ضمن فعاليات مهرجان «طريق الشعب» الثامن، اقيمت ندوة حول دور الحزب الشيوعي العراقي في حياة بلادنا الثقافية، ساهمت فيها نخبة من المثقفين.

 

د. جمال العتابي: الذي ادار الندوة، ابتدأ الحديث بالإشارة الى انتمائه منذ سبعينات القرن الماضي، الى “طريق الشعب”، المؤسسة المحتفى بها في هذا المهرجان، مؤكداً أنه مدين للجريدة ولشقيقتيها “الثقافة الجديدة” و”الفكر الجديد”، التي تعلم منها جميعا وتدرب فيها، والتي أنارت له الخطوات الأولى في المجالين الثقافي والابداعي.

وأوضح العتابي أن محور الجلسة هو دور الحزب الشيوعي في الحياة الثقافية والفكرية في العراق، هذا الدور والتأثير الذي بدأ منذ ثلاثينات القرن الماضي، حينما بدأت الأفكار اليسارية والتقدمية تنتشر في الوسط الثقافي، وتصبح الحلقة الأهم لتمثيل الحضور الاجتماعي والانتماء لهذه الحركة النضالية الوليدة.

واشار العتابي الى ان الإبداع في العراق هو صنو الحركة التقدمية، لإرتباطه بها وبالحزب الشيوعي العراقي، حيث لا يمكن الحديث عن الثقافة العراقية من دون الحديث عن دور الحزب الشيوعي فيها، ولا يمكن أن نذكر أسماء مثقفين ومبدعين مثلوا النواة الأولى لانتشار هذه الثقافة دون ان نشير الى علاقتهم بالحزب الشيوعي وتأثيره في عطائهم الابداعي والثقافي. وهذا يشمل الشعر والقصة والرواية والنقد والتشكيل وغيرها من ميادين الإبداع.

ويعود للرفيق فهد مؤسس الحزب، حسب رأي د. العتابي، الفضل في غرس جذور هذه العلاقة، ابتداءً بإهتمامه بالصحافة وتطوير النشريات والإصدارات الخاصة بالحركة التقدمية منذ ثلاثينيات القرن الماضي، من خلال مجلة “المجلة” التي كان يكتب فيها عدد كبير من الكتاب التقدميين واليسارين. وقال العتابي أن افضل من يتحدث عن هذا الدور هو من عاصر هذه المسيرة وواكبها ناشطاً ومنتمياً ومواجهاً للتحديات ومنها الملاحقات والإعتقالات، وهوالأستاذ الناقد فاضل ثامر.

 

 

 

الشيوعي يتوسل بالثقافة أداة للتغيير

 

فاضل ثامر: العلاقة بين الثقافة والحزب الشيوعي هي علاقة عضوية، ولا يمكن الحديث عن الثقافة العراقية ونموها بمعزل عن تأثير الحزب الشيوعي العراقي. ثمة طرفة تقول بان ضابط المنطقة طلب من أحد رجال الامن ان يراقب احد الأشخاص “المشبوهين”، دون أن يعّرفه باتجاهه السياسي، فعاد الشرطي بعد فترة للضابط وقال له اعتقد انه شيوعي. فساله الضابط: وكيف عرفت ذلك، أجاب الشرطي: أنه يحمل معه الكتب دائما ويتكلم بلغة جميلة وقوية ومؤثرة، فهو بالتأكيد شيوعي.

كان هذا هو الانطباع السائد، المناضل الشيوعي يمتلك لغة وثقافة وخبرة ووعيا ويمتلك قدرة على الحوار وعلى التأثير في الاخرين. وكان هذا من اسرار نجاح العمل الحزبي الذي يقوم به الشيوعي في المجتمع العراقي، وفرصة لفهم مشاعر الناس وهمومهم والتعبير عنها بطريقة جيدة. لقد ساد هذا منذ بداية انتشار الفكر الماركسي، حتى قبل تأسيس الحزب اي منذ محمود احمد السيد وحسين الرحال في بداية القرن العشرين.

المناضل الماركسي الشيوعي يتوسل بالثقافة أداة للتغيير، لا يفكر بالبيان رقم واحد الانقلابي لكي يحقق هذا التغيير، كما يفعل البعض، ولا يعتمد على طائفة او هوية فرعية معينة، وانما يعتمد على وعي الجماهير، لأنه متى ما استطاع ان يخلق حالة اختمار داخل الوعي الاجتماعي، استطاع تحقيق التغيير المنشود في المجتمع. كان الحزب دائما يضع في برامجه قضية الثقافة وقضية الوعي، انا أتذكر ان الاجتماعات الحزبية الصغيرة والكبيرة بدءا من الخلية الى اللجنة المركزية، تبدأ بدراسة الوضع السياسي العالمي والعربي والمحلي قبل أن تدخل بالتفاصيل الخاصة بالعمل التنظيمي والعمل الجماهيري. هذه الدراسة تعطي للمناضل وللانسان افقاً أوسع. كانت تنظيمات الحزب توزع عدداً من الكتب خلال عملها. 

