حوار في جريدة الصباح البغدادية عدد يوم 12 آذار
نشرت مؤخراً آخر رواياته (مواسم الانتظار)، استمرَّ العمل بها عشر سنوات فجاءت بخمسمئة صفحة وصدرت عن دار المدى عام 2022. لكن أولى روايته كانت (تحت سماء القطب) أنهى كتابتها عام 2004 وصدرت عام 2010 عن دار موكرياني في أربيل، وما بين الروايتين صدرت له روايات أخرى منها (كوابيس هلسنكي) 2011 عن دار المدى و(جريمة لم تكتبها أجاثا كريستي) عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في القاهرة عام 2021، فضلا عن عدة مجموعات قصصيَّة وكتب ذكريات، وحاليَّاً أنهى كتابة رواية جديدة لم يفصح عن اسمها حتى لا تفقد عنصر المفاجأة، ويبقى القاسم المشترك بين رواياته أنها كتبت في المهجر!
تمكن الروائي يوسف أبو الفوز في أعماله الادبيَّة من صناعة خليط من أحداث تدور بين العراق وفنلندا رافقت جميع روايته، دفعت الشاعر الفنلندي ماركو كوربولا سكرتير دوريَّة (البشير) الأسبوعيَّة للقول بأن (يوسف ابو الفوز منشأ لجسر ثقافي جناحه الاول في فنلندا والجناح الآخر في العراق) وذلك حين نال ابو الفوز جائزة الابداع الفنلنديّة في العام 2015.
الصباح استضافت الروائي يوسف أبو الفوز المقيم في هلسنكي ليأخذها بجولةٍ في عوالم رواياته التي كتبت تحت سماء القطب الشمالي..
* في ما يخص المكان سيطرة جغرافيا العراق وفنلندا على أغلب الروايات أما الأبطال فتوزعوا بين عراقيين وعرب وكورد وشخصيات فنلنديّة. لكن بعض العناوين توحي بأنها روايات فنلنديّة، كيف تصف رواياتك؟
- إنها روايات عراقيّة، كونها معنية بالإنسان العراقي إن كان داخل أو خارج العراق.
وبما أن ظاهرة الهجرة شملت قطاعات واسعة من المجتمع العراقي، انتشروا في معظم بقاع العالم ومنها فنلندا فلا يمكن لي ولاي كاتب تجاوز ذلك، ولهذا اجتهدت في تسليط الضوء على عوالم الهجرة وتأثير الحياة الاوربيّة على الأسرة العراقية في المهجر وتحديداً في رواية (تحت سماء القطب)، بينما رواية (كوابيس هلسنكي) تناولت نشاط الجماعات التكفيريَّة في أوروبا الذين جنّدوا الشباب للعمل ضمن منظماتهم الإرهابية في العراق وسوريا، أما رواية (جريمة لم تكتبها أجاثا كريستي ) فتناولت موضوع معاناة الشباب العراقي، وموجة هجرتهم عام 2015، فالشأن العراقي هو الهم الاول بشخوصه وعرض هموهم وتطلعاتهم.
* كيف تلقى القارئ الفنلندي نتاجك الأدبي وأي الروايات ترجمت وأي منها لقي قبولاً أكثر؟
- على المستوى الفنلندي لم تترجم كل كتاباتي، لان الترجمة من العربية إلى الفنلندية ليست سهلة كونها تحتاج مترجماً متخصصاً وتمويلاً، لكن ترجمت لي مجموعة قصصية بعنوان (طائر الدهشة) سبق وصدرت عن دار المدى، ترجمها الدكتور ماركو يونتنين، ولاقت انتشارا طيبا في فنلندا، كانت أحد أسباب منحي جائزة الابداع الفنلندي إلى جانب مجمل نشاطاتي الأدبيَّة.
*رواية (مواسم الانتظار) استغرقت عشر سنوات في كتابتها، يذكرنا هذا، برواية (الرجع البعيد) للراحل فؤاد التكرلي التي أكمل كتابتها في أحد عشر عاماً تقريبا.. بماذا تختلف عن رواياتك الأخرى؟
- مواسم الانتظار رواية عراقيَّة خالصة بشخوصها وموضوعاتها وجغرافيتها.
تتناول مرحلة زمنيَّة في العراق من اربعينات القرن الماضي حتى نهايات السبعينات، تجتهد لتحكي عن تأثير التعسّف السياسي على الانسان العراقي بسبب انتماءاته الفكريّة ومعاناة الشعب العراقي من حكومات البعث الشوفينية المتعددة، هي ليست رواية سياسية، بقدر ما اجتهدت لعكس معاناة مختلف فئات الشعب العراقي، وليست رواية تاريخيّة لكن هناك اسقاطات تاريخيّة تخدم السرد.
*رواية فيها سياسة وتاريخ لكنها بريئة من الاثنين فما الذي أردت ايصاله من خلالها؟
- إنّها عمل روائي معني بالإنسان العراقي، وكيف للخوف يمكن أن يمسخ الجانب الانساني لدى الفرد، وكيف تعمل سياسة القمع على منع التجديد ومحاربة الافكار التقدمية في الوصول إلى اي مجتمع، في الوقت نفسه كيف تتجلى روح التحدي وامتلاك موقف صلب ضد الإرهاب السياسي ومقدار التضحيات في السعي لحماية الحلم بمواسم قادمة أكثر اشراقا.
يمكن القول إنها محاولة لفهم الأساس الاجتماعي لمراحل تدهور الوضع في العراق من بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003.
