من الذاكــرة .. أيام صعبـة بإتجـاه الوطـن 13 / فائز الحيدر

معسكر اللاجئين العراقيين في مدينة خوي الأيرانية

اليوم هو الثامن عشر من آب / 1986، قبل ان نصل الى محافظة أرومية ( Orumiyah ) كنا ندردش مع اصدقائنا العراقيين المرافقين لنا شيرزاد وصفوت ونعتقد إننا اللاجئين الأربعة الوحيدين الذين يصلون الى هذه المحافظة وسيكون اهتمام السلطات الأيرانية بنا متميزا" لقلة عددنا وستسهل معاملتنا ولكن فوجئنـا العكس، فعنـد دخـولنا مبنى المحافظة شـاهدنا مئات اللاجئيـن العراقيين قد سبقونا بالوصول أليهـا ينتظرون في باحة المحافظة، رجال، نساء، شيوخ وأطفال من مختلف الأعمار، عرب وكـرد وآشوريين وكلدان وحتى بعض المعوقين غير القادرين على السير يتحدثون بلغات عديـدة ويرتدون ملابس مختلفة تمثل الفسيفساء العراقي المتنوع ودخلوا جمهورية أيران الأسلامية من منافذ حدودية مختلفة طالبين اللجوء فيها هربا" من الحرب والنظام الدكتاتوري والأبادة الجماعية في كردستان.

درجة الحرارة لظهر هذا اليوم تجاوزت الأربعين مئوية، الصالة الداخلية لمبنى المحافظة لا تتسع لهذا العدد من اللاجئين، البعض منهم إفترش الأرض مع عائلته داخل المبنى ودخل في نوم عميق، آخرين يقفون أمام المبنى وتحت الشمس المحرقة تحت أنظار ومراقبة حرس الثورة الأيرانية، طوابير من اللاجئين يقفون أمام أبواب عديدة لا نعرف ما خلفها وما هي الأجراءات الواجب علينا القيام بها، نسي البعض منهم انهم لاجئين عراقييـن في ايـران مستعملين كلمات نابية لا تدل على الخلق فيما بينـهم وهم يتدافعـون للحصول على موقع متقـدم في الطابــور، الأنفعال والتوتر يظهرعلى غالبية اللاجئين، بكـاء الأطفال يتواصل بسبب الحرارة وعـدم النوم، مر الوقت العصيب ببطئ حتى أدركنا وعن بعـد ووسط هـذا الهرج الذي يسود الصالة واللغات العديـدة التي نسمعها ماذا يجـري في داخـل الغرف، تفاوت كبير في الوضع الأقتصادي والثقافي والأدراك السياسي لكافة لللاجئين، فهنـاك من لا يملك غير البـدلة التي يبلسـها وبضعة دنانير من أمثالنـا من الأنصار أو المطاردين سـياسيـا" والقادميـن من كردستان وعاشـوا الصعوبات المختلفة ولسـنوات عديدة، وآخـرين حملـوا على ظهـورهم حقائب كبيـرة تحتـوي بعض ما يملكـون من ملابس مع مئاـت الآلاف من الدنانير والدولارات والبعض الأخر منهم فضل وضع ما يملك من أموال في أكياس الحنطة ( الكواني ) محمولة على الحمير وهمهم الوحيد السفر الى أحـدى دول اللجـوء الأوربية عبر أيران، نساء يحملن معهـن مصوغات ذهبيـة تقدر بعدة كيلوات في حقائـب مختلفة الأحجام ويعرضن ما يملكـن بين الحين والآخر على معارفهـن من النساء ويفتخرن بما جلبن معهن الى أيـران، أناس بسطاء، مرضى ورجال دين غالبيتهم من الأخوة الأكرد جلبوا معهم أفرشة كاملة للنوم، دواشك وبطانيات ولحف قذرة، مدافئ نفطيـة قديمة صدئة، قناني الغـاز، صفائح النفط وحتى الطباخات الغازية وأدوات مطبخ كاملة وكأنهم في سفرة عائلية، أنها مأساة حقيقية لهذه الجموع التي لا تعرف مصيرها ومعنى اللجوء وتجسد معاناة الشعب العراقي ومحنته مع الدكتاتورية .

