من الذاكــرة .. أيام صعبـة بإتجـاه الوطـن 15 / فائز الحيدر 

معسكر اللاجئين في جهرم

الفصل الخامس عشر

في الساعة الثانية عشرة من ظهـر يـوم الثامن عشر من أيلـول/ 1986 طلب من جميع اللاجئين الركـوب بالباصات التي تمت تهيئتها مسبقا" لنغادر مخيم ( وارمين ) القريب من طهران متوجهين الى مخيم (جهرم) الواقع في الجنوب الغربي من أيران، كانت الحرب المجنونة قد أخذت أبعادا" خطيرة وبدأ الجانبان العراقي والأيـراني بأستخـدام صواريـخ سـكود الروسـية الصنع بضرب أهـداف منتخـبة في كـلا الجانبين، الطيران العراقي يواصل غاراتـه اليوميـة على المدن الرئيسـية مثل طهران، قـم، أصفهـان، شـيراز لتدمير المرافق الحيويـة فيهـا، أحيـاء سـكنية، محطـات بترول، أسـواق عـامة، سـكك الحديـد، محطات الكهربـاء، خزانات المياه قـد حولت الى أنقاض، البؤس واضـح على وجـوه المواطنين البسـطاء والويل لمن يبدي تذمرا"، خيـم عسكرية كثيـرة موزعـة على أرصفة الشـوارع في عـدة مدن مررنا بهـا تدعـوا المواطنين للتبـرع بالمال والدم والتطوع في الجيش، مشاهد الدمار نشاهدها في كل مكان خلال رحلتنـا الطويلة، لا أحـد يعلـم متى تنتـهي الحرب، البعض من الأيرانين الذين ألتقينـا بهم يعـولون على هـذه الحرب ويأملون ان تسـاعد هـذه الحرب على أسقاط النظام الأيراني ويعـود السلام بين البلدين كما كنا نحن العراقيين نأمل من هـذه الحرب أضعاف أو أسقاط صدام حسين ونظامه العفن، البعض من الأيرانيين بعدما عرفـوا إننا لاجئين عراقيين أخذوا يسألونا بأستغراب لماذا طلبتم اللجوء الى أيران دون غيرها من البلدان وأنتم تعرفون ما هي حقيقة النظام الأيـراني والذي لا يختلف من حيث الجوهـر عن النظام العراقي الدكتـاتوري، وبالطبع كنا نكتفي بالصمت دون ان نعلق بشئ على هذه الأسئلة بسبب عدم معرفتهم حقيقة الظروف التي مررنا بها وأين كنا .

تقع مدينة (جهرم) على مسافة 1158 كم جنوب غرب طهران، و200 كم جنوب محافظة (شيراز) مركز محافظة فارس وتعتبر من أقدم المدن الأيرانية التاريخية وقد بنيت من قبل ممثل الخليفة (خورشاه) تحيط بها سلسة جبال ( سافيدار) من الشمال الغربي، مناخها حار جـدا" صيفا" ويقع فيها أكبـر وأوسع معسكرات الللاجئين العراقيين وتضم بشكل خاص الأخوة الكرد الفيلية وسـكان الأهـوار والقصبات المحاذية لأيران المتهمين بالتبعية الأيرانية، ويمتد عمر (جهرم) ما يقارب 2500 عام وسـكانها من أصل ( آري) هاجروا عبـر قـرون عديـدة مضت، يبلـغ عـدد سـكانها أكثر من تسـعون الف نسمة في ذلك الوقـت، تنمـو فيهـا النباتات الاستوائية وشبه الأسـتوائية مثل النخيل والحمضيات والحنطة والشعير والحبوبيـات ويقال ان فيها اكبـر كهف صنـع بيـد الأنسان وهـو كهف ( سانك شيكان )، غالبية سكانها من المسلمين الشيعة ويتحدثون الفارسية .

عندما بـدأ النظام الدكتاتوري البائـد بأبعـاد الأخـوة الكرد الفيلية الى الاراضي الأيرانية بأعتبارهم من التبعية الأيرانيـة حاولت الحكومة الأيرانيـة منعـهم من الدخـول الى أراضيـها بأعذار شتى لممارسة الضـغط على الحكومـة العراقيـة أمام المجتمع الدولي ولكن نتيجـة الضغوط الداخلية والدولية لجأت لفتح عدة مخيمات في مناطق صحراوية معزولة في أيران وأخرى حدودية تفتقد الى ابسط شروط المعيشة والحياة الأنسانية وعانى الأخـوة الكرد الفيليـة المبعدين خاصة واللاجئيـن العراقيين عموما" مأسـاة حقيقية في هذه المخيمات وأستشهد منهم العشرات.