أتذكر اننا في الخمسينات كنا نقرأ مع مناشير الحزب وبياناته رواية “الام” على سبيل المثال لمكسيم غوركي، وهذا بالنسبة لنا اصبح احد مصادر التثقيف وكذلك أعمال بعض الكتاب من أمريكا اللاتينية، وكانت اعمال مؤثرة وذات طابع فكري وتوجهات فنية وجمالية عالية. كما أن مستوى الكتابة والصياغة اللغوية في صحف الحزب بما فيها السرية، كانت انيقة ولا تشوبها أخطاء لغوية او نحوية. وكانت مجلة “الثقافة الجديدة”، تعنى أيضا بالمشهد الثقافي وأقول وربما تكون فيها مبالغة باننا نحن المثقفين خرجنا جميعا من معطف الحزب الشيوعي العراقي، بمعنى انك قلما تجد مثقفا كبيرا او شاعرا او قاصا او روائيا كبير لم يتعلم او يتدرب في مدرسة الحزب بطريقة مباشرة او غير مباشرة. ليس بالضرورة عن طريق الإنتماء التنظيمي وانما عن طريق الايمان او الاقتناع او ما شابه.  كان الحزب ودوره في المجتمع، يحظى دوماً باحترام المثقفين ورجال السياسة.

بما أن الاشكال الثقافية والفنية مؤثرة جداً في الناس، اعتقد اننا بحاجة لتنظيم مهرجانات جماهيرية مصغرة، فيها الموسيقى والغناء والشعر وغيرها، كل هذه الأمور تستطيع ان تكسب قلوب الناس عن طريق الصدق أولا وبما يبث المزيد من الوعي.

 

د. جمال العتابي: علاقة المثقف بالسياسة علاقة عضوية، هو يرى ان حضوره الاجتماعي والسياسي يمكن ان يتجسد عبر انتمائه لهذا الحزب او ذاك، هل كان دور الحزب آنذاك فاعلا ومؤثرا في الشارع، ام ان هذا الدور اقتصر على تشكيل نخب ثقافية؟

 

فاضل ثامر: ناضل الحزب من اجل التأثير في المجتمع وخاصة في الشرائح العمالية والفلاحية ومن ضمنها أيضا المثقفون. ولم يكن يتخلى عن هذه المهمة الجوهرية. كان للحزب دوماً منظور تنويري في الثقافة ولهذا كان يشجع دائما المفاهيم والأفكار والتجارب الحديثة في الثقافة والادب والفن. على سبيل المثال لدينا تجربة محمود احمد السيد وحسين الرحال والمنظورات الفكرية التي بدأت تتضح منذ العشرينات وكذلك في الثلاثينات والاربعينات، كل هذه الأسماء كانت مرتبطة بتاريخ وبتجربة الحزب الشيوعي العراقي، فضلا عن الحركات التنويرية والتقدمية الأخرى. وفي الخمسينات كان للحزب حضور اكبر من خلال التأثير في حركة الشعر الحديث. ومعروف ان الحزب تبنى السياب والبياتي وبقية شعراء الحداثة، بحيث اتسمت الحداثة الخمسينية بهذا الطابع الديمقراطي اليساري. كذلك تم دعم الاتجاهات القصصية من خلال تجربة القاص الكبير عبد الملك نوري ونزعته الحداثية الكبيرة، وفؤاد التكرلي الذي احتفت مجلة الثقافة الجديدة به وطبعت مجموعته الأولى وكذلك بالنسبة لبقية القصاصين مثل مهدي عيسى الصقار وغائب طعمة فرمان وعبد الرزاق الشيخ علي الذي غيبه النظام الملكي في ذلك الوقت. كما دعم الحزب الحركة المسرحية وفرقها، مثل فرقة المسرح الحديث والمسرح الشعبي ومسرح اليوم وكذلك في المحافظات. وعلى مستوى الحركة التشكيلية كان هناك أيضا دعم من الحزب.

