26-04-2025

(إذا أردتَ المساهمة في تغيير العالم... عليك أن ترتب سريرك أولاً...*)

في لهيب صيف حزيران، خرج أدهم ليرى الواقع كما هو، ولعلّه يلتقي ببعض أصدقائه القدماء.

مع أذان الفجر الصباحي المنبعث من الجامع القريب، والملاصق لبعض البيوت، كان هناك رجل يصرخ ويستجدي الله أن يرزقه ويرزق الناس الخارجين إلى أعمالهم.
 منذ طفولته وأدهم يسمع هذا الدعاء كل صباح، لكن، للأسف، لم يُستجب لهم يوماً، مهما كثروا. شاهد كيف أن الكثير منهم بقي فقيراً، كما عاش آباؤهم وأجدادهم، جيلاً بعد جيل.

باتت الأغلبية مستسلمة لهذا النداء الواهم. وهكذا سعى العديد من المراجع والملالي وشيوخ المنابر إلى زرع هذا الوهم المخدّر في عقول الفقراء: أن يتحملوا الحرمان والبؤس باسم قدر إلهي يجعلهم فقراء ويجعل آخرين أغنياء، وكأن هذا قَدَرٌ لا يمكن تغييره. أدهم كان يرفض هذه الفكرة بشدة.

السيد العجوز الغريب عن المدينة...؟

تحت غطاء هذا الاستسلام، أقسم أدهم أن يغير قدر استطاعته. خرج إلى الشارع المكتظ بالناس والسيارات وعربات الباعة المتجولين، يتجول بين وجوه متعبة حذرة، كأنها لا تزال تحمل آثار أحداث مضت منذ سنوات.

بحث عن أصدقائه القدامى بين الوجوه، لكن لم يجد أحداً، فقد تغيرت الملامح كثيراً.

وقبل منتصف النهار، عاد إلى بيت أقاربه، متعباً من الحر والتيه بين الناس. قال لنفسه: "يجب أن أخوض التجربة سنة أو سنتين على الأقل، لأثبت لنفسي أنني قادر على الاندماج مع هذه التغيرات."

طرق الباب عدة مرات. جاءه صوت طفل من الداخل:
 – "منو؟"

– "أنا عمو أدهم."

دخل أدهم إلى (الهول)، ورحب به صاحب البيت عبد الرضا (أبو فاطمة) وزوجته.

سأله أبو فاطمة:
 – "هل التقيت بأصدقائك القدماء؟"

أجاب أدهم:
 – "كلا."

سأل عن صديق قديم اسمه أحمد، كان يسكن في هذا الفرع لكنه لا يتذكر بيته. أجابه أبو فاطمة هامساً:
 – "لقد هُجر من هنا أثناء القتال الطائفي... ولا أعرف إلى أين ذهب."

غضب أدهم وقال:
 – "ألا يخجل هؤلاء الناس من التفكير بهذه الطريقة؟!"

نصحه عبد الرضا:
 – "أرجوك يا ابن عمي، لا تقل هذا خارج البيت، فقد يسبب لك مشاكل أنت في غنى عنها."

رد أدهم بحماسة:
 – "من واجبي الإنساني والأخلاقي أن أوضح للناس أن القتل والتهجير بسبب الدين أو المذهب جريمة...!"

ابتسم عبد الرضا وقال:
 – "كيفك... الشور شورك... وأنا عليّ أنصحك فقط."

قال أدهم:
 – "تمام... وربما من واجبنا توعية الناس."

رد عبد الرضا بحذر:
 – "دعنا من السياسة... الآن يحين أذان الظهر، نصلي وندعو للناس أن يهتدوا."

قال أدهم:
 – "كما تعلم، أنا لا أصلي ولا أصوم منذ الطفولة. ولكن... منذ متى وأنت تصلي؟"

أجاب عبد الرضا:
 – "منذ التسعينات."

سأله أدهم مستغرباً:
 – "طوال أكثر من عشرين سنة... هل استجاب إلهك ولو مرة واحدة؟"

استعاذ عبد الرضا بالله وقال:
 – "لا... لكن ربما يستجيب في المستقبل."
 ثم أضاف:
 – "سوف أدعو لك أن تهتدي إلى الله."

(ربما من الصعب إقناع شخص بأنه ليس عبداً، ويؤمن بالخرافات، وبإله هو في الواقع ليس إلا وهماً.)

لم يرد أدهم، لكنه سأل عن الشيخ العجوز الذي أصبح مقدساً لدى الناس، يطيعونه دون أن يقدم لهم شيئاً، فقط كلام ودعاء.

سأل أدهم:
 – "هل تعرف هذا الشيخ العجوز؟ مع أنني أعلم أنه ليس من أبناء المدينة."

رد عبد الرضا بعصبية:
 – "أرجوك... تحدث عن أي شيء إلا السيد الكبير!"

قال أدهم مبتسماً:
 – "اذهب إلى الصلاة وادعُ كما تريد... ولنا حديث آخر."

(أغلق الوهم أسوار المدينة،
 وتناسلت الغربان،
 وهي تمجد ذلك الطاووس العجوز...*)

قال أدهم مع نفسه:
 – "ربما لا أفهم تماماً لماذا يطيع هؤلاء الناس ذلك الشيخ العجوز، رغم أنه لا يقدم لهم شيئاً سوى النصائح والدعاء.
 لكن كلام الناس يقول لي أن هناك قسماً آخر من رجال الدين يستخدمون القوة والتهديد لفرض طاعتهم على الناس.
 يبدو أن الدين أصبح ملاذاً للفقراء، لا يملكون شيئاً سوى انتظار السماء، رغم أن الرزق موجود هنا على الأرض."

شعر أدهم أن المهمة صعبة، وأنه يحتاج إلى أسلوب صادم، وربما أفكار متطرفة لفتح أعين هؤلاء الناس.
 لكنه لم يخفِ قلقه من ردود الأفعال، حتى من أصدقائه.

قال مع نفسه:
  "لابد أن أناقش هذه الهواجس مع صديقي اللدود... جاسم مهدي."......! ؟

----------------------------------

ضابط بحرية ويليام مكريفين* (6-11-1955)*

هاريت تابمان(1821 - مارس 1913)

باحث وشاعرخزعل الماجدي (كركوك 1951