كانت ... قصة شهرين من حياتي ..!23 / هاني ابو زياد     

كانت ... قصة شهرين من حياتي ..!
14 اب – 14 تشرين اول 1988...23
بعد ان اتمم الرفاق تدخين سكائرهم واستراحوا انطلقنا بهمة لتجاوز ما تبقى من طريق , وهو ليس طويل لكنه خطر . سوف نمر من بين تجمعين للجيش بارض جرداء وعلى ضوء القمر الذي اخذ بالظهور في تلك الساعة بعد منتصف الليل . ثم اننا سنتاخر لاننا سنقطع هذه المسافة ليس كدفعة واحدة وانما بمسافات وسيكون هناك انتظار .. وصلنا الى المستوى الاخر من سه رعمادية . شاهد الرفاق بام اعينهم الجنود على الطرف الايمن من مكان تواجدنا لكن نارهم ستمنع عليهم الرؤى وهذا ما نراهن عليه .. كان الرفيق صفاء ربما هو اصغر رفيق بيننا يلبس قمصلة بغطاء راس يضعه على راسه لتظهر الطباقة ( زر ) تحت راسه من الخلف لماعة لانها معدن . كما انه يسير واضعا يديه بجيوب الشروال .. استفزني المنظر كثيرا فصحت به ما هذا يارفيق , انت شاب . انزع هذه عن راسك واخرج يديك من جيوبك .. لم يعلق هو بشيء ولم تظهر عليه اي ردة فعل وعمل بما قلت ( اعتذرت منه بعدها وقبلته ) تفهم غضبي وانتقد نفسه . كنت متوترا قليلا ( ليس قليل بالواقع ) فالمهمة صعبة والمسؤولية كبيرة , اشعر بثقلها . فالمنطقة لا يعرفها سواي حتى الرفيق منار لا يعرفها بشكل جيد وانما مر بها لمرتين فقط .كما اني اعرف كم هي خطرة لو تعرضنا الى اي حدث طارئ ..تجمع الرفاق .. انا ساذهب لوحدي مستطلعنا الطريق حتى اصل الى تلك الصخرة , ياتي اثنان , احدهم مسلح بسرعة وحذر,انا ساستمر حتى ابلغ الصخرة الثانيه هناك لكي اغطي القادمين في حال حدوث رمي والجميع يستمر بالصعود حتى القمة لا ينتظر احد بالقرب مني سوى المسلح ... لو حدث شيء ما تبقى من المفرزة يسحبهم منار الى اسبندارخلفو بسرعة . تحركت حتى وصلت الصخرة الاولى انطلق رفيقان بسرعة بعدهم وبعدهم ... والجميع مستمر بالصعود . كان الصعود حاد , وصفته بحلقة سابقة فهو منحدر من الصخور الصغيرة المتحركة المتعبة جدا . الجميع مر من جانبي حتى اخر الرفاق بعدها تحركت انا صاعدا المنحدر بمساعدة الكوبال (العوجية ) العظيم .. لا اعرف من قال ان الجنود قالوا انظر للحرامية او شيء بهذا المعنى .. فنحن كنا بالافقق . نزلنا الى الطرف الاخر (هرور) مع بزوغ فجر يوم 30 ايلول 1988 بالكاد دخلنا الغابة , اشرقت الشمس وضوت المكان .. طلب الرفاق ان يتزودوا بالماء هناك عين ماء كبيرة تشرف عليها ربية من بعيد فهي خارج الغابة . جمع الرفاق زمزمياتهم اخذها رفيقان وتسللا الى عين الماء . كانت مجازفة ولكن الحاجة الى الماء اجبرتنا على ذلك بعدها دخلنا الى العمق وانتشرنا في مكان فيه صخور بعد ان رتبنا الحراسات .. سنبقى هنا حتى المغرب ثم نعبر الشارع الترابي الى الحدود .. اخترت مكان لي قرب صخرة كبيرة , استريح به لعلي استطيع ان انام قليلا فامامنا ليل طويل بعد ان مرت الليلة الماضية بصعوباتها بسلام ..بعد فترة الغداء زارني الرفيق الملازم ابو الفوز وانا بمكاني , فرحت به تحدثنا وحدثني عن وجبته لهذا اليوم والتي تناولها بالغداء كانت خميعة ( هي ثريد بالحليب مذاب فيه السمن ,, الدهن الحر’’ .. ناكلها نحن بالجنوب , وسبق لي ان اكلتها عندما كنت في بيتنا ) كان لقاء و لم يتكرر ابدا ..
