذا  يمكننا ان نعمل . كان يونس يقول  ....  مثلا  انا  لا اخاف  حتى  لو قطعت كل الطرق لانني اعرف المنطقة واستطيع  التخلص من  اي ملاحقة   فهناك كثير من الطرق غير مطروقة يمكن ان نسلكها .. فهو ابن مانكيش  ويعرف منطقة صبنة السرية الاولى جنوب سرسنك والدوسكي بشكل جيد  حتي زاخو والحدود التركية .. ابادله انا الحديث واقول  وانا كذلك , انا اعرف  منطقة صبنة السرية الخامسة و اعرف منطقة العمادية  صحيح   انا ليس من ابنائها  ولكني صرت  ! عشت بها  سنوات وخبرتها ووالفت عليها  واعرف  كل دروبها  وشعابها  من منطقة الزاب و نيروة والريكان حتى الحدود التركية . كنا نتفاخر  وكاننا في سباق ,, من يعرف  اكثر من  المناطق  ومن الذي لايخاف  من تقدم الجيوش من الآخر  وهكذا .. كان الحديث للتسلية  ورفع للمعنويات  ولقضاء الوقت الطويل الممل بدون عمل , كنا نمزح ونضحك ., فليس الامربالبسيط  كما تصورناه .,هناك  جنود قاتلوا  8 سنوات  في جبهات القتال اعدادهم بالالاف  وهناك اسلحة فتاكة من  مدفعية وطائرات وهيليكوبترات وسلاح كيمياوي .  كما اننا لسنا الوحيدين هنا  معنا  عشرات الرفاق وعشرات العوائل  المثقلة بالاطفال والعجائز  والامر ليس بالهين .... وهكذا الى وقت الغداء .. تركنا  الشكفته وذهبنا الى الغداء  .. بعد الغداء جائني الرفيق  ابو حامد .. قال  رفيق انت منا  . قلت نعم منكم ! لذا انت يجب ان تدخل الواجبات  , قلت لا مانع  قال يجب  ان نخبز كمية كبيرة  . قلت نعم انا اخبز  ولكن كلف اخرين للعجن  ,, قال نعم ,,,  قدم الرفيق ابو حامد  نفسه لي على انه  مسؤول عن سرية المقر .. هذا اول مسؤول يتحدث معي  منذ البارحة كمسؤول  ... فرحت كثيرا لانهم قبلوني بينهم  واصبحت واحد منهم .. لهذا بقيت في المقر ولم انتشر .. عند العصر كان  العجين قد جهز للخبز اوقنا التنور . وبدات اخبز لا اعرف كم ( طشت ) خبزت لكن الخبر كان كثير ..حتى انتهينا  منه وبموازات  عملية الخبز هذه  كان رفاق اخرين  قد نحروا  ثور كبير  كان للرفيق ابو خضر على ما اظن قطعوه وطبخوه .. كان الليل قد دخل علينا بظلامه الحالك  واسود كل شيء .. الحمام  بجانب مكان التنور..  انتبهت  .. ان بعض الرفاق استحموا  عندما كنت اخبز  والان يبدو انه فارغ  دخلته وجدت فيه ماء ساخن  وكانت النار تحته موقدة ايضا .. كان الوقت مناسب للاستحمام  وتغير البدلة التي  اتسخت من العجين اثناء الخبر . لبست البدلة الجديدة ووضعت البدلة القديمة  في زاوية من زوايا الحمام  وكانني استغنيت عنها .. كانت هذه اخر مرة استحم بها  حتى  نهاية القصة بعد شهرين  !.. بعد الاستحمام  لم اجد احد اتحدث معه  قررت من نفسي وبدون علم احد ان اذهب الى  الكهف  الذي كان يعيش به  الرفيق الشهيد ابو نصير والرفيقة ام عصام فهو الان مكتب اعلام الفوج  , لاستريح وانام دون ازعاج ..  كان رفاق الاعلام قد رافققوا العوائل,, الرفيق  ابو سعد اعلام والرفيق ابو طويلب  والمكان فارغ فيه كثير من الكتب والمجلات المبعثرة  بكل ارض المكان والشكفته مضوية بالكهرباء  ( فالجنريتر) يشتغل حتى الساعة العاشرة  ..جهزت لي فراش  ووضعت سلاحي والاعتدة بجانبي وكذلك العليجة  كل في مكان اعرفه  لو اضطررت للنهوض  بالظلام وبسرعة واخذت اتصفح المجلات وانظر الى الصور  حتى العاشرة . عندها  اصبح المكان مظلم جدا  تاكدت  باللمس من  سلاحي والعليجة ونمت .... كان نوما عميقا لكني استيقظت على  صياح عالي فزعت ولبست  الرخت (الجعب التي توضع بها  الشواجير ) وحملت سلاحي والعليجة وخرجت مسرعا .. كان الرفيق توفيق يبحث عني وهو غاضب ويلعن كل شيء يتذكره  . اين انت  ؟ لماذا لا تخبرنا عن مكانك ؟ وغيرها كثير   كان قلقا علي  يبحث عني , لم اتفوه بكلمة ونزلت مسرعا . قال  روح وياهم  !.. رحت ولكن لا اعرف الى اين  كانوا الرفاق ابو امل ( مسؤول اول لسرية )  والشهيد كاروان عقراوي  وعمار .. ركضت وانضممت اليهم  اتضح اننا  مفرزة استطلاع لتامين الطريق  كان فجر 28 اب 1988 ....يتبع