رائد فهمي في الاتحاد العام للأدباء والكتّاب:

السلطات تمارس التضييق على المثقفين

قال سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي الرفيق رائد فهمي، ان عدم اهتمام الناخبين بالعملية الانتخابية “أمر مبرر” في ظل وجود المال السياسي والسلاح المنفلت واساليب تقييد الثقافة، مردفا أن الخطورة لا تكمن في فقدان الثقة بالعملية الانتخابية انما بالاحباط الذي يتولد عند القطاع الأوسع من العراقيين.

جاء ذلك في جلسة أقامها اتحاد الادباء والكتاب العراقيين، أمس الاربعاء، بعنوان “المثقف والعملية الانتخابية”، حاضر فيها الرفيق فهمي، فيما ادارها رئيس الاتحاد الناقد علي الفواز، ناقشت أهمية الجدل الثقافي والسياسي، والقضايا الاشكالية المتعلقة بالدولة والديمقراطية والحرية والحقوق والمشاركة والتنوع وغيرها، لأجل تأسيس مسارات راشدة لبناء الدولة.

أهمية الجدل الثقافي والسياسي

وبعد أن رحّب مدير الجلسة بالرفيق رائد فهمي والحاضرين، بيّن ان هذه الفعالية تهدف لمناقشة أهمية الجدل الثقافي والسياسي.

ولفت الى ان استضافة رائد فهمي، كسياسي عراقي معروف، تنطلق من امتلاكه والحزب الشيوعي العراقي مشروعا كبيرا، وان الديمقراطية تقتضي وجود المشاريع، مؤكدا على أن العملية السياسية معقدة جدا، وتتطلب وجود فضاء عام وفاعلين وصناع اسئلة حقيقيين، يمكن لهم المشاركة بوعي وبمسؤولية  في التعاطي مع هذه الاشكاليات.

وفي بداية حديثه، اكد الرفيق فهمي، ان دور الثقافة والمثقفين، يشكل جزءا من صراع الافكار والوعي، وأن المثقفين بجميع تخصصاتهم لا بدّ لهم من العمل على خلق فضاء فكري عام لمواجهة الافكار غير البناءة، التي تتضمن ابعادا تمييزية وعصبوية تعيق التطور وبناء النظام الديمقراطي الحقيقي.

ولفت الى أن السلطات تحاول التضييق على المثقف وسلبه ادواته الفنية والادبية والابداعية، مشيرا الى أن تعثر عملية الانتقال من النظام الديكتاتوري الى الديمقراطي، يكمن في افتقادها الأدوات الاساسية بعد العام 2003 وما رافق ذلك من احتلال وعوامل خارجية عقّدت المشهد، حيث ما زالت قضية الدولة وبناؤها وشكلها محل صراع لم ينقطع.

ورأى الرفيق فهمي، ان منظومة القوى المتنفذة تحاول الاكتفاء بالنظرة الضيّقة للديمقراطية واختزالها بعملية التصويت الانتخابي، بينما تسعى البلدان المتقدمة الى تعميق الديمقراطية وتقريب المواطن بشكل اكبر من صناعة القرار وتوسيع مشاركته السياسية والاجتماعية.

وشدد على أهمية ايجاد مساحة دائمة من الحريات والمؤسسات القادرة على ضبط هذا الصراع، ضمن الاشكال السلمية وان لا تكون السلطة وعمليات اعادة انتاجها مغلقة كما يجري الآن، الامر الذي أفرز إحباطا كبيرا لدى الناس والناخبين من جدوى التصويت، وتحويله الى عنصر لاضفاء الشرعية على ما يجري من خراب.

تركة ثقيلة وانتقال لم يتكمل

وقال فهمي، أن البلاد ما زالت ومنذ سنوات في حالة انتقالية من النظام الاستبدادي الذي دمر البنية المؤسسية والاجتماعية والفاعلين الحقيقيين الذين يمكن ان يسهموا في اي عملية تقدم من خلال الثقافة، وبالتالي فانها لم تصل الى المرحلة الديمقراطية المطلوبة.

وبيّن أن تعثر عملية الانتقال يكمن في افتقادها الأدوات الاساسية بعد عام 2003 وما رافقها من وجود احتلال وعوامل خارجية عقّدت المشهد، وما زالت قضية الدولة وبناؤها وشكلها محل صراع لم ينقطع، مشيرا الى أن العملية السياسية التي يفترض ان تقود الانتقال، بُنيت على أسس خاطئة بنيويا، وهي تتعارض مع مقومات الدولة الديمقراطية بأركانها السليمة التي تتضمن المؤسسات والانتخابات وغيرها.