تقدم منا مرافقنا العسكري الشاب الذي رافقنا من مدينة (أشنوية) وهو يبتسم متعاطفا" معنا ويبدو انه أدرك اننا من نوع آخر ولا نستطيع ان ندبر حالنا وحدنا وسط هذه الزحمة، دخل أحدى الغرف وبعد قليل عاد مع ثلاثة أوراق صغيرة دون في كل منها رقم ناولها لنا والى الأخوة شيرزاد وصفوت وأخبرنا أنهم سينادون علينا بهذه الأرقام التي نحملها ويجب علينا الأنتظار وغادرنا مودعا" متوجها" الى سيارته .

بعد أكثر من ساعة سمعنا من ينادينا بأرقامنا المدونة على الورقة الصغيرة، دخلنا الغرفة ذات الأثاث البسيطة، موظف واحد باللباس المدني يجلس خلف مكتبه، لا نعرف مكانته الوظيفية، هل هو موظف عادي أو من رجال الأمن، قدم لنا التحية وطلب منا الجلوس وان نقدم له ما نملك من وثائق شخصية وأي ممتلكات شخصية نحملها، أبرزنا له جوازاتنا العراقية والمبلغ البسيط الذي نملكه للطوارئ فقد نحتاجه يوما" ما، دوّن كل شئ في السجل الموجود أمامه وطلب منا الأحتفاض بالمبلغ لقلته وأعتباره كمصرف جيب مخالفا" بذلك الأوامر والتعليمات بهذا الخصوص التي تنص على استلام وتسجيل كل ما يملكه اللاجئ، سلّمنا وصل أمانة بكل ما تسلمه منا وهكذا حال الآخرين مؤكدا" أن كل شئ سيعاد لنا وفق الوصل عندما تنتهي التحقيقات ونغادر أيران.

مرت ساعات طويـلة متعبة قبل أن ينتهي الجميع من تسجيل أسـمائهم وإيـداع ما يملكـون في المحافظة قبل غروب الشمس وأصـبحنا ننتظـر المرحلة الثانيـة التي نجهلها ولغاية الساعة التاسعة مساء حيث توقفت أمام مبنى المحافظـة خمسة باصات كبيرة وطلب من الجميـع الركـوب حيث نجهل وجهتنا التالية وما يخبئه لنا القدر والسلطات الأيرانية وكم ستطول الفترة.

تحركت السيارات في طريق ضيق ملتوي بين الجبال الجرداء والطبيعة الصحراوية الجافة متوجهين نحو مدينة ( خوي ) كما أخبرنا سائق الباص حتى بدأ الظلام يخيم على المنطقة وأنعدمت الرؤية وأشتد علينا النعاس نتيجة التعب والأرهاق ونحن بين النوم واليقضة، لم يسبق لي ان نمت دقيقة واحدة أثناء السفر في الباصات او الطائرات حتى لو أستمر اليوم كله .

مدينة (خوي) والتي تسمى ( Choy,أو Khoi ) تقع في الطرف الشمالي لغرب أقليم أذربيجان الأيراني ومجاورة للحدود التركية والروسية، وتقع بين مدينة ( أرومية ) ومدينة ماكو (( Maku ، وتحاذي سلسة جبال أفرين ( Avrin ) ويعتقد ان الأسم جاء من كلمة كردية تعني ( الملح )، يقدر نفوسها في ذلك الوقت بمائة ألف نسمة، وهي مركز تجاري لأنتاج الفواكه والحبوب، ونظرا" لموقعها الأستراتيجي المهم بالقرب من تركيا والأمبراطورية الروسية فقد أحتلت من قبل روسيا عام 1827 ، وأحتلت من قبل تركيا في عام 1911 وكانت تحت سيطرة الأتحاد السوفياتي خلال الحرب العالمية الثانية.

المدينة صغيرة وفقيرة وقديمة البناء، تشبه بقية المدن الأيرانية التي مررنا بها سابقا"، غالبية سكان المدينة من الأتراك ويتحدثون الكردية والتركية لقربها من تركيا، الأستعدادات العسكرية والأنتشار العسكري في هذه المنطقة أقل نسبيا" من المناطق التي مررنا بها سابقا" بسبب جبالها الشاهقة وبعد المدينة عن حدود العراق ولعدم وجود اهمية عسكرية لها.  

