أقامت جريدة "طريق الشعب" جلستها الحوارية لمناقشــة انقـلاب 8 شباط 1963 الأسود، بمناسبة الذكرى الستين لتلك المجزرة الفاشية، التي راح ضحيتها الآلاف من خيرة أبناء شعبنا، ووئدت فيها ثورة 14 تموز وأغلب إنجازاتها. وقد وقف المشاركون دقيقة صمت تخليداً لذكرى شهداء المجزرة وشهداء الحزب الشيوعي العراقي والحركة الوطنية، قبل ان يرحب الرفيق مفيد الجزائري رئيس تحرير الجريدة بالمشاركين:

شكرا لتلبيتكم الدعوة لحضور هذه الندوة الحوارية. ندواتنا في العادة تهتم بالأحداث او التطورات الراهنة، ونحن نعتقد ان الذكرى الستين لانقلاب 8 شباط هي حدث راهن ومهم، لذلك قررنا ان نكرس الندوة الحوارية هذه المرة لهذه المناسبة. كلكم قريبون من هذه الموضوعة المُكربة والسوداء حقاً في تاريخنا الحديث، ولهذا فنحن على يقين ان الحوار الذي سيدور بهذه المناسبة سيكون حواراً مثمراً، وسيسعدنا في "طريق الشعب" ان ننقله لقرائنا كما جرت العادة .

الرفيق الدكتور صبحي الجميلي عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي والذي ادار الجلسة الحوارية قال  : اليوم تحل الذكرى الستون لانقلاب شباط. لقد كتب الكثير عنه وجرى ايضا توثيق الجرائم التي رافقته، وربما نحتاج لمزيد من التوثيق لما جرى، إذ ربما لم يطلع هذا الجيل بشكل كاف على تلك الاحداث الدامية والقاسية. فتح هذا الانقلاب ابواب جهنم على البلاد، تلك الأبواب التي لم تغلق بعد، فتح باب ثقافة العنف وثقافة سفك الدماء والاستعانة بالاجنبي. أدخل علينا بنطاق واسع دور المليشيات في السياسة (الحرس القومي)، وربما حضراتكم عشتم واطلعتم على تلك الاحداث، وبعضكم كان من ضحاياها. ورغم ما كانت تحضى به الجمهورية والزعيم عبد الكريم قاسم من شعبية واسعة، ورغم دفاع حزبنا عنها، حيث أخرج مسيرة مليونية دعما لها في الأول من أيار،  فقد مُرر هذا الانقلاب. دعونا نسلط الضوء على كيف حصل ما حصل؟

 

ثنائية الانتصار والسقوط

الكاتب والصحفي عبد المنعم الاعسم: سأبدأ بعنوان ثنائية الانتصار والسقوط بالنسبة لانقلاب 8 شباط. اولا تكونت قوى الانقلاب من قوى محدودة معزولة منبوذة، لا تملك حضوراً ناشطاً وقوياً، لا في الجيش العراقي ولا في الدولة، حتى بدى الانقلاب وكأنه عملية انتحارية غير مضمونة النجاح. لكن المقاومة للانقلاب من الشيوعيين كانت محدودة، ولم تكن تتناسب مع حجم الحزب الشيوعي وجماهيره ونفوذه في الشارع. كانت هناك بؤر صغيرة للمقاومة، بطولية وشجاعة وفيها تضحيات، وخسرنا الكثير من الرفاق الشجعان. اما الحديث عن القطار الامريكي فهو حديث ينتمي لبلاغة سياسية، فحتى الان ليس لدينا اي وثيقة. الامريكان كانوا يقفون موقفاً ايجابياً من الانقلاب، على الرغم من حذرهم من أن يكون موالياً لناصر، الذي كانوا يخوضون، في ذلك الوقت صراعاً ضده. موقف عبد الكريم قاسم، للاسف الشديد، كان محيرا، وخاصة عندما  بعث رسالة  الى الانقلابيين ووضع نفسه تحت تصرفهم وهو ما ساعد في التعجيل بإنتصار الانقلاب والمذابح التي ترتبت عليه. من الصعب ان نعتبر الانقلاب ممثلاً لتيار قومي، فالجناح القومي وصل بعد شهور قليلة الى مفترق طرق مع البعثيين، بل انه بدأ يعد لعمليات ضد البعثيين والانقلاب عليهم، البعثيون لم يكونوا في ذلك الوقت من القوى الكبيرة وحدث ما هو أهم، الانشقاق داخل صفوف حزب البعث، هنا اتحدث عن ثنائية الانتصار والسقوط في الحقيقة، هذه هي العوامل الاساسية.

