ينشغل العراق كثيرا في التشديد على الجمع بين علاقات جيدة ومتوازنة مع إيران وفي الوقت نفسه مع امريكا، وهو ما تراه الحكومة العراقية وقسم غير قليل من القوى المتنفذة، انه قد يساعد في تقريب وجهات النظر على الصعيد الإقليمي والدولي في عدد من القضايا.

وهذا الانشغال، يتزامن مع رغبة واشنطن في فرض سياسات الضغط الاقصى وتشديد العقوبات على طهران، وهي رغبة لا تضع بغداد خارج هذه الحسابات، بل قد تكون الخسائر التي يتحملها العراق أشد تأثيرا في ظل الانقسامات الداخلية واستمرار تعامل القوى المتنفذة مع الدولة باعتبارها غنيمة، على الرغم من المؤشرات الواضحة باحتمالية استهداف العراق أمنيا واقتصاديا، وهو ما يؤكده أبرز الفاعلين سياسيا. وفي مقدمتهم وزير الخارجية العراقي.

تحولات المنطقة وأثرها على العراق

سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، الرفيق رائد فهمي، قال ان ما تشهده المنطقة والشرق الأوسط عموما، يعكس مخططات –غير خافية – تقف خلفها الولايات المتحدة وإسرائيل، ولأجل تجنيب العراق تداعياتها، لابد من احداث تغيير حقيقي على مستوى بنية النظام السياسي.

ووضع فهمي تصورات واسعة، عن هذا المشهد في تصريح خص به "طريق الشعب"، مشيرا الى ان "المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط، شهدت تطورات خطيرة خلال الفترة الماضية، خاصة الأشهر الأخيرة، وخصوصا بعد الهجوم الإسرائيلي الصهيوني على غزة، ومن ثم على لبنان وأخيرا على سوريا"، مبينا ان "هذه الاحداث الكبيرة تعكس مخططات أعلن عنها نتنياهو ولم تخفِها الإدارة الامريكية الحالية بقيادة ترامب، هي لإحداث تغييرات سياسية عميقة على صعيد الشرق الأوسط وعلى صعيد المنطقة. ونتنياهو يتحدث عن تغيير المشهد السياسي بالمنطقة في حين يتحدث ترامب، أيضا، عن شرق أوسط جديد. وهذه المخططات وما حققته الى الآن من تغييرات عميقة لها ارتدادات كبيرة على كل الأصعدة، لا بد من أن تكون لها تداعيات على الوضع في العراق، خاصة في ضوء التطورات التي حدثت في سوريا".

التماسك الوطني والتغيير السياسي

وأوضح فهمي، أنه "لأجل ان يتمكن العراق من مواجهة هذه الضغوط والتعامل معها بما يحفظ مصلحة العراق وطنا وشعبا، لابد ان تكون هناك حكومة ونظام ودولة متماسكة، وذات قاعدة شعبية واسعة تحظى بالتفاف شعبي، فضلا عن توافق واسع ما بين قوى الشعب الوطنية للتعامل مع هذه التحديات، ولذلك أصبحت موضوعة التغيير في ضوء العوامل الداخلية والخارجية على جدول الاعمال، لأجل ان يتمكن العراق من تحقيق أهدافه ومصالحه"، لافتا الى انه "لا بد من تحقيق التماسك الوطني، وهذا التماسك لا يتحقق من دون احداث تغييرات في واقع السياسة العراقية، وفي طبيعة المنظومة السياسية".

دولة ضعيفة ومترهلة!

وبيّن سكرتير الشيوعي العراقي، أن "نهج المحاصصة يقف عائقا أمام بناء دولة قوية بشرعيتها وقوية بمؤسساتها وقوية بقدرتها في الحفاظ على قرارها الوطني المستقل والدفاع عن سيادتها، فقد لاحظنا من خلال تجربة السنوات الماضية أن نهج المحاصصة أدى الى ان تكون الدولة ضعيفة ومترهلة وينخرها الفساد في كل مفاصلها، وكذلك نلاحظ ان قدرتها على ان تتخذ قرارات سيادية موحدة صعبة جدا بسبب الانقسامات داخل بنية الدولة، نتيجة لنهج المحاصصة والتعامل مع الدولة كغنيمة وليس التعامل معها على أساس انها مؤسسة وطنية تخدم المصلحة العامة".

