من الذاكــرة.. أيام صعبـة بإتجـاه الوطـن 11 / فائز الحيدر 

الفصل الحادي عشر

يوم 13 / 8 / 1986، ظهرا" درجة الحرارة قد تجاوزت الثلاثين، حركة الهواء تكاد تكون معدومة نسبيا"، أتخذ الأنصار أماكنهم تحت ظلال الأشجار المحيطة بالفصيل بأنتظار توزيع وجبة الغداء، رفاق الخدمة الرفاقية في الفصيل لهذا اليوم مشغولين بتهيئة وجبة الغـداء، عــدد الرفاق المتواجدين يتجاوز العشرين رفيقا"، في هذا الوقت وصلنا ضيفان هما الرفيق أبو حكمت ( 1 ) مع مرافقه في طريقه الى أيران، بعد فترة قصيرة تناول الجميع وجبة الغداء المكونة من مرقة من الفاصوليـا اليابسة شبه الصفراء بسبب التقنين في إستعمال معجون الطماطة لندرته وصعوبة الحصول عليه في المنطقة أضافة الى الرز.

 بعد الغداء وأثناء تناول الشاي أقترب مني آمر الفصيل العسكري الرفيق أبو ( محمد روماني)   (2) وهمس في أذني طالبا" الحديث معي والنصيرة أم سوزان على إنفراد بعيــدا" عن الرفاق وأخبرني بوصول برقيـة من قيادة الحزب تؤكد على توجهنا الى أيران مع الرفيق أبو حكمت لمواصلة الرحلة لاحقا" نحو سورية وأمامنا ساعة واحدة للتهيأ وبدأ الحركة، حقيقة كان هذا التبليغ مفاجئة بالنسبة لنا لكوننا غير مستعدين للسفر ولا نملك أية ملابس مدنية يمكن أرتدائها في أيران خاصة بالنسبة لزوجتي النصيرة أم ســوزان وكل ما نملك هو مبلغ لا يتجـاوز المائة دينار أدخرته وأم سوزان من رواتبنـا المدفوعة للأنصار في كردستان ووضعته للطوارئ لأننا لا نعرف ماذا سيكون مصيرنا في أيران وهل ستطول فترة بقائنا هناك ؟ كان ســؤالنا للرفيق هل هناك جهـة ما سـوف تتصل بنا في ايران لتقدم لنـا المساعدة عنـد الحاجة ومتابعة اخبارنا أم لا ؟؟ أم سنعتمد على أنفسنا هناك ؟ وماذا لو وقعنـا في أيدي السلطات الأيرانية فيما لو عرفت إننا من الأنصار الشيوعيين ؟ بالتأكيـد ليس هناك جواب على أسـئلتنا من الرفيق آمر الفصيل، وأن كل ما نعرفه إننا سوف ندخل الأراضي الأيرانية كلاجئين عراقيين هاربين من الحرب والسلطة الدكتاتورية وعلينا ان ندبر انفسنا بأنفسنا وقد تطول فترة بقائنا في أيران لسنوات فلدينا قصص كثيرة محزنة لرفاقنا في هذا المجال هذا من جانب ومن الجانب الآخر قد تساعدنا جوازاتنا العراقية التي تم تجديدها من قبل قيادة الحزب قبل مغادرتنا قاطع بهدينان في الخروج من ايران بعد إجراء المعاملات الخاصة باللاجئين، المهم من كل هذا أن لا يتعرف أحد علينا في معسرات اللجوء كوننا من الأنصار وإلا سيكون مصيرنا السجن بكل تأكيد مثل ما حدث للكثير من الرفاق سابقا".

تهيئنا بسرعة وأخذنا بتوديع رفاق الفصيل، أنها ليست المرة الأولى التي نودع فيها رفاق قد جمعتنا معهم علاقات طيبة ومصير مشترك واحد ولا نعرف هل سنلتقي معهم ثانية ام لا، دموع الوداع متبادلة لا يمكن السيطرة عليها، القبل متبادلة آملين في اللقاء ثانية والجميع في ظروف أفضل .... راسلونا، اهتموا بأنفسكم، دعونا نطمئن عليكم، تحياتنا لكل الرفاق في دمشق .

تكونت مفرزتنا الصغيرة من الرفيق أبو حكمت ومرافقه وأنا وأم سوزان وكلف الرفيق (أبو سامي) عضو فصيل بيربينان بمرافقتنا كدليل الى الحدود الأيرانية .