 

مراجعة وقراءة جديدة

الناقد فاضل ثامر: نحن دائما بحاجة الى ان نراجع ونقدم قراءة جديدة وفي الوقت ذاته نقدم نقدا ذاتيا اذا تطلب الامر، سواء عما حدث أوعن ما ينبغي عليه ان يكون. هناك مجموعة من العوامل الموضوعية والعوامل الذاتية التي ساهمت في انجاح هذا الانقلاب. اولا العوامل الخارجية فقد كانت الدول الامبريالية مع اسقاط النظام، بعد ان وجهت ثورة 14 تموز ضربة كبيرة الى المحور الامبريالي واعلنت استقلال العراق وخروجه من التبعية للجنيه الاسترليني وكذلك قضية النفط، حتى صاروا يسمون العراق بالحصان المتمرد. كانت هناك أيضاً قوى الاسلام السياسي التي عملت ضد وجود هذا التحول الديمقراطي وصارت تكيد له العداء وتعلن عن ولائها لخصومه. الكثير من الكتابات والمذكرات التي كتبها عدد من قادة حزب البعث والتي كتبها الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل تؤكد وجود قطار امريكي لان علي صالح السعدي امين سر قيادة حزب البعث في ذلك الوقت قال نحن جئنا بقطار امريكي، وهناك اشارات لحدوث اجتماعات مع السفارتين البريطانية والامريكية قبل هذا التاريخ لتحديد الموعد النهائي للانقلاب. ومن العوامل الاخرى الاساسية هو تفتت جبهة الاتحاد الوطني، وبعض الغموض الذي اتسمت به سياسة الحزب الشيوعي، عندما وجد هذا الدعم الجماهيري بحيث انه لم ينتبه بما فيه الكفاية  الى مسألة القوى الديمقراطية الحليفة ولا الى أن المعركة هي معركة ديمقراطية. يتهم البعض عبد الكريم قاسم بالفردية، لكن في الحقيقة من بدأ في التآمر هو الجناح البعثي القومي في ذلك الوقت. كما لا ننسى الدور التآمري  مع الأسف آنذاك  لاشقائنا في سوريا والكويت ومصر بشكل خاص، الذين كانوا يقدمون الاسلحة باستمرار للبعثيين، الذين شنوا حملات إغتيالات تذكرنا بما فعله فاشيو فرانكو أو داعش. وأنطلقت من الكويت اذاعة سرية تذكر اسماء قادة الحزب الشيوعي واماكنهم لتصفيتهم.

اصدر الحزب في وقتها مجموعة تعليمات صريحة وواضحة لحالة طوارئ ولجان لرد الفعل. كنت حينها مدرساً في محافظة واسط، وطبقنا الخطة، وكان هناك سجن الكوت فيه سجناء سياسيون، ساهمنا في كسره وهربنا السجناء السياسيين، وفي وقتها اقترحت ان نقتحم مراكز الشرطة، وان نذهب الى الحامية بمظاهرة، ونحن نهتف عاش تضامن الشعب مع الجيش. جئت الى بغداد للحوار مع قيادة الحزب، لكن عندما وصلت وجدت ان كل شيء قد انتهى، وعندما عدت الى واسط وجدت ان الجميع تم اعتقاله، وكنت اخر واحد تم اعتقاله.

 

اسباب داخلية وخارجية

الدكتور عامر حسن فياض، استاذ العلوم السياسية: هناك طريقة ونهج صحيح لتفسير الأحداث، كي لا ننزلق بالتفسير الى الانحياز او الى اللاموضوعية. ودعونا نسمي هذه الطريقة "الزمكانية"، بمعنى اننا اذا اردنا تفسير حدث معين يجب ان نضعه في زمانه ومكانه، وانا اعتقد ان نجاح الانقلابيين له اسباب كثيرة ابعادها عراقية وما بعد العراقية ودولية ايضا.