وأولى الحزب الإهتمام بالمنظمات المهنية والنقابية التي تمثل الادباء والفنانين، منها تأسيس اتحاد الادباء عام 1959 برئاسة شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري كذلك نقابة الفنانين ونقابة الصحفيين، كل هذه النقابات كانت تُدعم من الحزب آنذاك. لم يكن يديرها بالطبع، لكنه كان داعما ومؤثرا.

انا كنت رئيساً للاتحاد العام للادباء لمدة 10 سنوات، لم اشعر في يوم بتدخل الحزب بعملي، كان رفاقنا في الحزب يعبرون عن اعجابهم وتضامنهم معنا في هذا الموقف او ذاك، وعندما نحتاجهم يقفون الى جانبنا، وكذلك بجانب بقية النقابات والمنظمات. ليس للحزب أية مساع للتسييس او لفرض منظوره، وانما يترك الحرية للادباء انفسهم كي يقرروا ما يريدون. لهذا نرى ان الحياة الثقافية تسير بطريق ليس بعيدا عن قيم الحزب ومناضليه ومثقفيه، الذين دائما كانوا قريبين من الاخرين.

 

د. جمال العتابي: لا شك ان احد الجوانب المهمة للحركة الثقافية في الخمسينات والستينات والسبعينات، كانت الحركة المسرحية في العراق. ويتذكر أبناء ذاك الجيل النشاط المسرحي المهم والفرق المسرحية الكبيرة، كذلك الأسماء المهمة مثل زينب (فخرية عبد الكريم) وناهدة الرماح وغيرهما، ودور الحزب في دعمها وتطورها.

 

الأفكار التقدمية نقيض التخلف

 

سلام حربة: شكرا لطريق الشعب على إقامة هذا المهرجان.

الشيوعيون مثقفون، ليس في العراق وانما في كل العالم. الشيوعي يمتلك الثقافة، ولهذا ارتبطت بهم الحياة السياسية والحياة الثقافية في العراق منذ البدايات الأولى. بالنسبة لي، لكي أكتب مسلسلا عن جعفر أبو التمن، قرأت تاريخ العراق منذ عام 1908 ولغاية عام 1945، فوجدت التعليم شبه محرم في فتاوى دينية لأنه “مفسدة للدين والأخلاق”! ووجدت جعفر أبو التمن وعلي البزركان يلتقيان بمحمد سعيد الحبوبي، للحصول منه على فتوى تبيح التعليم، شرط ان لا يكون مفسدة للدين وللاخلاق،. وكان لهذا الفضل في افتتاح أول مدرسة في عام 1908 في صبابيغ الآل ببغداد وفي بيت داوود أبو التمن وهو جد جعفر أبو التمن، وسميت المدرسة الجعفرية للاتحاد والترقي.

اليوم يعاني المجتمع العراقي من تراجع الوعي، من التراجع الثقافي، رغم وجود الممكنات والاكتشافات العلمية، ويمكنني أن أعزي ذلك الى انحسار الفكر الماركسي، فبانحساره تذهب المجتمعات في اتجاهات شتى وتحل الفوضى.

من أسس اتحاد الادباء؟ ومن أسس للصحافة والحياة الفكرية؟ ومن أهتم بالصحافة واصدر صحفاً مهمة مثل كفاح الشعب والأهالي والبلاد، التي كانت تطبع بعشرات الألوف؟ وكان يلقى تجاوباً فكرياً، وذلك ما يغيب عن الساحة اليوم، حيث لا يتواصل حتى المثقفون مع الثقافة ومع الفكر الجديد. وكله بسبب طغيان رأس المال والقيم الليبرالية التي تمجد الغريزة، حيث تؤدي الصدمات النفسية والروحية والفكرية التي تتعرض لها المجتمعات، الى انحسار الأفكار النيرة والتقدمية والتي ترتبط أولا بالفكر الماركسي.

الحياة الثقافية بكل مفاصلها، التشكيل والمسرح والشعر وغيرها، كانت على صلة وثيقة مع الحزب الشيوعي. فلنقرأ مثلاً وثائق ليوسف العاني وخليل شوقي، لنكتشف ما تعرض له المسرحيون من ضغوط وسجن جراء ارتباطهم بالحزب الشيوعي.

ستبقى الحركة الثقافية والأفكار التقدمية التي تنظمها النقيض للتخلف، والأمل في منع الإنحدار نحو جحيم التخلف.

 

د. جمال العتابي: يبدو لي ان السلطة ما بعد 2003 كانت تعي وتدرك الدور المهم للحزب الشيوعي العراقي، ولهذا أوكلت اول وزارة للثقافة لقائد شيوعي منتمٍ للثقافة. وقد توفرت لي فرصة العمل معه في فريق الوزارة، وتعرفت على حجم المعاناة الكبيرة التي واجهت الوزير المثقف، وفي تلك الظروف الصعبة جدا وفي وقت قصير وبامكانات محدودة، كانت المهمة تحدياً كبيراً، يحدثنا عنه الأستاذ مفيد الجزائري.

