فرحت كثيراً عندما اقدمت امانة العاصمة (بغداد) على الاتفاق مع عائلة شاعر العرب الاكبر محمد مهدي الجواهري بأقتناء منزله في منطقة "حي القادسية" بجانب الكرخ من بغداد، واعادت ترميمه وتأهيله ليتحول الى متحف يضم مقتنيات الراحل عن الحياة، والراسخ في ذاكرة الثقافة العربية. ويشار الى ان المنزل بني في عام 1971، بمساحة 550 متراً مربّعاً وسكنه الجواهري حتى خروجه من العراق في عام 1980، وهو يحتوي على معرض لبعض المقتنيات الشخصية للشاعر ومكتبة بدواوينه الشعرية ومجموعة من الصور تؤرخ وتكرم ذكراه وأعماله داخل جدران المنزل، الذي عاش فيه قبل هجرته من العراق، لاسباب متعلقة بجو الاضطهاد السياسي وخنق الحريات العامة. وتجول في العديد من المنافي العربية والاوروبية ليستقر اخيراً  في العاصمة التشيكية (براغ)، التي طال المقام فيها ويصفها بأنها "جنة الخلد"، وكتب فيها قصائد جميلة.

بقيت اتلهف لزيارة هذا الصرح الثقافي منذ افتتاحه في آب عام 2022، غير اني لم اتمكن من زيارة العراق بسبب تفشي وباء كورونا في عام 2020 واندلاع الحرب اللعينة في اوكرانيا اواخر شباط عام 2022 واستمرارها للسنة الرابعة على التوالي. تمكنت من تحقيق امنيتي بزيارة عراقنا الحبيب في بداية شهر نيسان المنصرم من العام الجاري/ 2025. وكان "بيت الجواهري" أو "متحف الجواهري" ضمن الاماكن المقرر زيارتها والاطلاع على محتوياتها، اضافةً الى رغبتي اهداء مكتبة الجواهري نسخة نادرة من ديوان "بريد الغربة" لشاعرنا العظيم، صادرة في مدينة (براغ) عام 1965، يعني مرور (60) عاماً على صدورها. ابلغت الدكتورة العزيزة خيال الجواهري (بنت الشاعر) وزوجها الصديق العزيز صباح المندلاوي بهذه الرغبة، التي لاقت استحسانهما.

بالتزامن مع افتتاح معرض للفن التشكيلي يضم لوحات ومنحوتات تعبر عن عوالم قصائد الجواهري العظيم لمجموعة من الفنانين العراقيين بتاريخ 14 نيسان 2025، والقاء الكلمات من قبل القائمين على المعرض، اعطيت لي الكلمة الاولى لاقدم هديتي الى "بيت الجواهري"، وهي محملة بتحيات محبيه في اوكرانيا.

الجدير بالذكر ان الجواهري العظيم اصدر العديد من الدواوين والكتب خلال مسيرته الادبية، التي امتدت إلى ما يربو على 70 عاماً، منها "حلبة الأدب"، و"جناية الروس والإنجليز في إيران"، و"بين العاطفة والشعور"، و"ديوان الجواهري" في مجلدين، وأيضاً "بريد الغربة"، و"بريد العودة" و"أيها الأرق"، و"خلجات"، وكذلك "ذكرياتي" في 3 أجزاء، و"الجمهرة"، و"مختارات من الشعر العربي"، وغيرها. فيما صدرت عنه وعن شعره الكثير من الكتب والدراسات القيمة، من بينها "الجواهري ..سيمفونية الرحيل "، و"الجواهري .. مسيره قرن"، و"الجواهري النهر الثاث".. واصدرت ابنته الدكتورة خيال الجواهري كتاباً اسمته "الجواهري ..الاسطوره" و"الجواهري في عيون معاصريه". واصدر زوجها الاستاذ صباح المندلاوي كتاباً اسماه "في رحاب الجواهري" وكتاباً اخر تحت اسم"الجواهري الليالي والكتب".. ويوجد كذلك "مركز الجواهري الثقافي"، الذي اسسه الاعلامي النشيط الاستاذ رواء الجصاني في العاصمة التشيكية (براغ) بتاريخ 17/4/2002، ويضم كل نتاجات الشاعر الشعرية والنثرية بصوته الحي او نسخة الكترونية.

وكتب الاستاذ رواء الجصاني في مقال تحت عنوان "مع الجـواهري في عواصم ومدن العالم"، انه "لا يبدو ان هناك منتهى للكتابة والتوثيق عن الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري (1899-1997) منجزاً، وحياةً، برغم احدى وعشرين اطروحة دكتوراه، وثلاث عشرة رسالة ماجستير، أجيزت عنه، ونحو ستين كتاباً ومؤلفاً رصيناً، ومئات من الدراسات والمقالات والاستذكارات، دعوا عنكم اللوحات والصور والتخطيطات الفنية .. وكل تلك الارقام هي في الحدود الدنيا، ونعني ما هو مرصود وموثق لدينا الى الان".

سيبقى هذا الإرث الشعري والادبي لشاعرنا العظيم محمد مهدي الجواهري خالداً على مر الاجيال، وشاهداً على نبوغه، ونبراساً يضيء دروب العاشقين والمحبين للوطن والناس.. ومن هنا تأتي الدعوة لكل الشباب المثقف في العراق والعالم العربي الاطلاع على هذا الارث الثر والاستزادة من مناهله في المسيرة الابداعية الصاعدة نحو المجد المخلد..

شرح الصور

  1. كاتب المقال امام بيت الجواهري.
  2. مع الدكتورة خيال الجواهري وزوجها الاستاذ صباح المندلاوي.
  3. تمثال الجواهري في مدينة اربيل/ اقليم كوردستان العراق.