الاسباب الداخلية العراقية نركنها الى الحركة الوطنية نفسها وكانت تعمل ما بين بدعتين الاولى هي بدعة تفضيل الاستقلال على الديمقراطية والثانية هي بدعة تفضيل الديمقراطية على الاستقلال، في حين الصحيح في الحركات الوطنية ان تنشغل بالاستقلال والديمقراطية معا. على المستوى الاقليمي كانت الغلبة للمد للقومي، لانه كان مداً جارفاً، وقد جاءت ثورة تموز لتشعر المعسكر الغربي بأنه خسر ساحة من ساحاته، وكان من المفترض أن تدرك حكومة تموز ذلك وأن تتعامل بشكل ايجابي مع المعسكر الشرقي. وبتصوري كان التعامل قلق ما بين حكومة تموز والمعسكر الشرقي، ولم يصل الى مستوى الشراكة او مستوى الحليف.

نحن لا نتحدث عن ضعيف وقوي، ما بين حكومة تموز وحكومة الانقلابيين. انا اعتقد بأن الحزب الشيوعي والشيوعيين هم اساس ومن حيث المبدأ لا يؤمنون بالانقلاب، لكن يعرفون جيدا ان البعثيين خطهم للتغيير هو خط انقلابي.  فكان مهماً أن يكون هناك استعداد ولا اعتقد ان الاستعداد كان كافيا، وجزء من كلامي اعتقد فيه اجابة بخصوص القطار الامريكي، المعسكر الغربي شعر منذ 1958 بأنه خسر ساحة العراق فلابد بأن يكون هناك توقع بأن المعسكر الغربي سوف يعادي كل من ساهم في خسارته للعراق.

المسألة الاخرى هي ساعة الصفر، بعض الكتب أكدت بأن ساعة الصفر كانت معلومة لدى الحزب الشيوعي ووصل أمرها الى الشهيد سلام عادل في الساعة 12 مساء يوم 7 شباط فما هي الاجراءات التي اتخذها؟ تجيب الحوارية مع عزيز محمد بان الحزب علم بساعة الصفر بوقت متأخر، وكان الإتصال صعباً، لان الخطوط الهاتفية مقطوعة .

 

مأساة يجب ألا تتكرر

الكاتب  رضا الظاهر: في الحقيقة لدي ملاحظات وجيزة، الملاحظة الاولى هي ان هذه الجلسة وربما فعاليات اخرى هي مناسبة للتقييم واعادة النظر بصورة منهجية وانتقادية، الملاحظة الثانية علينا ان نأخذ في نظر الاعتبار ان هذه المأساة يجب ان لا تتكرر لان جريمة 1963 تكررت في الحقيقة بعد ربع قرن، مع الحزب الشيوعي ومع حزب الدعوة ايضا، فيجب ان يتم منع تكرار هذه التجربة الدموية.

انا اتفق مع التحليلات التي طرحت من قبل الاعزاء، وانا اعتقد ان نزعة عبد الكريم قاسم الفردية  كانت تمهيداً للانقلاب، وتمثل في الهجوم بعد العام الاول لثورة 14 تموز على الحزب الشيوعي والقوى الديمقراطية، اغتيالات بالمئات للشيوعيين والديمقراطيين واصدقائهم، إستباحة البلاد من قبل القوميين والبعثيين والاقطاعيين. كان هدف الانقلابيين ومن كان يدعمهم من الخارج، تغيير وجهة التطور الاجتماعي في البلاد، وتحقق هذا الهدف وسط صراعات موجودة في المجتمع وصراعات حتى داخل الحزب الشيوعي نفسه. اما بخصوص ما قاله السيد عبد المنعم من عدم وجود أي وثيقة بما يخص القطار الامريكي واعتبره بلاغة سياسية، أود أن أشير الى وجود وثائق غير قليلة ومنها وثائق الخارجية البريطانية التي تشير الى الكثير من الحقائق وواحدة منها تخص القطار الامريكي.

