كانت ... قصة شهرين من حياتي  ..!18 / هاني ابو زياد     

كانت ... قصة شهرين من حياتي ..!
14 اب – 14 تشرين اول 1988...18
كان نهار 21 ايلول 1988 طويل وقاسي . لم اتعرض طيلة فترة وجودي في كردستان الى موقف كهذا .. كنا دائما نحرص على ان تتوفر شروط الدفاع الجيدة بمكان تواجدنا او الانسحاب منه بسلام . كنا لا نجبر نفسنا على ان نكون تحت رحمة العدو فنحن ليس انتحاريين او ننتظر عطف من حظ . كنا من الموت او الاسر قاب قوسين او ادنى . ( عندما اقول كنا اعني انا ومن عملت معهم من الرفاق ... هكذا تعلمنا ) .... المهم كان البزن مؤدب وملتزم ولم يهرب من الجنود .. بحدود ساعات العصر خرجنا من اوكارنا وتحرك الدم في اجسادنا بعد ان تيبست اطرافنا واصابها الخدر.. اجتمعنا لنكتشف ان الرفيقين ابو تاس وجعفر ليسا معنا فقد رافقا بشمركة حدك البارحة , بالمقابل بقي معنا عنصر من حدك . تحركنا باتجاه نهاية الوادي ووقفنا حيث كان الجنود . كان الطريق فعلا قريب جدا من مكان اختفائنا .. انتظرنا قليلا حتى نزل الليل وساد الظلام .. علينا ان نصعد للمستوى الاخر والطريق اجباري وطويل هو عبارة عن شق من اعلى الجبل الى اسفله لايسع لاكثر من شخص واحد يسير به .. بدئنا نصعد حتى بلغنا المستوى الاخر. هو عبارة عن ارض منبسطة تنحدر الى الجنوب الغربي وعلى حدودها الشمالية سلسلة جبلية علينا عبورها . توقفنا لنرى ماذا هناك ؟ , من جهة الشرق على اليمين هناك نقطة تجمع جنود نسمعهم وهم يتكلمون ويتحركون نارهم حجبت عليهم الرؤى , فنحن قريبين منهم . تقع هذه على الطريق المؤدي الى قريتي كركو وبنافية , تحت القطع تماما . هناك نقطة اخرى لتجمع جنود من جهة الجنوب الغربي على اليسار لا نراها من المكان هذا لكنها واضحة وقريبة عندما نتحرك الى الامام باتجاه القمة الاخيرة والتي لا يفصلنا عنها سوى بضعة مئات من الامتار والصعود لها سيكون متعب فهو منحدر حاد من احجار صغيرة ومتحركة , تحته عين غزيرة المياه . عبرنا بسلام كان المسير اثنين اثنين ومسافات وبسرعة اكثر من الاعتيادية حتى بلغنا عين الماء .. اغتسلنا وشربنا حتى ارتوينا واكلنا . كانت نقطة تجمع الجنود تحتنا وبمدى بنادقنا كانوا يشعلون النيران نراهم وهم يتحركون ونسمع اصواتهم ..! بعد استراحة وعشاء انطلقنا الى القمة الاخيرة كان الصعود صعب قليلا لكننا بلغناها .. الجهة الاخرى ,هرور’ عبارة عن غابة كثيفة , بكر تغطي مساحة كبيرة تمتد من مناطق مقر القاطع في زيوة والزاب شرقا وبحدود الشارع الترابي الذي يربط منطقة برواري بالزاب شمالا , كنا نسير على طرفها الغربي باتجاه الشارع الترابي . على مسافة من الشارع تقرر ان نقضي ليلتنا في مكان تم اختياره على اطراف الغابة واليوم التالي 22 ايلول 1988 ايضا . لا نستطيع ان نبلغ الحدود هذه الليلة كما ان الطريق يحتاج الى استطلاع وخاصة عند الشارع الترابي , فهو مهم جدا الان ولا يمكن ان يستغني الجيش عنه لانه اخر شارع حدودي ومن ضروري تامينه فالسيارات العسكرية وكذلك المدنية لم تنقطع عن السير عليه ليل نهار ... كان الرفيق سردار اجاب ونحن نسير عن سؤوال ان كان يعرف الطريق ومشى به سابقا ؟ يقول عندما كنت صغير خرج الناس من العمادية هربا من الحكومة سلكنا هذا الطريق ولا زلت اتذكره ... في النهار كان يشيرالرفيق الى مرتفعين اثنين هناك يشبهان صدر مرأة على الحدود , كان يقول هذه الحدود وسندخلها من بين هذين النهدين كما اسماهما . انا اعرف هذه المنطقة ايضا ومشيتها فهي جزء من منطقة عملنا بالسرية الخامسة لكني لم اصل الحدود .. فالمنطقة غير مأهولة ومحرمة فيها رعاة وهناك عين ماء كبيرة خلف سة ر عمادية مباشرة وغيرها من عيون ماء كثيرة ... قضينا يومنا هناك . نمنا بشكل جيد واخذنا قسط كبير من الراحة بعد سهر وتعب اليومين الماضيين . في الوقت المقرر للحركة قال الرفيق سردار انه تسلل الى مسافة قريبة من الشارع عندما كنا نيام ووجد ان معسكرا للجيش يقطعه . لهذا علينا ان نختار طريق اخر نسلكه الى الجانب الثاني من الشارع .. قبل الحركة جمعنا ما تبقى من خبز كان معنا ووضعناه في كيس علق على شجرة ليستفيد منه الرفاق بعدنا والاكتفاء بالقليل نحمله معنا . تحركنا قبل الظلام فالمسير في الغابة , و لا يستطيع احد رصدنا , كما ان الرؤية يجب ان تكون واضحة . الغريب اننا سرنا باتجاه مكان المعسكر فوجدناه قد انتقل الى مكان اخر . قال الرفيق سردار. كان هنا !! لم نبحث عن طريق اخر .!! كنا تحت الشارع ننتظر مرور المركبة القادمة لنعبر , وصلت المركبة وتوقفت , كانت تكسي نزل منها شخص ونادى عبد الله ,عبد الله !! ركب بعدها وانطلقت باتجاه الشرق حيث مقرنا في زيوة ( والرفيق ابو عمشة لازال يحفظ رقم التكسي ) عبرنا الشارع من تحت جسر تم بنائه عندما فتح الشارع قديما لتعبر منه السيول بالربيع . كان العبور شرق قرية طروانش المهجرة .. عبرنا بعدها نهير مغطى باشجار كثيفة , ياتي سريعا من الغرب ليصب بعدها بالزاب . علا صوت خريره على كل الاصوات وانعدم السمع . انطلقنا بعدها باتجاه الشمال ..كان على يسارنا غابة من القصب تغطي مسافة لاباس بها سرنا بمحاذاتها . حتى بلغنا نهير اخر قبل ان نبدا الصعود كان متجها الى الزاب هو الاخر ..استراحة للتزود بالماء ثم الاستمرار بالمسير ولكن هذه المرة صعود .. صعدنا سلسلة ونزلنا الى وادي عميق ثم صعدنا سلسلة اعلي ونزلنا ثم ثالثة ونزلنا ,,, منحنا الرفيق امر المفرزة استراحة للتدخين . دخن المدخنون وانا منهم فلدي سكاير , ماذا افعل بها غير ان ادخنها ثم ان الاستراحة بدون تدخين كمضيعة للوقت ونحن ليس لدينا الوقت , يجب ان نصل قبل طلوع الفجر . صعدنا السلسلة الاخرى بدون نزول فالصعود استمر حتى النهدين , مررنا بينهما وشعرنا بوجودهما وصرنا على الحدود , لكن الحدود الحقيقيية هي الزاب الذي نزل اليه الرفاق , كان هذا فجر يوم 23 ايلول 1988 شرق ناحية كاني ماسي ... يتبع