كان الجميع يتوقع أن وجهتنا ومحطتنا القادمة هي مدينة (خوي) نفسها لكن الباصات التي تقلنا قد غيرت مسارها في الظلام وأتخذت طريقا" آخر خارجي صحراوي ووعرعلى مشارف المدينة وتحيط به التلال العالية مما أثار أستغرابنا، بعد مرور اكثر من ثلاث سـاعات على مغادرتنـا ارومية توقفت السيارات امام ما يشبه معسكر للجيش تضئ واجهته بعض الأضوية الباهتة وفي واجهته كتبت لوحة بالفارسية ( أوردكاه خوي ) أي معسكر خوي، وهو سجن سابق في عهد الشاه وحولته الحكومة الأيرانية الحالية الى معسكر لللاجئين كما علمنا لاحقا"

هبط الجميع من الباصات التي أقلتنـا تحت أنظار حرس الثورة والمخابرات الأيرانيـة ووقفنـا في طوابير ننتظر التعليمات من أدارة المعسكر، نسيم الهواء الصحـراوي الليلي يلطف الحرارة بعض الشئ، الوقت يوشر الى منتصف الليل تقريبا"، عددنا تجاوز المائة والخمسين لاجئا"، تحرك الطابور بناء على التعليمات تحت حراسة حرس الثورة وكأننا أسرى حرب في المعسكرات النازية، طلب من الجميع السير في طابور طويل حتى تم إيقافنا امام باب حديدية طليت بلون بني غامق تؤدي الى ساحة كبيرة، فتحت الأبواب وطلب من الجميع الدخول وأقفلت الأبواب خلفنـا وكأننا في سجن، إنها ساحة على شكل مستطيل مكشوفة من الأعلى ومكونة من اربع جدران عالية بنيت من الطابوق الأحمر وتنتهي بالأسلاك الشائكة ولا تتجاوز مساحتها أربعون مترا" طولا" وعشرين مترا" عرضا"، الأرض حصوية ترابية، محيط الساحة وبعرض مترا" واحدا" بني من الكونكريت مخصص للسير، القاعة خالية تماما" لا تتوفر فيها أفرشة للنوم ولا ماء أو أكل ولا مرافق صحية، التعب أصاب الجميع في هذه الليلة، النساء والرجال والأطفال والشيوخ أفترشوا الأرض للنوم في العراء، الأجسام متلاصقة مع البعض، أقتربت العوائل من بعضها وأتخذ العزاب جانبا" آخر والعديد منهم قد أسند ظهره للحائط للنوم لضيق المكان، حصلت أم سوزان على صحف أيرانية قديمة تم فرشها على الأرض لكي نحاول النوم فوقها، الفجر في المناطق الصحراوية يكون باردا" نسبيا" ولا يمكن النوم بدون أغطية، أتخذ غالبية اللاجئين وضع القرفصاء للحصول على دفئ كاذ ب، تبرعت أحدى السيدات القريبات منا بأحد الشراشف وقامت بتغطيتنا مشكورة حتى الصباح بعد ان لاحظت معاناتنا، الجميع يلعن الساعة التي دخل فيها ايران والحكومة الأيرانية على تشجيعها العراقين على اللجوء ولم تقدم لهم أبسط المساعدات الأنسانية بالرغم من مساعدات الأمم المتحدة الممنوحة لللاجئين، آخرون يندبون حظهم العاثر الذي أوصلهم الى هذا المكان، الأطفال يتباكون من الجوع أمام ادارة المعسكر دون ان تحرك ساكنا" ، أنه سجن بكل معنى الكلمة !!!! يذكرنا بسجن نقرة السلمان الصحراوي في محافظة المثنى في جنوب العراق .

في الساعة التاسعة من صباح اليوم التالي فتح حرس الثورة باب الساحة الحديدي وأطل علينا بعض الحرس المسلحين حاملين معهم أكياس تحتوي على الخبز وترامس الماء وقد ملئت بالشاي، ووزع لكل لاجئ رغيف من الخبز وبقي الشاي في مكانه لعدم توفر الأقداح للشرب حتى بدأت بعض العوائل بأخراج ما يحملونه من علب بلاستيكية أستعملت لشرب الشاي وتعاون الجميع على استعمالها بسرعة ليترك المجال للآخرين، في كردستان وفي الظروف الصعبة التي كنا نعيشها كان الشاي متوفر لكل الأنصار ولأكثر من ثلاث وجبات ولذلك أدمن الجميع على شربه في أوقات محددة بعد وجبات الطعام، هنا تغيرت المواعيد وأخذنا نشعر بالصداع الشديد عند تأخر وقت تناوله، ذهبنا الى خارج الساحة لنلقي نظرة على المعسكر الذي سنقظي فترة من حياتنا فيه لا نعرف كم ستطول .