تحركنا في الساعة الثالثة والنصف ظهرا"، ليس لدينا شئ نحمله على ظهورنا سوى حقيبة من القماش لا تحتوي غير مواد لا يتجاوز وزنها الكيلوغرام الواحد، رغيف من الخبز وعلبة سمك الساردين وأدوات حلاقة وزمزمية ماء لكل واحد منا للطريق وقميص رجالي قديم وثوب نسائي بال تبرعت به أحدى الرفيقات الى أم سوزان، كان سيرنا في البداية بطيئـا" يسبقنا الرفيق أبو حكمت ويتبعه بأمتار مرافقه ثم الرفيق أبو سامي وأنا والنصيرة أم سوزان، كان الطريق سهلا" في البداية وفي أرض زراعية سبق حرثها ومن الصعب السير فيها حتى عبورنـا الجسر الخشبي المتآكل فوق النهـر الصغير القريب من الفصيل وعندها بدأت الأرض بالأرتفاع تدريجيا" وبدأت الجبال الشاهقة والصخور الحادة وبدأ من جديد الأنهاك والتعب يظهر علينا ونحن في بداية المشوار، كنا نتعثر ونسقط على الأرض تارة ونضحك تـارة أخرى فقد بيّن الصدأ علينا وأنا أحدث الرفيق ابو سامي واوصيه برعاية الكلبين التي اعطيناهما الأهتمام الكبير منذ ولادتهما لحراسة الفصيل مستقبـلا" وجرنا الحديث عن رفاقنـا في المقـر وذكريتنا معهـم، وقد كانت النصيرة أم سوزان رغم ظروفهـا الصحية التي تمر بها والتعب الذي يلازم الجميع ذات معنويات عالية ولم يظهر عليها أي تذمر أو شكوى، كان الرفيق أبو حكمت يسير بعيدا" عنا بمسافة ليست قصيرة وطيلة سيرنا لم يتحدث مع أحد ولا حتى مع مرافقه، لم يسبق أن ألتقيت مع الرفيق أبو حكمت من قبل ولكن يبـدو لنا إنه يحاول جهـد الأمكان أن يبتعـد عن الجميع وهـذه ليست من عـادة رفاقنا في قيادة الحزب في مثل هكذا مفارز ولربما كان بأبتعاده هـذا محاولة منه لتجنب أي حديث حول أي موضوع يفتح فيه النقاش أثناء المسير وقد يكون السبب لكونه يمر في أزمة ما بسبب مسائل مهمـة وإتهامات وجهت له من قبل قيادة الحزب في إجتماع اللجنة المركزية للحزب عام 1985. لقد عشنا وتعرفنا على غالبية الرفاق في قيادة الحزب وكانت تربطهم علاقات حميمة مع رفاقهم الأنصار حيث الأبتسامة والعلاقات الأجتماعية وتبادل الأحاديث المشتركة فهم اجتماعيين بالطبع.

 يذكر الرفيق توما توماس ( ابو جوزيف) (3) في الحلقة الحادية والثلاثين من مذكراته ( أوراق توما توماس ) ما يلي :

في اجتماع اللجنـة المركزية عام 1985 عشية إنعقـاد المؤتمر الوطني الرابـع أثير موضـوع مفرزة عباس، وتبين بأن الرفيق (أبو حكمت) وافق على قبـول طلب العميل ( ممـو ) بالعمل كصديق ضمن مفارزنا، بشكل شخصي دون الرجوع الى الرفاق أعضاء مكتب القاطع وتبين ان المدعو (ممو) كان متعاونا" مع النظام ويعرفه الكثيرون وتم تحذيــر الحزب منه وهذا الأمر أدى الى سقوط أحدى مفارز قاطع أربيل في كمين مدبر من قبل المخابرات العراقية ساعد في تنظيمه العميل ( ممو ) والمزكى من قبل أبو حكمت وادى هذا العمل الى أعدام 12 رفيقا" وسجن عدد آخر، وهكذا وبكل بساطة تمت تصفية مجموعة من أشجع أنصارنا بغفلة من قيادة قاطع أربيل وبتساهلها، وللحقيقة والتاريخ فإن الكثير والكثير من الأحداث المؤسفة التي أدت الى المآسي كانت بسبب التعامل من منطلق حسن النية وبسبب الأهمال في إتخاذ الأحتياطات الضرورية، وكانت تلك الجريمة البشعة بما تركته من خسارة في الأرواح، درسا قاسيا" جديدا" يتحمل مسؤوليته الأساسية  الرفيق (ابو حكمت)، وبعد أن درس الموضوع صدر القرار التقليدي (( عفا الله عما سلف )) !!!!هذا ما ذكره الرفيق الفقيد توما توماس وقد يكون هو السبب في الأزمة النفسية التي يمر بها الرفيق ابو حكمت وقد تكون هناك أسباب أخرى نجهلها.