*هل أبطال أعمالك في الغالب رجال أم أعطيت للمرأة مكانتها في الأحداث وأي من الأبطال أقرب اليك؟
- في الكتابة اعتبر الخيال هو أساس عمل الكاتب، ولكن من اجل منح هذا الخيال مصداقية عند القارئ يجري تعزيزه بشظايا وتفاصيل من الواقع المعاش، هكذا الجأ إلى اقتباس تفاصيل من عدة شخصيات ومزجها لخلق شخصية جديدة تشبه الكل ولا تشبه أحداً.
في اعمالي الروائية اميل دائما وكردٍّ على واقع المرأة العراقية المزري إلى خلق شخصيات نسائية شجاعة وجميلة، وحتى في حالة الانكسار يعاودن الانبعاث والصمود.
شخصية المرأة عندي غنية وعميقة، واجد سهولة في التعامل معها أكثر من الرجل بحكم انها كائن جميل وروح الحدس عند المرأة تكون أكثر من الرجل وهذا شيء مغر لي ككاتب أن أتناول شخصية امرأة.
تنتشر خريطة شخصيات رواياتي على مختلف فئات المجتمع العراقي، في (مواسم الانتظار) أحد الشخوص الاساسية صياد سمك وهو أمي لكنه عميق بحكمته، وفي (تحت سماء القطب) مدرس تاريخ وفي (جريمة لم تكتبها أجاثا كريستي) كان مترجما، وأيضا هناك سائق حافلة.
*الكتابة في المهجر.. أين تقترب من الكتابة في الداخل وأين تبتعد.. إذا ما أجرينا مفاضلة بين الاثنين؟
-أولا أنا أمقت تقسيم الكتاب العراقيين إلى كتاب داخل وكتاب خارج لان الذي يجمع الاثنين هو الشأن العراقي والانسان العراقي، والثقافة العراقية، نهر واحد له روافد متعددة.
ربما أن الكتاب الموجودين خارج الوطن توفرت لهم بعض الامكانيات مثل مساحة الحرية الواسعة وفرصة الاحتكاك بالآخر وكسر التابوات لكن يبقى همهم الاول هو العراق، شأنهم شأن الكتاب المخلصين لشرط الكتابة داخل الوطن الذين يكتبون عن الشأن العراقي وسيف الرقيب في زمن النظام الديكتاتوري المباد أو ما بعد سقوطه مسلّط على رؤوسهم.
*السائد أن السرد العراقي سرد مهم على مستوى المنطقة العربيّة وربما أهميته أوسع من ذلك.. لكن التسويق خذل الكاتب العراقي باستثناء السنوات الأخيرة كان هناك هامش من المنافسة العالميَّة.. أنتم في المهجر لماذا لم تكسروا حاجز العالميَّة بحكم وجودكم في دول أوروبا؟
- هذا موضوع شائك ومتشّعب لأن غالبية الكتاب العراقيين خارج الوطن يعملون كذئابٍ منفردة، لا يوجد إطار ثقافي يحتضنهم ويسوق لهم، كما يوجد انحطاط ثقافي عام في المنطقة العربيَّة، يعززه انتشار الأفكار الظلامية وحكومات متسلطة تخشى الكلمة الحرة، ويختلط في واقعنا الثقافي الغث بالسمين، فتبرز لأسباب عديدة أعمال لا تستحق الاضواء والشهرة وتظلم أعمال لكتاب مبدعين، وأبرز مثال على ذلك بعض الجوائز وكواليسها التي لا علاقة لها بالثقافة والإبداع، أيضاً دور النشر العراقيّة والعربيّة لا تملك ثقافة التسويق لكتّابها، مع بروز أسباب موضوعيّة منها انحسار الاقبال على قراءة الكتاب بعد انتشار الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي.
أن يد المبدع العراقي خارج الوطن، مثله مثل المبدع داخل الوطن، غالباً ما تكون مغلولة، فالوصول إلى العالمية يحتاج إلى ترجمة العمل على الاقل إلى اللغة الانكليزية لتجد طريقها إلى المحافل الثقافية الدولية وهذا ليس بالأمر الهين.
*بعد مضي 30 سنة تقريبا في المهجر تجيد اللغات الفنلندية والروسية والانكليزية والكردية.. حاصل على شهادات تعليمية مختلفة، عملت في وظائف مختلفة منها باحث جامعي وعملت في التلفزيون الفنلندي ومديراً لبرامج ثقافيّة، الآن توفر جلّ وقتك للكتابة بعد التقاعد... ما الهدف الذي لم يحققه الكاتب أبو الفوز في ظل وجوده في أوروبا وكان من السهل الوصول إليه؟
- كنت أعتقد أنه بعد التقاعد سيتوفر لي وقت أكثر للسفر والتواصل مع الاصدقاء وانجاز أعمال مؤجلة، ولكني أجد نفسي دائماً مشغولاً بأشياء لا أعرف من أين تأتي.
ليس سراً أنا محرر في صحيفة طريق الشعب البغداديّة وناشط سياسي وناشط في منظمات ثقافية فنلندية ورب أسرة تتطلب التزامات متعددة. ما يساعدني في حياتي عموماً كوني صارماً في التعامل مع الوقت.
أطمح لإنجاز المزيد من الاعمال الادبيّة، وأزعم بانه لو لم تأتني اية فكرة جديدة خلال 5 سنوات فعلى طاولة الكتابة لدي عدة أعمال أدبيَّة أريد إكمال إنجازها.