وتابع قائلا، انه "من اجل ان يكون هناك بلد قادر على ان يواجه هذه التحديات، وان يؤمّن متطلبات استقراره الداخلي وعملية الإعمار وحسن إدارة المال العام، لاسيما ان مخاطر الضغوط الخارجية ستكون ذات طابع مالي واقتصادي، إضافة الى الجوانب السياسية والأمنية، فلا بد من الشروع بها والعمل بشكل جدي لإحداث التغييرات التي سبق ان طرحتها القوى السياسية، ومن ضمنها الحزب الشيوعي، ومنذ سنوات طويلة، إذ ان التغيير ضروري للخلاص من الازمة القائمة في بنية النظام السياسي وفي بنية العملية السياسية".

وأكد فهمي، ان "التغييرات اليوم، أصبحت ملحة نتيجة الأوضاع المضطربة إقليميا وأيضا التغييرات العالمية، فحالة درجة عدم اليقين وعدم الوضوح في المنطقة مرتفعة جدا، والضغوطات الخارجية باتت معلنة وستتخذ اشكالا مختلفة، فيما يتسم الوضع الداخلي العراقي بالكثير من الهشاشة، واذا لم تتم معالجة هذه الهشاشة فالتداعيات ستكون سلبية وصعبة على الشعب عموما والدولة ككل".

تعويل خاطئ وثغرة في التوازنات!

وأشار فهمي الى انه "من جانب اخر ينبغي أيضا ان نحذر من التعويل على التغيير الخارجي، فهو خاطئ، وهذا ما أكدته تجربتنا: ان أي تغيير خارجي يأتي وفق أجندة الجهات التي تعمل على هذا التغيير، ويخضع الى متطلباتها ومصالحها، التي لا تلتقي بالضرورة مع مصالح شعبنا. لكن هذه الضغوطات الخارجية في جانب منها تفرض حالة من توازن القوى - منطقيا - على صعيد المنطقة وربما على الصعيد العراقي، أي ان موازين القوى تشهد تغييرات حقيقية، وبعضها قد يفتح المجال للقوى الوطنية والديمقراطية والمدنية اذا ما عززت صفوفها ووحدت قواها وبلورت مشروعها الوطني للتغيير وبصورة قابلة للتحقيق، واستطاعت ان تمد جسورا واسعة وكبيرة مع المواطنين بمختلف فئاتهم وتحويل حالة الاستياء والتذمر الموجودة في اقسام واسعة من الشعب، نتيجة معاناتهم من الظروف الاقتصادية وتطلعهم الى التغيير الذي يهدف الى العيش الكريم، وتحويل كل ذلك الى فعل سياسي إيجابي، ويمكن مستقبلا ان يكون للتداعيات اثر على الصعيد الانتخابي، ورفع مستوى المطالبة الشعبية باتجاه عملية التغيير، فلا نجد هناك طريقا آخر غير طريق النهج الوطني وحشد القوى الوطنية والديمقراطية والشعبية بشكل عام حول هكذا مشروع، لأجل ان يتمكن العراق من ان يخوض بسلام في هذا البحر المتلاطم خلال الفترة القادمة، وان يصل الى بر الأمان، ويضع نفسه على طريق التقدم والاستقرار والاعمار".

ونوه فهمي الى ان "هذا الأمر مرهون _ الى حد كبير _ بان يدرك شعبنا ويغادر حالة الترقب وينتقل الى ساحة الفعل، وقد يكون على صعيد الفعل السياسي والاجتماعي والانتخابي من خلال المشاركة الواسعة".

تجنب المواجهة والمجابهة

من جانبه، قال الخبير الأمني، فاضل أبو رغيف، ان "العراق يتطور بشكل ملحوظ إزاء القضايا المصيرية، لاسيما التي تتعلق بتجنيب البلد المواجهة والمجابهة بين الولايات المتحدة الامريكية وبين فصائل محددة بعينها وبين جماعات وافراد من جهة أخرى".

وقال أبو رغيف لـ"طريق الشعب" ان "العراق بات يحتل مرتبة الصدارة دائما في الأخبار المثيرة للجدل، واعتقد ان قوى السلطة تدرك خطورة المشهد والوضع، وتسعى لتجنب ويلات وعقوبات محتملة.

عقوبات "كلاسيكية"!

وأضاف ابو رغيف، ان "الولايات المتحدة لن تلجأ الى الطرق الكلاسيكية في توجيه ضربات لاستهداف اشخاص، بل ستلجأ الى استنساخ تجربة تسعينات القرن الماضي"، في إشارة الى الحصار الاقتصادي الذي فرضته الولايات المتحدة على العراق ابان النظام السابق.

وأكمل أبو رغيف، ان "على العراق ان يحقق توازنا في علاقته مع ايران من جهة ومع الولايات المتحدة من جهة أخرى بما يحفظ امن وسلامة البلاد من التعرض لأي شدة خارجية سواء كانت اقتصادية او أخرى تؤدي الى عنف وضربات".