صدر قبل أسابيع قليلة كتاب جديد عن دار ميزر للنشر في مالمو السويد كتاب للباحث العلمي في علم الكوسمولوجيا، علم الأكوان، المقيم في باريس تحت عنوان من الكون المرئي إلى الكون اللانهائي يصحبنا فيها الكاتب في رحلة علمية ممتعة نجوب فيها معه أركان الكون المرئي وننطلق منه إلى أبعاد الكون اللانهائي . عبر قرون عديدة انشغل الفلاسفة والمفكرون ورجال العلم بماهية الكون، نشأته، تركيبه ومصيره. فلقد فكّر بأصل الكون قدامى المصريين والسومريين والأكديين والآشوريين والبابليين، وكذلك القدامى في بلاد الفرس والهند والصين. كما قام الاغريق قبل حوالي خمسة وعشرين قرناً بمحاولات لمعرفة تركيب الكون وجوهر التفرع اللامتناهي لظواهر الطبيعة. ومازالت المسائل أعلاه بخصوص الكون وألغازه المثيرة تتمتع بأهمية استثنائية إلى يومنا هذا، وتحتل مكاناً بارزاً في الجبهة الأمامية لعلم الفيزياء والكونيات. ويبحث في هذا المجال أشهر العلماء، وتُجرى تجارب باهظة التكاليف في أشهر وأكبر المعجلات والمفاعلات النووية ومراكز الأبحاث التجريبية.
لقد تطورت المعرفة البشرية بصورة هائلة خلال هذه القرون العديدة، وتعمقت واغتنت بالكثير من المفاهيم والمبادئ الجديدة التي جاءت نتيجة لسبر أغوار المادة أعمق فأعمق، ودراسة ظواهر الطبيعة المتنوعة بصورة علمية، وخاصة بعد التطور التكنيكي العالي الذي حصل في صناعة الأجهزة الفيزيائية المستخدمة، سواء في دراسة العالم الميكروسكوبي (عالم الجسيمات الأولية والذرات والجزيئات)، أو العالم الماكروسكوبي (عالم الأجسام الكبيرة) أو العالم الميجاسكوبي (عالم الكواكب والنجوم والمجرات).
وفي رحلة ممتعة ومثيرة بصحبة الدكتور جواد بشارة في كتابه هذا، الموسوم (من الكون المرئي إلى الكون اللانهائي)، يطّلع القارئ على تفاصيل مسيرة طويلة لتطور علم الفيزياء والكونيات، بكل ما فيها من مصاعب وغموض وأيضاً من نجاحات وإثارة.
ليس من السهل أبداً تقديم أحدث النظريات والبحوث العلمية إلى القارئ العربي، لما تحتويه تلك النظريات والأبحاث على مصطلحات ومفاهيم، ليس لها ما يُقابلها في اللغة العربية، من جهة، ولغرابتها وغموضها في أغلب الأحيان، من جهة أخرى. بيد أن التجربة الغنية التي يمتلكها د. جواد بشارة في هذا المضمار، إضافة إلى أسلوبه المتميز في طرح آخر ما توصل اليه العلماء؛ أعطى جاذبية لفصول الكتاب الثمانية عشر، الأمر الذي يمنح القارئ رغبة أكيدة في مواصلة رحلته بهذا الكتاب الشائق، رغم ضخامته.
يوضح المؤلف الدور الذي لعبته نظريتا آينشتاين النسبية الخاصة والعامة في الفيزياء النظرية الحديثة، ويبين أهمية الثورة في الفيزياء التي أحدثها ميكانيكا الكم، حيث شكّل الميكانيك الكمومي النسبي الأداة الفعالة لتفسير العديد من المعضلات والظواهر التي لم تستطع النظريات والقوانين الكلاسيكية من إيجاد حلول لها.