 

سعينا لجعل وزارة الثقافة وزارة للثقافة

 

مفيد الجزائري: سأتحدث عن السياسة الثقافية للحزب الشيوعي العراقي بالتطبيق في موقع رسمي. فطيلة العقود الماضية، كان تأثير السلطة في الحياة الثقافية العراقية محدوداً، وينحصر اساسا في القمع وارهاب المثقفين، فيما كان التأثير الحقيقي من حصة القوى التقدمية والوطنية، من حصة الحزب الشيوعي والكثير من التقدميين والمستقلين.

عندما كلفت انا كممثل للحزب الشيوعي بوزارة الثقافة، لم يكن هناك احد غيرنا يريد هذه الوزارة، كان الكل يستهين بها، وهذا تقليد بقي سائداً حتى اليوم. لذلك لم يأت التكليف إدراكا منهم لدور الحزب في الميدان الثقافي، وانما للتخلص من هذه الوزارة. لكن حزبنا كان يدرك تماما أهمية هذه الوزارة .

واجهتنا منذ البداية مهمتان متلازمتان، الأولى مهمة تحويل الوزارة من مؤسسة بوليسية معادية للثقافة الى وزارة للثقافة حقا. فقمنا بالتخلص من الموروثات العفنة في مفاصل الوزارة واختيار وجوه مناسبة وقادرة وتستحق ان تكون في هذه المواقع. وما كان للوزارة أن تتقدم لولا وجود شخصيات مثل كامل شياع ولطفية الدليمي وميسون الدملوجي ورفاق وأصدقاء عديدين من الوسط الثقافي، من بينهم  ابو فرات (جمال العتابي) الذي اخذ على عاتقه إدارة دار الشؤون الثقافية. فكانت المهمة الأساسية في الأشهر الأولى هي تنظيف الوزارة من العناصر المتصدرة فيها أيام النظام الدكتاتوري، واحلال عناصر بديلة مناسبة. وقد تطلب ذلك منا جهداً كبيرأ، فلم يكن سهلاً وقتها ان نجد اشخاصاً بالمواصفات التي نريد ونتمنى.

أما المهمة الثانية التي أخذت الجهد الاكبر منذ أيلول 2003 الى نيسان 2005، فكانت مهمة تحويل الوزارة الى وزارة ثقافة حقا. كانت مهمة كبيرة جدا، ان نتوجه الى المثقفين والوسط الثقافي عامة وندعوهم الى الاسهام في تسيير شؤون الوزارة. وجهنا منذ البداية نداءً الى المثقفين العراقيين في الداخل والخارج، وطلبنا رأيهم في سياسة الوزارة وتوجهاتها وأولوياتها. ووصلتنا خلال فترة قصيرة نسبيا إجابات ومساهمات كثيرة جدا من مثقفين متنوعي التوجهات والاهتمامات. وبسبب تنوعها وغناها شكلنا لجنة لدراستها، ومن تلك الأفكار والمساهمات أعدت وثيقة اطلقنا عليها اسم “نهجنا الثقافي”. وقد ركزت الوثيقة على ان تعتمد الوزارة في كل صغيرة وكبيرة في عملها على المثقفين ، كل حسب تخصصه.

وفي ضوء الوثيقة، جمعنا اكثر ما نستطيع من المثقفين وطرحنا جميع القضايا امامهم، كي يبحثوها ويتخذوا التوصيات والقرارات التي تكون بمثابة أساس لعمل الوزارة. وفي ختام وجودي في الوزارة في نيسان 2005 عقدنا مؤتمر المثقفين العراقيين، الذي لم يتكرر بعد ذلك وبقي وحيدا. تشكلت فيه 16 ورشة عمل، وطبعت الجمعية العراقية لدعم الثقافة في كتاب لاحقا  (وليس الوزارة نفسها) التوصيات التي اقرت في تلك الورش.