أخذنا استراحة قصيرة لا تتجاوز العشرة دقائق تحت ظلال إحدى الأشجار الكبيرة ثم واصلنا السير للوصول الى قمة الجبل الذي نتسلقه وعلينا وصولها قبل غروب الشمس، سبق وقصفت هذه المناطق وهذا واضح من شظايا قذائف المدفعية التي نشاهدها في كل مكان في طريق سيرنا، حفر مختلفة الأحجام ناتجة عن القصف المدفعي العراقي تركت آثارها على الأرض، أراضي زراعية وأشجار إحترقت بسبب القصف المدفعي تجدها في كل الأتجاهات، بعد ساعة من السير وصلنا الى أرض مستوية على تلك القمة وتحيط بها الجبال الشاهقة من كل جوانبها، هناك نصب أحد الرعاة خيمة كبير مصنوعة من شعر الماعز على الطريقة البدوية العربية والى جانبها أحاط أغنامه القليلة بسياج مصنوع من القصب المشبك ، عندما شاهدنا عن بعد توجه ألينا حاملا" بندقيته القديمة على كتفه مرحبا" بالجميع وقدم لنا اللبن وهو دليل الضيافة والأحترام والمودة ثم تبعه الشاي وطلب منا ان نعتبر أنفسنا ضيوفه لهذه الليلة، لا أستطيع ان أتخيل كيف يعيش هؤلاء البشر في هذه البيئة المعزولة عن العالم ووسط الجبال وهو لا يملك غير البندقية وبعض الأغنام وكلب حراسة، لقد عشنا الحياة الأنصارية وصعوباتها في الجبال ولكن مع رفاق آخرين وبالمئات وهم يشكلون حياة اجتماعية خاصة وحسب الظروف وهناك نشاطات كثيرة يشترك فيها الجميع ولكن أن يعيش المرء وسط الجبال وحيدا" ومع الأغنام والحيوانات المفترسة ليلا" فهذه يحتاج الى البطولة والبساطة في الحياة والتكيف للمحيط.

خيم الظلام في الجبل وقدم مضيفنا العشاء البسيط المكون من جبن الأغنام وخبز التنور والشاي وبدأ الحديث باللغة لكردية عن أمور كثيرة لا نفهم منها الا القليل في حين كان الرفيق أبو حكمت يحاول جهد الأمكان الأبتعاد عن الحديث أمامنا على الأقل، ان من عادة القرويين في الجبال وإحتراما" لضيوفهم ان يفتحوا مادة للنقاش في مواضيع مختلفة عديدة لتسلية ضيوفهم حتى لا يحسوا بالفراغ والضجر وحتى منتصف الليل غير مبالين بما تشعر به من رغبة في النوم أو من شدة التعب.

تجاوزت الساعة الحادية عشرة ليلا"، أطل القمرعلينا من خلف الجبال الشاهقة وأخذ يعكس أشعته على قطوع الصخور في أعالي الجبال، القمر يكشف و يضئ الطريق للأنصار والمهربين على حد سواء ليلا" ويساعدهم على الحركة ويدلهم على طرق المشاة في الطرق الضيقة والتي لا تتسع إلا لنصير واحد وسط الوديان العميقة والجبال العالية الجرداء، بدأ الجو يميل الى البرودة وكان لابد من النوم المبكر لغرض الأستعداد لمسيرة مبكرة أخرى يوم غد عندها لاحظ مضيفنا النعاس على أجفاننا ثم قام سريعا" لتهيئة الفراش وخيرنا بالنوم في الهواء الطلق بجانب الخيمة أو بداخلها وفضلنا الأختيار الأول بينما واصل الرفيق (أبو حكمت) الجلوس معه وشرب عدة أقداح من الشاي فهو يدرك عادات القرويين وكيفية التعامل معهم وكسب ودهم.