 

عوامل اجهاض الثورة

الدكتور إبراهيم إسماعيل (استاذ جامعي): هناك مجموعة كبيرة من العوامل لعبت دوراً في اجهاض ثورة 14 تموز وفي نجاح الانقلابيين. اعتقد ان اي نظام سياسي يتمتع بقاعدة شعبية لا يمكن ان يسقط بهذه الطريقة، بالتالي 8 شباط كانت نتيجة طبيعية لكل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي حدثت. نظام ثورة 14 تموز لم يستطع ان يقوض نفوذ القاعدة الاجتماعية للنظام الملكي بسبب افشال الأصلاح الزراعي بشكل متعمد من قبل الجهاز الاداري، كما لم تستطع الحكومة ان تقيم رأسمالية زراعية تحل محل كبار الملاكين. فشلت حكومة قاسم في تقويض نفوذ رجال الاعمال او الحد من نشاطهم، ولم تستطع البرجوازية الوطنية ان تأخذ دورها، بسبب ضعفها وتضارب مصالح اقسام متعددة منها وتبعيتها للدولة، والفئات الوسطى انقسمت الى ثلاث شرائح رئيسية، الشريحة المدنية التي حاولت ان تبني اقتصاد السوق، ففشلت لان طبيعة الاقتصاد الرأسمالي لم تكن متاحة، وشريحة ثانية من العسكريين والمدنيين ذوي الفكر الهلامي ممن تجمعوا حول عبد الكريم قاسم وهذه المجموعة حققت نفوذ ولكنها اعتمدت على الدولة، والمجموعة الثالثة من الفئات الوسطى التي ارادت ان تلتهم الدولة، وحين وجدت نفسها معزولة بسبب الشعبية التي اخذتها الشريحة الاولى، لجأت للقبيلة والقومية والطائفة، الى فكر ماضوي والى الامتدادات الاقليمية والخارجية. بعبارة اخرى لم تستطع لا البرجوازية الوطنية ولا الفئات الوسطى ان تكون قاعدة اجتماعية حقيقية لنظام حكم قاسم. من جهة اخرى كانت هناك غربة بين نظام قاسم وهذه القاعدة الواسعة التي كانت في اغلبها من العمال والفلاحين والبرجوازية الصغيرة،  بسبب فرديته  والتناقض بين انجازاته التقدمية وبين فرديته. ولعب عدم تبلور الهوية الوطنية الجامعة دوراً، فبعد أن بدأت تتبلور في اواسط الخمسينيات، وتعززت تماما في السنة الاولى بعد ثورة 14 تموز، عادت وانتكست مرة اخرى، بظهور نزعات طائفية  ونزعات شوفينية لدى قمة السلطة كما حصل عام 1961 في كردستان.

 

لايوجد اعتراف

د. صبحي الجميلي: اشار السيد  رضا الظاهر الى الاف القتلى والمعتقلين والسجون وانتهاك الاعراض. وزارة الثقافة في زمن عبد السلام عارف وثقت بعض من هذه الانتهاكات بـ "الكتاب الاسود". لم ترد اية إعترافات أو اعتذار عن الارهاب الذي وقع على الشعب والحزب الشيوعي العراقي في كل ما قرأته من مذكرات للمساهمين والقائمين في الانقلاب،. في معظم كتاباتهم يقولون بأن الحزب قاوم ولذلك وقع عليه ما وقع ولكن في الحقيقة هذا تبرير  لا يمكن ان ينطلي على احد. انا اقول ان هذه الجريمة لم يتم الاعتراف بها ولم يتم تحمل مسؤوليتها لذلك اتمنى ان نسلط الضوء على هذه النقطة.

 

إبادة مجموعات سكانية

عبد المنعم الاعسم: لدي ملاحظة بسيطة قبل ذلك تخص العوامل الخاصة بفوز الانقلابيين، وهي تفاهم بين الانقلابيين والقيادة الكردية، في نفس ساعة الانقلاب كان هناك عقد وتفاهم بينهما، مما شكل عاملاً مساعداً ضمن نجاح الأنقلاب 8 شباط جريمة إبادة جماعية، حيث ابيدت مجموعات سكانية عديدة على الهوية وليس على اي جريمة، مئات العائلات المندائية والمسيحية تعرضوا لهذه الابادة، وكان كل من له عقيدة غير بعثية مشروع مجرم بالنسبة لهم، فأعتقد اننا نحتاج لوثيقة تجريم لتلك الفترة، توصف الجرائم بعمق على ضوء القانون الدولي. أقترح أن تكون الوثيقة موقعة من قبل قضاة ومحامين وأن تصل الى المحافل الدولية.

