كانت ... قصة شهرين من حياتي  ..!17 / هاني ابو زياد     

كانت ... قصة شهرين من حياتي ..!
14 اب – 14 تشرين اول 1988...17
كان من المقرر ان ننطلق الى الحدود يوم 19 ايلول 1988 , لكن الموعد تأجل الى يوم الغد 20 ايلول بسبب عمل لم يكتمل يقوم به بعض كوادر حدك .. فهم ايضا لهم علاقات حزبية ينظموها !!. عند حلول الظلام التقت كل المجاميع المنتشرة بالمنطقة ,, رفاقنا وبيشمركة حدك ’’ بالقرب من كاني خو ( العين المالحة ,,اعتقد انها تكتب هكذا ’’ بالرغم من ان مائها عذب كالزلال تسمى بهذا الاسم , ربما لان الارض هناك كلسية ) كانت هذه العين مكان استراحة للسرية الخامسة ايام المجد والعنفوان . كنا نقضي نهارنا فيها حتى قدوم المساء ناكل , نقرا وننام والبعض منا يلعب ويتسلى , ان لم تكن لدينا مهام اخرى ..... وزع الرفيق جعفر سكاير بغداد التي كان قد غنمها من دكان قريته اسبندارخلفو , بعد ان غادر الاهالي القرية وانسحبوا ,, لكي لا تكون من نصيب الجحوش والجيش الذي دخل القرية من اول يوم . فقد استولى الرفيق جعفر على كل محتويات الدكان ونقله الى مكان اختفائه من حلويات وسكاير وغيرها فهو الوريث الشرعي والوحيد .. كان نصيبي باكتين لانني لا ادخن ...لاحظت ان امراءة كانت معنا قيل انها اخت احد بيشمركة حدك ..تحركت المفرزة المشتركة , كان عددنا اكثر من 30 شخص بقليل . لا اعرف من كان يسير بالمقدمة كدليل , ولكن انا والرفيق حميد كنا ,,القفل ’’ موقعنا في اخر المفرزة .. ليس الجميع مسلح على الاقل بالنسبة الى رفاقنا فهناك البعض ليسوا انصار وانما من ابناء عوائلنا واخوة رفاقنا . نزلنا باتجاه الشارع الذي يربط العمادية بدرلوك مرورا باطراف قرية مزة كفنة الجنوبية .. عبرنا صبنة (نهر) وصعدنا باتجاه معبر سكير (قرية ) ليس هناك اي مشكلة لان الجميع يعرف المنطقة , ويعرف كيف يتم العبور بالرغم من مرور سيارات عسكرية بين فترة واخرى ..كان عبورنا سهل وسلس , ولو ان مرور بعض المركبات فرضت على البعض منا ان ينتظر بعض الوقت ثم يعبر .. عبرنا انا والرفيق حميد اخر الجميع وبعد ان اكتملت المفرزة تحركتنا باتجاه هدفنا وسلكت ,,لا طريق ’’ تجنبا المرور بقرية سكير فقد كان فيها جيش . . كان طريقنا الوادي قبل القرية المحصور بين السلسلة التي على قمتها ,, ربية سكير’’ ,على يسارنا , والسلسلة الموازية لها والمطلة على الطريق المؤدي الى زوم سكير (مصيف ) من الجهة الاخرى على يميننا .. كنا نسير خلف الربية على منحدر السلسلة الموازية صعودا باتجاه الغرب بارض صخرية مليئة بالاحجار المعرقلة للسير , وشجيرات صغيرة الحجم ومنتشرة بكثافة من انواع الدغل والاشواك تعيقنا وتحدث اصوات يجب ان لا نصدرها . تجاوزنا هذا الممر حتى وصلنا القمة بعد وقت ليس بقليل فقد كان الطريق صعود موارب وصعب . بلغنا زوم سكير , كانت العين شحيحة الماء وقد تراكمت الطحالب الخضراء على مجراها بسبب الاهمال .. كانت هذه العين غزيرة الماء سابقا جميلة تزينها كبرات الرعاة من اغصان الاشجار وتبعث الحياة بارض خالية من الاشجار, جرداء , وهي امتداد الى سه ر عمادية (رأس) . سلاسل ملساء فوق بعضها حادة لها طرق اجبارية ليس كثيرة ..كنا هناك بحدود الساعة الواحدة من صباح يوم 21 ايلول 1988 . جلس الجميع استراحة فقد تعبنا ونام البعض .. اختلف قادة المفرزة بين البقاء هنا والاختفاء , النهار القادم , وبين الاستمرار وعبور سه ر عمادية . رفاقنا مع البقاء , حدك مع الاستمرار . الجميع سمع التوجيه وفهموه فقد قيل بالكردية .. آمر حدك ,, حركة .. نهض نصف عدد المفرزة تقريبا , تحركوا واختفوا بالظلام ... بقينا نحن قرب العين حتى بزوغ الفجر, تزودنا بالماء , فامامنا يوم طويل لا يمكن ان نتحرك فيه ,, اين سنقضي النهار ؟؟ والمنطقة جرداء لا شجر فيها ولا حجر .. ايقظنا من نام وتحركنا . المكان كان عالي , كان قمة و هناك مستويات اعلى منها . اسفله ومن الجانب الايمن وادي سحيق ينزل حيث قرية سكير واخرخلفها فيه قرى كركو و بنافية .... وعلى يساره بعض الوديان الصغيرة , هي كالشقوق لكنها مفتوحة بعض الشيء يمكن السير بها تنتهي بطريق ( بغال ) ياتي من العمادية ويستمر الى سه ر عماديه , اختار الرفيق سردار احد هذه الوديان كان فيه شجيرات على جانبه الايسر ( تراشات ) . قال سنبقى هنا كل النهار .. كان انقسام المفرزة الى قسمين شيء جيد جاء بوقته ساعدنا في الاختباء تحت هذه الشجيرات , فقد قلل من العدد . دخلنا بين الاشجار وجهز كل منا مكان سيقضي يومه فيه بلا حركة او صوت . كان المكان خطر جدا فهو بالقرب من طريق سالك . ولا يمكن الدفاع والمقاومة او الانسحاب منه ابدا . الرهان على ان لا يمر احد من هناك ويكشفنا . اليوم لا حراسات ولا جدول ينظمها , الكل حراس والكل منتبه , ننتظر المساء بفارغ الصبر, فهو المنقذ ,, الليل لنا دائما ’’ الليل حليفنا ,, فهو يغدر احيانا . كنت مع صديقي ماجد في نفس المكان . كل منا حشر نفسه بين اغصان الاشجار وسيقانها . بقينا هكذا بسكون . لم تغمض لي عين كل الوقت . كان ماجد يغفو لدقائق من شدة التعب ثم يستيقظ ...بحدود ساعة الظهر سمعنا اصوات تتحدث العربية على الطريق اسفل وادينا لا تبعد سوى امتار ومعهم بزن ( معزة ) كل دقيقة تصدر صوت معمعة .. يبدو ان فريقين التقيا في هذه النقطة لكن عددهم كان قليل .. الخوف الان من البزن لو انه هرب ودخل علينا والكل يعرف ان البزن غير عاقل ( وكيح ) وتبعه الجندي او الجنود (لو كان خروف ربما افضل فالخراف تقاد بسهولة )... انا فكرت ان لا سبيل الا اسر الجندي او الجنود والاحتفاظ بهم حتى المساء .. ربما فكر الاخرون مثلي ايضا او كان لبعضهم خطة اخرى ... بعدها بوقت ,كان طويل ,غادر الجنود المكان فتنفسنا الصعداء ....يتبع