وأردف فهمي، ان ما تمت صياغته هو الاكتفاء بالنظرة الضيقة للديمقراطية واختزالها بعملية التصويت، في الوقت الذي تسعى فيه حتى البلدان المتقدمة الى تعميق الديمقراطية وتقريب المواطن بشكل اكبر من صناعة القرار وتوسيع مشاركته السياسية والاجتماعية.

صراع فكري وثقافي وسلطوي

ومضى فهمي في حديثه قائلا: أن الصراع في العراق يتضمن ابعادا فكرية وثقافية وسلطوية حول كيفية تحديد مسار بناء الدولة، من حيث الشكل والمحتوى، وما نطمح اليه هو ان تكون خادمة بالدرجة الاساس للمواطنين وليست حكرا على جماعات سياسية معينة تراعي مصالحها الضيقة، انما يجري السعي الى تحقيق درجة معقولة من العدالة الاجتماعية والتوازن.

واشار الى أن هذا الصراع يتضمن بعدا اجتماعيا كبيرا، ولا نريده ان يكون خارج الاجواء السليمة البعيدة عن الحريات، وضمن المؤسسات الديقراطية، وان لا يصل الى مرحلة الاحتدام والعنف، ورهن ذلك بـ”وجود مساحة دائمة من الحريات والمؤسسات القادرة على ضبط هذا الصراع ضمن الاشكال السلمية، وان لا تكون السلطة وعمليات اعادة انتاجها مغلقة، كما تجري المحاولة الآن، وما انتجته من احباط للناس والناخبين من جدوى التصويت واحتمالية تحويله الى عنصر لاضفاء الشرعية على ما يجري من خراب”. ونبه سكرتير اللجنة المركزية الى ان الخطورة الكبيرة  لا تكمن في اختزال العملية الديمقراطية في الممارسة الانتخابية فقط، بل في الاحباط الذي يتولد عند القطاع الاوسع وفقدان الامل من امكانية تحقيق التغيير او الاصلاح، في ظل وجود المال السياسي والسلاح المنفلت واساليب تقييد الثقاقة ووضع المحددات على الحريات.

ما هو دور الثقافة والمثقفين؟

ونوّه فهمي بان نسبة المقاطعة للانتخابات الحالية والماضية تتراوح ما بين 70 – 80 في المائة، وهناك غضب على اداء المنظومة الحاكمة، معتبرا عدم مبالاة الناس بالتصويت “امرا مبررا، ولكن عند الحديث عن دور المثقف في هذا المشهد، يجب ان نأخذه من جوانب عديدة، لان للمثقف دورا كبيرا في عملية صناعة الرأي المجتمعي والتأثير فيه”.

وربط الرفيق فهمي “أسباب عزوف الناس عن الانتخابات بشكل عام ـ ونحن نطرحها هنا كمثال لا للحصر عن ازمات النظام الحالية ـ بجوانب عديدة منها قناعة قطاعات واسعة بعدم الجدوى من التصويت في ظل ما يجري، وآخرون يرفضون المنظومة الانتخابية بمؤسساتها من مفوضية وقانون انتخابات وغيرها. بينما يصل غيرهم الى حد رفض العملية السياسية والنظام السياسي بأكمله. ومن هنا يقاطع الانتخابات”، متسائلا “لكن ما هو البديل لهذه الآراء، خصوصا وأن هذا الاحباط لا يقابله فعل احتجاجي على ارض الواقع؟”.

وفي ما يخص دور الثقافة والمثقفين، ذكر فهمي أنه “جزء من صراع الافكار والوعي، وأن المثقفين بجميع تخصصاتهم لا بد لهم من العمل من اجل محاولة خلق فضاء فكري عام لمواجهة الافكار غير البناءة، والتي تتضمن ابعادا تمييزية وعصبوية معوقة امام التطور وبناء النظام الديمقراطي الحقيقي”.

واوضح أن السلطات تحاول التضييق على المثقف وسلبه ادواته الفنية والادبية والابداعية، ونحن لا نتوقع منها افضل من ذلك وهذا يتقاطع مع مصلحتها، وهي تنظر بخشية الى اي تطور او نشاط ثقافي ابداعي.

وتساءل فهمي، “اذا كانت العملية الانتخابية غير مجدية بنظر المثقفين او غيرهم، فما هو البديل لتغيير حالة الفشل والتعثر بالانتقال الى الديمقراطية سوى الاحتجاج والعمل على خلق البديل المطلوب؟”، معتبرا ان “المشاركة في الانتخابات وممارسات الفعل الاحتجاجي هي عوامل غير متناقضة، ولا يمكن فصلها او جعلها بين نقيضين.