ومخيـم (جهرم) أحـد هـذه المخيمات العديـدة في صحراء جنـوب أيران، وهـو معسكر قديم للجيش الأيراني محاط بسلسلة من الجبال المعقـدة المتداخلة تشرف على المخيـم عن بعـد ومن كل الجهات وكذلك بالأسلاك الشائكة وتحت حراسة مشددة من قبل حامية عسكرية خاصة اتخذت من بنايات عدة مجاورة للمخيم مقرا" لها، الجو في جهرم حارلا يطاق في النهار وبارد في الليل.

دخلنـا مدينة جهـرم صباح يـوم 19 /أيلول/ 1986 وأتخـذت الباصات طريق خارجي بأتجاه شـرق المدينة ولمسافة زادت عن عشـرة كيلومترات عند ذاك توقف رتل الباصات الذي يقلنا في الساعة السابعة والنصف امام مخيم جهرم ( أوردكاه جهرم ) وكان بأنتظارنا الكثير من اللاجئين العراقيين الذين سبقونا بالوصول الى هذا المخيم ومنهم الأخ والصديق (عبد الخالق) وعائلته وهم من أهالي كركوك وربطتنا بهم علاقة وثيقة في معسكر خوي (أوردكاه خوي ) القريب من الحدود التركية، استقبلنا عبد الخالق وكأننا في مواجهة لسجناء احد السجون العراقية.

المنفذ الوحيد للمخيم الذي يقع تحت حراسة مشددة من قبل حرس الثورة ( الباسداران ) نحو الخارج هوالباب الرئيسي لدخول المخيم المكون من غرفة مساحتها لا تتجاوز الخمسة أمتار مربعة خاصة بمسؤول ادارة المعسكر والأستعلامات وبعض الحرس لمراقبة دخول وخروج المقيمين في المخيم وفق تصريحات خاصة.

من الباب الرئيسي للمخيم هناك ساحة دائرية صغيرة ( فلكة ) أمام الباب الرئيسية يمتد منها شارع يبلغ طوله حوالي ثلثمائة متر وينتهي عنـد سـاحة كـرة القـدم في نهايـة المخيم، تقع على جانبي الشـارع مجمـوعة من الدكاكين الفقيرة البائسة المصنوعـة من الأخشاب والصفائح المعدنية ( الجينكو ) والتي أتخـذ منهـا بعض سكان المخيم المقيمين محلات لبيع الخضروات واللحوم والحاجات المنزلية البسيطة، وكلما تقدمنا الى الأمام نرى عدة بنايات مغلقـة وهي من مخلفات معسكر الجيش السابق وتقع لجـوارها مبنى الحسينية على جـهة اليمين ويقابهـا على اليسار وبجانب ساحة كرة القدم المسرح العسكري المغلق منذ سقوط نظام الشاه والذي يفتح في حالات خاصة لعقد الأجتماعات وتنفيـذ عقوبات (جلـد النساء) التي تصدرها المحاكم الشرعية وغسل أدمغة الشبان البسطاء المغرر بهم للتطوع للجبهة ونتيجة لذلك استشهد اكثر من 60 % من هؤلاء الشباب بعد أن وضعت على جباههم الأشرطة الخضراء ومفاتيح الجنة ليصلوا الى حتفهم في الحرب التي تدور حينها. يجاور المسرح العسكري ساحة ترابية واسعة حولها شباب المخيم المبعدين الى ساحة لكرة القدم لممارسة رياضتهم المفضلة بعد ان قاموا بتنظيفها وأعدادها للقيام بمباريات ودية بين الفرق المحلية وقضاء الوقت.

 لم تجري أي تسجيل للأسماء وتم الأكتفاء بالقوائم التي تم أعدادها خلال تواجدنا في مخيم (خوي ووارمين) السابقين، توجه الجميع الى داخل المخيم عبر مكتب الأستعلامات وتم التأكد من الأسماء في القوائم الجاهـزة وبعـد الظهـر تم توزيع جميع اللاجئـين على أماكن ســكنهم وأتخـذت كل عـائلة غرفـة صغيـرة مساحتها لا تتجاوز 3× 4 متر مربع وخالية تماما" بأنتظار رحمة أدارة المخيم وما سيوفرون لنا من حاجيات ضرورية للأستقرار المؤقت في هـذا المخيم، هـذه الغرف المتجاورة الرطبة تفتقـد الى أبسط الشـروط الصحية، لا أثـر لوجود الماء الصالح للشرب ومصدر شرب الماء الوحيد هو الحنفيات الموزعة داخل ساحات المخيم والتي تم نصبها بعد وصولنا ومصدرها الأبـار الأرتوازية وهي مملـوءة بالرمال والحصى والديدان ونتيجـة لأستعمالهـا أصيب الكثيرون من اللاجئين بآلام في المعدة والأسهال في الأيام الأولى لوصولهم لذلك لجأ اللاجئون الى غلي الماء قبل شربه.