كما يعطينا د. بشارة صورة مدهشة لعالم الجسيمات الأولية، وخاصة اللبنات الأساسية للمادة أو للكون، وينتقل بنا من الكواركات إلى الأوتار الفائقة، ومن النيوترينو إلى الغلوون والغرافيتون والفوتون وجسيمتا W وZ وكذلك بوزون هيغز الذي تم اكتشافه مؤخراً في مركز سيرن الأوربي للأبحاث. ويناقش الكاتب المسألة الجدلية وهي قدوم الطاقة من العدم وعلاقة ذلك بفرضية الارتياب أو الشك لهايزنبرغ، ويتحدث أيضاً عن الجسيمات والجسيمات المضادة لها، واندثارها عند اصطدامها ببعض متحولة إلى حالة جديدة من المادة، وعلاقة ذلك بالجسيمات الافتراضية والاهتزازات الكمومية التي تحدث في كل لحظة وبكل مكان.
ويشرح لنا عن قوى الطبيعة الأربع وعن النجاح المذهل الذي تحقق في توحيد بعضها، وعن محاولات أشهر العلماء في الوقت الحاضر لتوحيدها في نظرية واحدة هي (نظرية كل شيء)، التي ستستطيع، كما يأملون، الإجابة على كل الأسئلة وتوضيح كل الظواهر.
كما يتناول المؤلف بالتفصيل معظم الآراء بصدد الكون، أصله، تطوره، الآفاق المستقبلية، ويبحث في أسئلة عقدية، منها مثلاً، هل احتاج الكون إلى قوة خارجية لوجوده بما هو عليه اليوم؟ وهنا لا يفوته ما جاء في كتاب ستيفن هوكنغ الموسوم (التصميم العظيم – The grand design). ويتطرق إلى تعددية الأكوان، ومفهوم الكون اللانهائي، ويُناقش احتمالية وجود حضارة بشرية خارج كوكب الأرض. ويجد القارئ في هذا الكتاب أحدث ما توصل إليه العلماء بخصوص بعض المفاهيم والظواهر والألغاز، مثل الثقوب السوداء، الثقوب الدودية، المادة المظلمة، الطاقة المظلمة، الكومبيوتر الكمومي، التشابك الكمومي وغيرها الكثير.
وعلى مدى 670 صفحة من القطع الكبير يتعرف القارئ على أهم علماء الفيزياء والكونيات، ومساهماتهم في محاولات كشف أسرار الكون وحلّ ألغازه، ومن بينهم إسحاق نيوتن، نيكولاس كوبرنيكوس، غاليليو غاليليه، يوهانس كيبلر، تايكوبراهي، لودفيغ بولتزمان، ألبرت آينشتاين، ماكس بلانك، بول ديراك، فيرنر كارل هايزنبيرغ، نيلز بور، لويس دي بروجلي، ماكس بورن، ولفغانغ باولي، إروين شرودنغر، ستيفن هوكنغ، إدوين هابل، ماكس تيغمارك، ميتشيو كاكو، ريتشارد فاينمان، آلان غوث، ليونارد سسكايند، كارل ساغان، ريتشارد فينمان وغيرهم.
ويشرح لنا دكتور بشارة كيف أدى تطور أدوات البحث في سبر أغوار الكون إلى معرفة المزيد من أسراره وغموضه، فقد كشف تلسكوب هابل في 1923 عن مليارات المجرات الأخرى التي تتسارع في بعدها عن بعضها، وحصل تلسكوب جيمس ويب في 2022 على نتائج جيدة، ومن المؤمل أن يقوم التلسكوب الجديد نانسي جريس الروماني والذي سيُطلق في 2027 في دراسة واعدة عن المادة السوداء (أو المظلمة)، الطاقة السوداء (أو المظلمة) وكذلك عن مواضيع عديدة في فيزياء الفلك.
إن متعة هذا الكتاب تتجلى في طرح ومناقشة الأسئلة التالية، التي تُعتبر من أهم الأسئلة حول الحياة، العالَم وكل شيء:
- لماذا هنالك (شيء ما) بدلاً من من (لا شيء)؟
- لماذا نحن موجودون؟
- لماذا هذه المجموعة من القوانين وليس غيرها؟