 

تدقيق المذكرات

د. إبراهيم إسماعيل: فيما يخص ما كتب في مذكراتهم، اعتقد ان الحزب يحتاج الى تدقيق هذه المذكرات وأن يستخرج منها عشرات الاعترافات غير المباشرة تصلح لنشر كتاب توثيق علمي تاريخي لهذه الفترة.

رضا الظاهر: على حد معلوماتي وقراءاتي، التي اعتبرها محدودة للمذكرات التي كتبها قادة الانقلاب، لم الحظ على الاطلاق من يعترف بارتكاب جريمة، وانما لاحظت على العكس، وعلى سبيل المثال حازم جواد وربما غيره، كان يدافع عن الجرائم بطريقة مباشرة او غير مباشرة، لذلك لا يوجد احد من قادة الانقلاب اعترف او مستعد للاعتراف بتلك الجرائم.

 

وثيقة تجريم

د. عامر حسن فياض: اشيد بفكرة اطلاق وثيقة تجريم. هناك معلومات متاحة عن عنف وتطرف وقتل واغتيالات 8 شباط ، ولا توجد صعوبة في جمعها. المفارقة إنهم ذكروا ذلك في بياناتهم، مثلاً البيان الذي يؤكد على أن عبد الكريم قاسم وطه الشيخ احمد وفاضل المهداوي وكنعان خليل قد تم اقتيادهم من وزارة الدفاع في الساعة 12 وتم اعدامهم الساعة الواحدة والنصف ظهرا في مقر الإذاعة في الصالحية بعد محاكمة إستغرقت نصف ساعة فقط!

الرفيق فاروق فياض، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي : هناك نص رائع جدا في مؤلفات الرفيق فهد يقول فيه "وأمر اخر خطير أود تنبيه حزبنا اليه هو التنافس الاستعماري بين الانكليز والامريكان وان التنافس الاستعماري الامريكي الذي ظهر منذ اكثر من سنة بشكل اقتصادي للاستحواذ على مصادر نفطية في بلاد العرب ثم الدفاع عن القضية الصهيونية يظهر الان بشكل جديد فالامريكان يريدون الان ان يوجدوا لهم قاعدة اجتماعية في العراق، يريدون ان يستغلوا وضع الاكراد ويجعلوا منهم قاعدة اجتماعية لهم، لقد جاء الى العراق مؤخرا المستر “هارولوت” الصحفي الاميركي واخذ يتصل بالشخصيات الكردية وبدأت المساومات بينهم وبينه وبدأت تعطى الوعود الاستعمارية للاكراد بتوحيد المناطق الكردية او ما شابه. اننا ننبه اخوتنا الاكراد الى ان قضيتهم الوطنية مرتبطة بقضية العراق التحررية وان حرية الاكراد في العراق لا تأتي عن طريق الوعود الاستعمارية من هذا المستر او ذاك بل بالنضال المشترك مع العرب من أجل استكمال استقلال العراق".

الرفيق د. صبحي الجميلي: الانحطاط الذي حصل شمل مجالات عدة وترك اثراً على مجمل الحياة بما في ذلك الثقافة، هناك اعلام ثقافية معروفة في ذلك الوقت تعرضت للاعتقال ومنهم من استشهد ايضا لذلك دعونا نسلط الضوء على هذا الجانب المهم في الحياة العراقية وكيف اثر هذا الانقلاب على الحياة الثقافية وهل مازلنا نعيش ارتداداته لغاية الان؟

 

الثقافة العراقية كانت مستهدفة

الأستاذ رضا الظاهر: يجب ان يعود بنا الحديث الى ظهور الافكار التنويرية في العشرينات والاربعينات وفي الخمسينات وما حصل من انجازات على صعيد الادب والفن في العراق، بعد 14 تموز. اريد ان اقول ان فترة 14 تموز كانت فترة توفرت فيهاى عوامل ساعدت على ازدهار ما اصطلحنا على تسميته بالطبقة الوسطى وانا اعتقد ان هذا المفهوم بحاجة الى تجديد، لانه في الواقع الفعلي  لا يوجد شيء اسمه طبقة وسطى وانما هناك فئات وسطى وهذه الفئات الوسطى هي فئات متناقضة ايضا