تسرب البرد الى أجسادنا فجرا" بسبب برودة الأرض وكان علينا الجلوس صباح هذا اليوم 14 / 8 /  1986 مبكرين، تناول كل منا قليل من الخبز والجبن قدمه لنا مضيفنا وتبعه قدح من الشاي ثم قدمنا الشكر لمضيفنا على حسن ضيافته وبدأت مسيرتنا في الساعة السابعة والنصف متوجهين نحو الحدود الأيرانية فأمامنا نهار كامل من السير المتواصل في طبيعة جبلية تنخفض تدريجيا" كلما تقدمنا نحو الحدود وتقل فيها تدريجيا" الطبيعة الخضراء والمياه والأشجار، في أثناء سيرنا المتواصل كنا نسمع بين الحين والأخر وعن بعد القصف المدفعي لبعض مناطق الحدود البعيدة وأحيانا" يقترب القصف تدريجيا" من خط سيرنا حيث تسقط القذائف على بعد مئات الأمتار عنا، أنها عملية تمشيط للحدود من قبل الجيش العراقي، الحرارة ترتفع تدريجيا" كلما تقدمنا نحو الظهيرة، الرياح السريعة تهب علينا محملة بالتراب الأصفر ليغطي وجوهنا، كلما تقدمنا عمقا" تزداد حركة البيشمركة ونلتقي مع بعض مفارزهم في الطريق ونتبادل التحية معهم، إستراحتنا الأولى لتناول الغداء كانت في الساعة الواحدة تقريبا" تحت ظلال أحدى الأشجار الكبيرة التي فرشت ظلها على الأرض ولم تدم طويلا" خاصة بعد أن عرفنا ان أمامنا حوالي أربع ساعات أخرى للوصول الى الحدود قبل الغروب، طرق ترابية بدأت تظهر أمامنا بدل الطرق الصخرية المعتادة، ثعابين مختلفة الأحجام تمر أ مسرعة أمامنا بين الحين والآخر، بيوت متناثرة متروكة هنا وهناك، بساتين الفاكهة التي مررنا بها قد جفت وأصابت ثمارها الديدان والحشرات بسبب قلة المياه والرعاية، الحياة شبه معدومة في هذه المناطق من الجبال.

بعد التعب الذي اصابنا أخبرنا الرفيق (أبو سامي) أمامنا الأن ساعة واحدة للوصول، الحركة بدت أكثر من المناطق التي مررنا بها، نهر صغير يمر بالقرب منا وهو مصدر الحياة في المنطقة كلها، نباح كلاب وخيم متفرقة وبيوت طينية تسمع عن بعد ان هناك من يسكنها، وهنا همس أبو سامي نحن على أبواب موقع (خريته)، الساعة تجاوزت السابعة مساءا"، أنه موقع حدودي لبيشمركة الحزب الديمقراطي الكردستاني ( حدك ) بجانب الحدود الأيرانية ومن هذا الموقع تصل المساعدات الى حدك ويعتبر أحدى أهم نوافذ البيشمركة والأنصار نحو الخارج ووجهتهم الى سورية وبالعكس وهو الطريق الوحيد للأنصار الذين هم بحاجة الى علاج في المستشفيات الأيرانية نتجة أمراض معينة او أصابات في المعارك بأعتبارهم بيشمركة حدك .

يقع موقع خريته في وسط وادي محاط بالجبال العالية من كل جوانبه، بيوت طينية على سفح الجبل لعدد من القاعات وغرف النوم وبعض الخيم المتناثرة في ساحة الموقع، اصوات حركة سيارات لم نشاهدها منذ سنوات، الحركة في الموقع بسيطة رغم أهميته بالنسبة لحدك في هذا الوقت أختفى الرفيق ابو حكمت حتى بدون كلمة وداع مما أثار غضبنا ورحت أدردش مع أم سوزان للتخفيف عن غضبنا هذا ونبتسم أحيانا".

يكاس العمر ما ظلت وشل بيك
ويجرحي لشوكت تنزف وشل بيك
تكلي ليش متمرمر وشل بيك
تهت منهو اليدليني عليها

ثم جاءنا الرفيق (أبو سامي) ليخبرنا أن هناك من سيهتم بنا بعد قليل وأكد أنه سيعود الى فصيل بيربينان الآن مع مرافق أبو حكمت وسيقضون الليل كله مشيا" حتى يصلون خيمة الراعي صباحا" ليرتاحوا بها نهارا" ومن ثم يواصلون رحلتهم، رغم ان عمر الرفيق (ابو سامي) كما اعتقد قد جاوز الخمسينات ألا انه يتمتع بلياقة بدنية جيدة وبقدرة غير عادية على السير بدون تعب ونادرا" ما نرى أحد رفاقنا بهذه اللياقة والصحة، (أبو سامي) إنسان بشوش ومتواضع صاحب نكتة ولطيف المعشر ومن الصعب أن تفارقه ودعنا وحملناه تحياتنا الى كل الرفاق.