معسكر خوي عبارة عن أرض منبسطة تحيط بها الأسلاك الشائكة والمحروسة بشدة من قبل حرس الثورة الأيرانية المدججين بالأسلحة الرشاشة، وعلى مسافة من هذه الأسلاك هناك سلسلة (جبال أفرين) الجرداء الرمادية اللون العالية التي تحيـط بالمعسكر من كافة الجهـات والتي تتداخل مع سلسلة جبال أخرى ضمن الحدود التركية ولا يمكن بأي حال ان يفكر الأنسان بتسلقها لأن نتيجة هـذه المغامرة هـو الموت الحتمي  بسبب الأرتفاع الشاهق والقطوع الصخرية الحادة والحيوانات المفترسة، مدخل وبوابة المعسكر محروسة من قبل الأمن الأيراني وحرس الثورة وهم يحملون أسلحتهم، مجموعة من الغرف الصغيرة المتلاصقة حولت الى أدارة لتوزيع الطعام وخزن التموين، قاعة واحدة مكشوفة محاطة بجدران ملساء قضينا ليلتنا السابقة بها، غرف نوم قذرة فارغة من كل أفرشة وجدرانها تحمل تواقيع ورسوم السجناء الذين سكنوها سابقا" مع بقع حمراء قد تكون دماء لبعض السجناء، بين كل غرفتين مرافق صحية قذرة ايضا" تفتقر الى المياه، شارع واحد نصف ترابي يمر بجانب الغرف تسير عليه سيارات ادارة المعسكر والدوريات العسكرية وتنقلات المسؤولين فيه، لا أثر للحمامات أو المياه الصالحة للشرب او الخدمات الصحية داخل المعسكر، حنفيات ماء غير صالح للشرب موزعة في الخارج ولا يعرف مصدر مياهها محملة بالحصى الناعم والرمال .

الوقت قارب الظهيرة وأخذت درجة الحرارة بالأرتفاع تدريجيا" وأخذ البعض يشعر بصعوبة التنفس بسبب ما يملكون من مشاكل صحية مختلفة وخاصة المدخنين منهم، المدمنين على التدخين يبذلون جهود كبيرة للحصول عل السكائر وبشتى الطرق، وزعت كل عائلتين في غرفة واحدة لا تتجاوز مساحتها ثلاثة أمتار مربعة ونظرا" لتنوع اللاجئين من الناحية القومية والدينية والأجتماعية وللظروف النفسية التي يمرون بها والصعوبات التي مروا بها في طريقهم الى أيران بدأت تظهر المشاكل بينهم منذ الساعات الأولى، وكحل مؤقت لذلك أضطرت أدارة المعسكر الى تقليص عدد العوائل لتصبح كل عائلة في كل غرفة واحدة ووزعت بطانية عسكرية ووسادة واحدة لكل فرد، أعداد اللاجئين بأزدياد يوميـا" ولا يتسع المعسكر لهـم، درجة الحرارة لا تطاق، الغرف تفتقد الى المراوح والماء وكان البعض منا يفضل الخروج من الغرف ليقف في ظل البناء عسى ان يحصلوا على نسيم الهواء ويغسل رأسه بالماء، لقد شربنا في الجبال والوديان التي مررنا بها في طريقنا لكردستان المياه القذرة وعلينا الأن ان نجرب هذه المياه فليس هناك من حل لهذه الحالة.

توفير الطعام الى اللاجئين هي المشكلة الرئيسية التي يعاني منها اللاجئين في المعسكر، فمع تزايد اعداد اللاجئين بعد وصولنا الى عدة آلاف في خلال أسبوعين تضاعفت الأزمة وكان يتحتم علينا الجلوس في الصباح الباكر لنقف في طوابير طويلة حتى نحصل على رغيف خبز لكل لاجئ مع قطعة صغيرة من الجبن هذا أذا حالفنا الحظ ووصلنا في الوقت المناسب قبل ان يغلق باب غرفة توزيع الخبز لنعود بخفي حنين ونتيجة لذلك فضل غالبية اللاجئين الأستغناء عن وجبة الفطور صباحا" والتركيز على وجبة الغداء فقط رغم بساطتها.