الاستاذ فاضل ثامر: الثقافة العراقية هي التي كانت مستهدفة، هي ثقافة بالتأكيد ديمقراطية وتطورت وكانت موجودة منذ مطلع القرن العشرين، ونضجت بشكل واضح في الخمسينات، وتطورت بعد ثورة 14 تموز في القصة والشعر والتشكيل، وجاء نظام 8 شباط ليسحق الثقافة من ضمن سحقه لكل مظاهر التنوير ولكل مظاهر الحرية والديمقراطية. لكن بقيت هذه الثقافة تقاوم، رغم تعرض عدد كبير من المثقفين للاعتقال والقتل حيث امتلأت السجون بهم كسجن "نقرة السلمان"، و"الحلة" و"الكوت". عمليا وجهت ضربة كبيرة للثقافة وألغيت كل التقاليد العلمية والديمقراطية واصبحت سيطرة الحزب الواحد وبدأت محاولات التبعيث.

الرفيق محمود سعدون، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي : من اسقط ثورة 14 تموز هو تحالف القوى الرجعية والامبريالية العالمية، وهذه القوى لا يمكن ان تؤسس الى وعي مدني او ديمقراطي في المجتمع، وبالتالي هي تسعى الى ان تؤبد سيطرتها عن طريق تعزيز النعرات الطائفية او القومية، وهذا ما ترك تداعيات وخيمة على المشهد الثقافي نعيشها لغاية الان.

 

العبر والدروس

د. صبحي الجميلي: المحور الاخير يتعلق بالعبر والدروس واتمنى ان نأخذه بلحاظ الحاضر والمستقبل، فليس هناك تقدم بدون ديمقراطية، ويصعب ان تستقر الديمقراطية  بدون التداول السلمي للسلطة. اول من ادخل العنف الى السياسة هو الجيش، وهذا السلاح مازال فاعلاً في حياتنا السياسية، كيف نستطيع كقوى مدنية وشخصيات وطنية، ان نجنب بلدنا ما حصل؟

د. عامر حسن فياض: عندما نتذكر 8 شباط علينا ان نعرف بأن اي اداة للتغيير تتمثل بالانقلابات غير صحيحة لان 8 شباط سلطة انقلاب كدرس للحاضر والمستقبل، ايضا عندما نتوقف عند 8 شباط علينا ان نؤكد بأن هناك خطورة في عسكرة المجتمع من خلال وجود تنظيمات مدنية مسلحة او مليشيات. وهذا سيذكرنا اما بالبدء او بالتعميق، وعلينا ان نكون  موضوعيين جدا  ونتوقف عند المسالة بعمق، فموضوع وجود تنظيمات مدنية مسلحة ايضا ليست لصالح تجاوز حاضر ناقص ولا لبناء مستقبل.

د. إبراهيم إسماعيل:  من أبرز دروس الحدث خطورة أن نخطأ في تحديد التناقض الرئيسي، وأن نقدم عليه تناقضات ثانوية.

فاضل ثامر: مستقبلا يجب ان نكون دقيقين جدا في قضية اقامة التحالفات مع القوى السياسية الاخرى، يجب ان نفكر ما هي القوى التي يجب ان نتحالف معها وهل لديها بعد ستراتيجي مستقبلي لنستطيع  ان تستمر معنا. اعتقد ان اجتثاث البعث يجب ان يبقى من اجل تجريم البعث وادانته تأريخيا وقضائيا.

عبد المنعم الاعسم : الدرس الاول الذي يجب ان نعرفه دائما ان الاستبداد والقمع والفاشية واي وسائل لتركيع الشعب العراقي حصرا تنجح لفترة في كل تاريخها ويبدو ان الشعب ينام ويستسلم ويركع ولكن في كل التاريخ هناك اشارات مضيئة بأن  الشعب ينهض ويقاوم ويغير وكما لو انه ولد من جديد والامثلة كثيرة.