لم نذق الطعام منذ ليلة أمس وأصاب الجميع الجوع والأرهاق، أسرع الصديق (عبد الخالق) ليجلب لنا رغيفين من الخبر وهو ما تبقى من حصة الخبز لعائلته لهذا اليوم مع خيارتين صغيرتين وترمس شاي وكان لها أثر كبير للتخفيف من الجوع الذي كنا نعاني منه.

بعد الساعة الخامسة عصرا" نودي على اللاجئين بالأصطفاف في طوابير وبدأ بتوزيع البطانيات العسكرية القديمة القذرة على اللاجئيين وهي من مخلفات معسكر الجيش السابق ثم تبعها توزيع الدواشك الأسفنجية  الخفيفة المتهالكة حيث لم نكن نملك غير ملابسنا الشخصية وهي الشروال الكردي والقميص وهي للنوم وممارسة الحياة اليومية وظن الكثيرون بأننا من القومية الكردية .

يبلغ عدد سكان المخيم أكثر من ألفين شخص غالبيتهم من العوائل المهجرة من أهالي أهوار جنوب العراق والمناطق الحدودية المجاورة لأيران وهذا العدد في تزايد عندما تصل أعداد من اللاجئين الجدد او ينقص بمغادرة اللاجئين لهذا المخيم بعد انتهاء الأجراءات التحقيقية.

في اليوم الثاني أخذت أدارة المخيم بتوزيع الطعام على اللاجئين في غرفهم وكأنهم سجناء ينتظرون السجان لتوزيع وجبات الطعام في أوقات مختلفة وهي عبارة عن رغيف من الخبز لكل فرد يوميـا" وقليل من التمـر واللبن وأستمر الوضع على هذا الحال لعدة أيام حتى فتح في كل قاطع من المخيم ما يشبه حانوت صغير يتم من خلاله توزيع الأحتياجات الضرورية الأخرى مثل أدوات الطبخ ومواد تموينية مكونة من الحبوبيات مثل الفاصوليـا اليابسة واللوبيـاء الجافة والعـدس والحمص وقليـل من السكر والشاي ومعجون الطماطا و25 غم من الجبن لكل لاجئ كل اسـبوعين ويبـدو انهم يوزعون هـذه المواد التموينيـة في كل المخيمات لمقاومتهـا التلف وسهولة خزنها.

أصبحت هذه المـواد توزع بالكوبونات كل اسبوعين أضافة الى رغيف خبـز لكل لاجئ يوميـا"من فرن الخبز الواقع بجانب حسينية المعسكر وهو المصدر الوحيد لتوزيع الخبز لسكان المخيم وفق كوبونات خاصة وعلى كل لاجئ ان يقف ساعات طوال في طابور طويل تحت الشمس المحرقة للحصول على حصته من الخبز وفي حالات عدة وبعد ساعات من الأنتظار لم يحالفنا الحظ بالحصول على حصتنا من الخبز، و خلال فترة تواجدنا في المخيم شهدنا تنفيذ عقوبة ( جلد ) بشعة على أحد العاملين في هذا المخبز على الطريقة الأسلامية من قبل القضاء الأيراني ليكن درسا" لغيره من سكان المخيم وهذا ما سنتحدث عنه لاحقا" .