كانت وجبات الطعام توزع في البداية على العوائل في غرفهم في صحون معدنية وعلى شاكلة توزيع وجبات الطعام على السجناء ويبدو ان العاملين في المعسكر لديهم خبرة في ذلك سابقا" عندما كان المعسكر سجن للسجناء العاديين وحول فيما بعد كمعسكر لللاجئين العراقيين، لاقت عملية توزيع الطعام ونوعيته الرديئة أعتراض جميع اللاجئين ولجأت الأدارة كحل لذلك لتوزيع المواد الأولية أسبوعيا" وهي عبارة عن توزيع الفاصولية اليابسة والحمص واللوبياء الجافة وقليل من معجون الطماطة والسكر والشاي ووفرت ادوات طبخ بسيطة ومدفأة نفطية لكل عائلتين ولكل عائلة الحرية في تهيئة الطعام بالشكل الذي تراه مناسبا" لها كما وكنا نقضي الساعات الطويلة لتحضير الطعام على حرارة المدفأة ونتيجة لذلك حدثت مشاكل بين العوائل بسبب ان كل منها تريد ان تطبخ على مزاجها وبالوقت الذي تراه مناسبا" لها غير مبالية بوقت الآخرين .
انها معاناة يومية يمر بها اللاجئين تدل على سوء ادارة المعسكر وقلة المساعدات الغذائية الأنسانية، بدأ التذمر يظهر على البعض منهم مما دفعهم الى محاولة الهروب من المعسكر بعبورهم الأسلاك الشائكة وتوجههم نحو الجبال الشاهقة المحيطة بالمعسكر عسى ان يجدوا منفذا" نحو الحرية وفشلت محاولاتهم بالطبع بعد مطاردتهم من قبل حرس الثورة ووقعوا في الأسر مرة أخرى وتمت معاملتهم معاملة قاسية وتعرضوا للتعذيب.

بعد أيام ونتيجة لتزايد اعداد اللاجئين بدأت ادارة المعسكر بفصل العوائل المكونة من الزوج والزوجة والأطفال دون الخامسة عشرة من العمر عن الشباب العزاب غير المتزوجين الذين تجاوزت اعمارهم الخامسة عشرة حتى لو كانوا مع أهلهم وتنظيم قوائم بأسمائهم لغرض نقلهم الى معسكرات أخرى خاصة بالشباب وتخفيف الضغط على معسكر خوي مما اثار غضب جميع اللاجئين وحدثت مشكل كبيرة بين هذه العوائل وادارة المعسكر حيث أرسل هؤلاء الشباب الى معسكرات أخرى خاصة بالعزاب موزعة في مناطق عديدة من أيران وتمت معاملتهم بقساوة وتعرضوا الى التعذيب خاصة مع الذين أعترضوا على سوء الخدمات المقدمة لهم وأتهم بعضهم بالتجسس لصالح النظام العراقي أنتقاما" منهم.

نتيجة لهذه الحالة المأساوية أصيب الجميع في المعسكر بسوء التغذية، لا أثر لحليب الأطفال أو الفواكه علما" ان المنطقة مشهورة بزراعة الفاكهة، لم نذق طعم اللحوم طيلة بقائنا في هذا المسكر، الماء غير صالح للشرب أدى الى ظهور أمراض معوية حادة، عدم توفر المياه والحمامات لغرض الأستحمام طيلة أكثر من اسبوعين وفي هذا الجو اللاهب والرمال أدى الى ظهور أنواع مختلفة من الأمراض الجلدية، المشاكل مع أدارة المعسكر يومية وتجابه بالقمع، راديو ايران باللغة العربية يدعوا العراقيين كل ساعة للتوجة الى جمهورية أيران الأسلامية حيث الرعاية والأهتمام من قبل الحكومة الأيرانية، استمر الحال في المعسكر على هذا المنوال لغاية نهاية شهر آب / 1986 تقريبا"

قبل نهاية شهر آب بأيام وصلت عدة لجان تحقيقية للتحقيق مع اللاجئين لغرض تحديد مصيرهم ومستقبلهم وبدأت هذه اللجان بالتحقيق وحسب القوائم المعدة مسبقا" أعتبارا" من صباح يوم 31 / آب / 1986 وهذا ما سنتحدث عنه في الحلقة القادمة .

 

يتبع