منظمة اليونسكو تابعت عملنا، وعندما اطلعت على وثيقة نهجنا الثقافي، اتصلت بنا ودعتنا الى باريس وساعدتنا في عقد لقاءات واجتماعات وحتى في التهيئة لعقد مؤتمر ثقافي عراقي مصغر، أوائل شهر أيار من عام 2004، على ان نهيئ لعقد مؤتمر كبير لاحقا. وبالفعل واصلنا العمل لعقد المؤتمر وبدعم من اليونسكو، وكان دعمهم المالي والمعنوي واللوجستي والثقافي مهم جداً، لتنشيط المؤسسات الثقافية والمنظمات التي هي بحاجة الى دعم. واتذكر اننا استلمنا دعماً بستين الف دولار قمنا بتوزيعه على اتحاد الادباء وجمعية الفنانين التشكيليين وجمعية الفوتوغرافيين العراقيين والمنظمات الثقافية الأخرى وبعثنا في وقتها بقائمة بكل هذا الى اليونسكو.  في الوزارة كان هناك كل يوم نشاط ثقافي ، الندوات الشعرية والأدبية والفنية المتنوعة كانت تقام يوميا تقريبا مع حضور دائم للمثقفين، وكان يجرى كل ذلك رغم شحة  الامكانيات للوزارة الفقيرة جداً. كنا حريصين على تقليل الانفاق على النشاطات كي نستثمر ما  لدينا لتغطية اكثر ما يمكن من الفعاليات. مؤتمر المثقفين الذي حضره ما يزيد على 500 مثقف واستمر اربعة أيام، لم يكلفنا سوى 83 مليون دينار. وللا سف من جاء بعدي في الوزارة اهمل كل ما حققناه خلال 20 شهرا ، بل وسعى لاتلاف ما قمنا به.

أود الإشارة الى دور الشهيد كامل شياع، الذي كان ضمن الحلقة الضيقة جدا التي تدير الوزارة، في أمور كثيرة كان هو الوزير الحقيقي، كنا نتناقش كثيرا، كامل ولطفية الدليمي وميسلون الدملوجي وكيلة الوزارة وانا والعديد من الأسماء الأخرى، في القضايا الرئيسية التي تهم الوزارة. وكان كامل في القلب من ذلك النشاط وفي تقديم الأفكار وصياغة الوثائق، كان رجلا لا نؤشر دوره فقط وانما نعتز به ونفتخر، ولم نخسر باستشهاده وحدنا كحزب، وانما خسرته الثقافة العراقية كلها.

 

تأثرت الحركة التشكيلية بالافكار التحررية والحداثة والتجديد

 

د. جمال العتابي: هناك كلام كثير بما يخص دور كامل شياع لا يقتصر على وزارة الثقافة، وانما في الوسط الثقافي عموما. اذ استطاع ان يبني علاقات جيدة مع مختلف المثقفين بمختلف انتماءاتهم وانماط تفكيرهم. كان شخصية مقبولة ومحترمة ومحبوبة من الجميع، وهذه المواصفات لا تتوفر لشخص اعتيادي ابدا.

سأتحدث في المحور الأخير عن دور الحزب الشيوعي في الحركة التشكيلية العراقية، إذ استطيع ان اجزم ان هذا الدور وفي هذا الميدان تحديدا كان لصالح ليس الحزب الشيوعي وحده، بل وكل اليسار وقوى التقدم.

فإذا تتبعنا الحركة التشكيلية العراقية، نستطيع القول ان كل النقاد والمتابعين يتفقون على انها بدأت نهضتها وازدهارها في خمسينات القرن الماضي، دون ان نلغي او نتجاوز المحاولات التشكيلية الأولى التي بدأت منذ مطلع القرن العشرين، متمثلة بعدد من الرسامين. وانعكس تأثير الحرب العالمية الثانية، التي أحدثت انعطافا كبيرا في الحياة السياسية والفكرية والاقتصادية في العالم، على الحياة الفكرية والثقافية في البلدان العربية وبلدان الشرق ومنها العراق. وهناك عدد كبير من الفنانين تأثروا بالأفكار الجديدة التقدمية، خاصة من درس منهم في بلدان اوربية وتعرف على المدارس الحديثة في مجالات الفن التشكيلي، ونقل تلك التجارب الى العراق، كفائق حسن وجواد سليم وإسماعيل الشيخلي ومحمود صبري وحافظ الدروبي وغيرهم، ممن شكلوا نواة الحركة التشكيلية العراقية.

ولقد تأثرت هذه الحركة بالافكار التحررية وبالحداثة والتجديد في الأفكار، سواء في الادب والفن التشكيلي او في الثقافة عموما. فمنطلق حركة التجديد والحداثة في التشكيل العراقي بدأ منذ ذلك التاريخ، واكاد أقول أيضا ان التشكيل العراقي تميز مقارنة بحركة التشكيل العربية وفي المنطقة وفي الشرق عموما، بكونه يجسد محاولات التجديد والتأثر بالافكار الحداثوية.