لم يذق اللاجئين طعم اللحم لعدة أشهر وهي فترة بقائنا في المخيم بسبب وكما يدعون أن الأمام الخميني قد قال في أحدى خطبه أن المسلمين في عهد النبي محمد كانوا لا يأكلون اللحوم الا في المناسبات واذا تناولوهـا فلمرة واحدة في السنة وتم نقل هذا الحديث الى اللاجئين بعد أن طالبوا بتحسين الأكل وتوفير اللحـوم وعلى اللاجئين وغيرهم ان يدركوا هذه الحقيقة وعدم التحدث بهـذا الأمر مجـددا" في المستقبل ونظـرا" لأحتفاظ السلطات الأيرانية للمبالغ التي كان يحملها اللاجئون اصبح من الصعوبة عليهم شراء أي حاجة من الدكاكين الموجودة في المخيم أو خارجه لتحسين تغذيتهم وتغذية أطفالهم واصبح اعتمادنا كليا" على طعام المخيم

لقد كان أمل اللاجئين العـراقيين الذي انقطعت بهـم السبل وتركـوا وطنهم وطن الآبـاء والأجداد هـربا" من النظام الدكتاتوري والاضطهاد ناشدين الحرية والأمن، أنهـم متـوجهين الى دولـة اسـلامية ستوفر لهـم الحـد الأدنى مما تفرضه القوانين والانظمة الدوليـة معززة بالخدمات الانسـانية، لكنهم حصلـوا العكس فأصبحـوا سـجناء لا يحق لهـم العمل والتجـول في البلاد ومحرومون من الرعاية الصحية والتعليم والسكن اللائق الذي توفرها الدول الغربيـة المسيحية ( دول الكفر ) لكافـة اللاجئين مهما كان دينهـم أو بلـدهم أو قوميتهم فبمجرد وصولهم أراضيها وقبل منحهم حق اللجوء الانساني، وقد تمادت السلطات الأيرانية لدرجة انها قطعت الماء والكهرباء والأكل عن أحد مخيمات اللاجئين العراقيين الخاصة بالشباب العزاب في ايران الاسلامية ولعـدة أيام وفي شهر رمضان والتي تظم أكثر من 4500 لاجئ عراقي لكونهم قد طالبوا بحقوقهم الأنسانية التي تنص عليها مبادئ الأمم المتحدة.

فقد أصبح ( المجلس الأعلى للثورة الأسلامية ) في ايـران والذي يدعي الدفـاع عن العراقيين وتمثيلهـم في خارج العراق في عزلة تامة عن الجماهير المعذبة من اللاجئين العراقيين، كانوا وهم في منازلهم الفاخرة في شمال طهران ومدينة كرج لا يشعرون بمعاناة سكان مخيمات اللجوء الإيرانية البائسة !! ولا بمعانـاة الشباب العراقي المثقف الذي كان يعاني العوز والبطالة والمرض ويضطرون للعمل ساعات طويلة مرهقة في البناء وحقول الطماطة والخضار وبساتين النخيل والبرتقال والفواكه في مخيمات ( جهرم ) و ( أزنا ) و ( كرج ) و( خرم آباد) وغيرها.. إنها أيام قاسية عاشها الجميع ولمسنا معاناة الشباب ومدى عزلة أهل ( العمائم ) عنهم وعن معاناتهم، لقد كانوا يتاجرون بدماء الشباب العراقي المغرر به الذي كان يقتل على جبهات الحرب العراقية ليدفنوا كغرباء في مقابر ( الغرباء )..

الحيـاة لا تطاق في المخيـم، اللاجئييـن من أطياف وأديـان وأفكار مختـلفة ولا يمكن الأندماج معهـم بسهولة خاصة ونحن قادمين من فصائل الأنصار وعلينا ان نلتزم الحـذر في كل خطـوة نخطـوها وفي أي حديـث نشارك بعدما علمنا ان الأمن الأيراني قد نشر عناصره بين اللاجئيين لمعرفة أية اخبار عن تحركاتهم، بعد أسابيع وفي هذه الظروف ألتقينا فجأة مع أحـد الأخـوة الأنصار من فصيلنـا في حماية قاطع بهدينـان وهـو النصير (وليـد) وهـو من أهالي ألقوش مع عائلته وقـد سمعنا عنه الكثير من الأخبار بعـد مغادرته الحركة الأنصارية ولا ندري مدى صحتـها، لم نستطع تجنبه ولكـن كان خوفنا وترددنا مشتركا"، أوصيته بالحـذر وعدم اللقاء بنا ألا عند الظرورة وتجنب الحديث عن الأنصار في أي تحقيق قادم وهذا ما حصل .

ليس هناك ما نفعله في المخيم، تسليتنا الوحيدة هي قراءة الكتب المتوفرة في حسينية المخيم وغابيتها دينية والتي تم أختيارها بعناية لغسل ادمغة اللاجئين، أخذنا نستعير بعض هـذه الكتب لمعرفة رأي الأسلاميين في كثيـر من الأمور والمسائل الحساسة مثل (فلسفتنا، أقتصادنا) للأمام محمد باقر الصدر، أما قبل الغروب فكنا نشاهد مباراة كـرة القـدم بين الفرق المحلية لأبنـاء اللاجئين أو نتطوع لمساعدة العاملين في الحانوت على توزيع المواد التموينية على اللاجئين.