قبل بدأ الظلام جاء من يرحب بنا من الأخوة الأكراد في الموقع ليخبرنا بأن الخيمة المجاورة لوقوفنا قد خصصت لنومنا حتى صباح اليوم التالي حيث نتجه لنقطة الحدود الأيرانية ، اخبرته ان كان هناك شئ ممكن شرائه لتناوله كعشاء هذا المساء، أبتسم قليلا" وغاب عنا عدة دقائق وعاد ثانية وهو يحمل رغيفين من الخبز ونصف رقية وودعنا .دخلنا الخيمة التي خصصت لنا لقضاء هذه الليلة ولم يكن داخلها غير بساطين خفيفين من صنع محلي ووسادتين صلبة وكأنها أكياس الأسمنت ومن الصعب النوم عليها وبطانيتن عسكرية قديمة قاتمة اللون.

تناولنا عشائنا البسيط وتوجهنا الى النهر الصغير القريب وغلسنا أرجلنا ووجوهنا وملئنا الزمزميات بالماء وعدنا الى الخيمة لنرتاح قليلا"، كنت أتحدث مع أم سوزان عن ذكرى زواجنا التي سوف تصادف يوم غد 16/ آب وكان المفروض أن نحتفل بها في مكان آخر وظروف أفضل وتذكرنا كيف عبرت الأفعى فوقي أثناء النوم قرب نهر الهيزل في الأيام الأولى لدخولنا كردستان، أما في السنوات اللاحقة لها فهناك أحداث لا تنسى تذكرنا بهذه المناسبة، قطع حديثنا هذا سقوط قذيفة مدفعية من العيار الثقيل في الوادي أصمت آذاننا ثم تبعتها سقوط قذائف على محيط الموقع، ليست لدينا فكرة هل يستمر القصف على الموقع لفترة طويلة أم قصيرة كما في بهدينان، خرجت من الخيمة زاحفا" على الأرض لعلي أرى من يرشدنا الى الملاجئ ان وجدت لكن مع الأسف لم أجد أحدا" يمكن ان أسئله ويبدوا لنا انه ليس هناك من يعلم بوجودنا بهذه الخيمة، بعد عدة دقائق توقف القصف على الموقع وعاد مرة ثانية بعد منتصف الليل وبنفس الروتين عندئذ إستسلمنا للقدر .

همي من كـــثر يذبل وراها
ونار الكلب مــا يخمد وراها
كل شده يـــهل وادم وراها
فرج ، والفرج من رب البريه

جلسنا كالعادة مبكرين صباح يوم التالي 15 / 8 / 1986 ولا نعرف ماذا نفعل، انتظرنا حتى الساعة التاسعة صباحا" حيث تقدم نفس الشخص الذي قابلنا ليلة أمس ليرافقنا الى غرفة طينية متوسطة الحجم يجلس داخلها على الأرض جندي ايراني وبجانبه جهاز لاسلكي وبعض الأوراق المبعثرة على الأرض أنها نقطة الحدود الأيرانية وعلينا تسليم انفسنا كلاجئين .

1 ـ الرفيق أبو حكمت هو يوسف حنا القس، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي
2 ـ أبو محمد روماني ، لقب بهذا اللقب لكونه اكمل دراسته في رومانيا تميزا" عن الرفيق ابو محمد يماني الذي عمل في اليمن الديمقراطية عدة سنوات في فترة الثمانينات.
3 ـ توما توماس ، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي والمسؤول العسكري لقاطع بهدينان للأنصار

الصورة الأولى ...من اليسار الرفيق ابو محمد روماني، النصيرة ام سوزان، النصير ابو شهاب ، النصير ابو سوزان
4 ـ الصورة الثانية تبين النصيررفيق ابو سامي الشايب والنصير ابو سوزان في فصيل بيربينان في أب 1986

5 ـ الصورة الثالثة للرفيق يوسف حنا القس ( ابو حكمت)