طالما نحن بالغابة يمكننا ان نقترب الى الشارع الترابي قبل الظلام . تجمع الرفاق وتحركنا باتجاه الشارع بمسافات على ان تقصر هذه المسافات كلما اظلمت الدنيا اكثر حتى نصبح قريبين لنرى بعضنا .. ذهب الرفاق منار ومخلص قبلنا لتامين مكان العبور . الرفيق منار يعرفه فهو الجسر تحت الشارع الذي تمر من خلاله مياه السيول .. ( مكان التكسي وعبد الله ,, لمن تابعنا ) بعد ذهاب الرفاق بوقت مناسب تحركنا باتجاه المكان فقد دخلنا الليل وعم الظلام . وصلنا الى المكان المعين بعد وقت . لم نجد الرفيقين هناك انتظرنا , طال الانتظار قلقت عليهم فقد تاخروا كثيرا ..زاد قلقي ولا استطيع ان افعل شيء ..نام معظم الرفاق في مكان الانتظار حتى بلغنا الساعة الواحدة من صباح الاول من تشرين الاول 1988 . ياست من ظهورهم وشعرت بخوف جعلني افكر بالاسوء . بعدها قلت يجب ان نعود الى وسط الغابة فالوقت تاخر ولا يكفي ان نصل الحدود . نهض الرفاق , تحركنا , ونحن بطريق العودة شعرت بدوار واظلم كل شيء حولي وسقطت ارضا . تجمع الرفاق حولي محاولين معرفة ماذا حدث لي , لكن الرفيق ابو حسن حبيب البي استطاع ان يشخص حالتي الصحية بسرعة ودون ان يلمسني وقال ضغطة انخفض , ساعمل لة قهوة ترفع ضغطه ويرجع كما كان .اخرج الرفيق من مغارة علي بابا التي يحملها على ظهرة مكعب فحم صناعي اشعله وسكب شيء من الماء في قاعدة زمزميته وقليل من القهوة حتى غلت وسقاني اياها شربتها ونمت ساعة .. شعرت بالراحة وعادت لي قواي . ذهبنا الى مكان سبق ان اختفينا به يوم كنا مع السرية الخامسة بالسفرة السابقة جلبت كيس الخبز الذي علقناه بالشجرة . كان قد تعفن ولم يعد يصلح للاكل ..بقينا نهارنا هناك حتى المساء . تحركنا باتجاه الشارع واخذنا طريق السيل الذي اوصلنا الى نقطة العبور .. تسائل البعض ان كنا ننتظرالرفاق منار ومخلص , قلت لا , نستمر سياتون بعدنا , وانا غير متاكد من ما اقول وقلق . عبرنا الشارع وبعده النهير السريع المظلل بالاشجار, ودخلنا غابة القصب فعددنا كبير والمنطقة سهل خالية من اي تضاريس .. حتى وصلنا الروبار (النهير) الاخر ..استراحة بدون تدخين .. المكان تحت نظر ربايا كاني ماسي ..اكلت قرص من الناوسيري مع كاس من الحليب البارد اللذيذ .. فقد تعودت ان أاكل هذا في كل استراحة .. ونحن هكذا ظهر من بعيد شبحان قلت هما منار ومخلص عادا . تحرك نحوهما رفيق من المسلحين . بعد وصولهم بقليل تحركنا ,لم اسالهما ولم يخبراني . انطلقنا صاعدين نازلين حتى بلغنا اخر المستويات انحرفنا قليلا الى اليمين كلفنا ,,الانحراف ,, فقدان الطريق وبالتاي نقطة الهدف (( هذه نتيجة الانحراف الى اليمين !! )) اكتشفنا ذلك انا ومنار . طلبنا من الرفاق التوقف والجلوس هنا كان الليل مازال .. نام الرفاق وبدانا ومنار نبحث عن الهدف , الظلام حجب الرؤيا ونحن نجري هنا وهناك . اخذ منا هذا وقت , حتى بان الفجر واتضحت الرؤية شخصنا المكان , ركضنا مسرعين نهض الرفاق ,, وبسرعة بلغنا الهدف .. وكان يوم 2 تشرين الاول 1988 .. استمر منار يجري الى الصخرة واخرج رسالة الرفيق ابو عمشة . فتحناها وقرانا مع الرفيق ابو سلوان . نحن سنسلم الى الاتراك . سياتي ناس لمساعدتكم , ادفعوا لهم بدل الطعام . هناك نايلون . لفوا السلاح و ادفنوه . وسلموا !!.. هذه هي اخر نقطة عراقية بمجرد النزول نكون على الخط الاحمر ..على الرفاق المكلفين بالعودة الاستعداد مخلص وجهاد ..رفض جهاد بشدة .كنا انا ومنار, مخلص وجهاد والحزب ابو ناتاشا وابو سلوان .. يجب ان يكون للحزب الدور الان .. لم نجد من يتطوع لمرافقة الرفيق مخلص الكل اعتذر .. قال احدهم ( انا اعرفه ) يذهب منار , قلت لا ,منار لا يذهب , انا انتهت مهمتي .. وصلتهم الحدود بسلام , سلام . جا ء دورك ايها الحزب ... وافق الحزب ان يذهب مخلص لوحده بعد ان كتب الرفيق ابو سلوان رسالة الى القيادة ,, وانا الى الرفيق توفيق .... يتبع