كانت حسينية المخيـم قد نصبت العديـد من مكبـرات الصوت في كل زاويـة من زوايا المخيم وتعمل طوال الليل والنهـار وبصوت عال وحـولت نومنـا الى أرق دائم من فجـر كل يـوم وحتى ساعة متأخرة من الليل، الدعـوة الى الصـلاة، قراءة الحسينيات واللطم، قصة مقتـل الحسين وآل البيت، الدعـوة للتطـوع في الجيش ومقاتلة الأسـتكبار العالمي وتجنب المحـرمات وما أكثـرها في أيران، حـرام مصافحة ابن العم، حرام لعب الشطرنج، حرام جمع الطوابع، حرام جمع الصور، حرام لبس الأربطة والبدلات لأنها من صنع الأستكبار العالمي الكفار، حرام مطالعة الكتب غير الدينية... الخ

في أحـدى الدعـوات وعبر مكبرات الصوت في الحسـينية دعي الشباب المحسوبين على التبعيـة الأيرانية المقيمين في المخيم وغالبيتهم من سكان الأهـوار ومن العوائل المعـدمة والذين لا تتجاوز أعمارهم الخمسة عشرة سـنة الى التطوع في الجيش والذهاب الى الجبـهة وكان غالبية هؤلاء الشباب من لاعبي كـرة القـدم الجيدين، ففي النهار يكدحون كعمال أجرة في بساتين النخيل والبرتقال وبناء البيوت وتنظيف شوارع المدينة لمساعدة عوائلهم الفقيرة المعدمة وفي المساء يمارسون هوايتهم في كرة القدم، تحدثت الى أحدهم مرة وكان يأمل ان يكون لاعبا" مميزا" في الفريق العراقي اذا سمح له النظام العراقي يوما" بالعودة الى وطنه العراق، كان عـددهم تجـاوز العشرين شـابا" وتم أختيارهم لصغر اعمارهم وخفة أوزانـهم وللياقتهم البدنية لغرض السير على حقول الألغام العراقيـة وفتـح الطريق أمام القوات الأيرانية المهاجمة وقـد سبقت هـذه الدعـوات ممارسة مختلف انـواع الضغط والتهديد عليـهم وعلى عوائلـهم لأجبارهم على التطوع لهذا الغرض وبذلك افرغ المخيم من اللاعبين وتوقفت مباراة كرة القدم وتوجه هؤلاء الشباب المساكين الى الجبهة بدون تدريب يذكر وهم يحملون الخرق الخضراء حول جباههم وتحته مفتاح الجنة كما قيل لهم وبعد اقل من ثلاثة اسابيع عادت جثثهم أشلاء مقطعة في اول معركة دخلوها.

 خيم الحزن في كل انحاء المخيم وأخذت سماعات الحسينية تمجدهم بأعتبارهم شهداء وان أستشهادهم كان من أجل الحسين، أنها مأساة حقيقية ومهزلة بكل معنى الكلمة، بعد عدة أيام من تشييعهم في المخيم شاهدنا صورهم وبشكل سري عند الصديق مصور المخيم الذي حصل على صورهم بعد أستشهادهم وهم مقطعي الأوصال ومشوهين وتأكل بهم الحيوانات المفترسة في ساحة المعركة وتم التعرف عليهم من الأرقام المعلقة في أعناقهم، عندها لم نتمالك أنفسنا وأصبنا بأعياء شديد لازمنا عدة أيام لهذه المشاهد البشعة ومن المسؤول عنها.

في 21 / ايلول / 1986 تم توزيع فورمات على جميع اللاجئين لغرض ملئها وتشمل على معلومات شخصية عن كل لاجئ، وبعد اسبوع تم استلام موعد من ادارة المخيم للذهاب الى وزارة الداخلية في طهران وهذا ما حدث للجميع لغرض اجراء تحقيق آخر هناك لا يختلف عن التحقيقات السابقة في معسكر خوي.

في 13 / 10 / 1986 وصلت الى المخيم لجان تحقيقة لغرض أجراء تحقيق مع كل اللاجئين من جديد وأصبحت لنا خبرة في مثل هذه التحقيقات وما يجب ان نقول حفاضا" على أسرار الوطن وعدم الطعن به والتركيز على الطعن بصدام حسين وأدانة نظامه الدكتاتوري .

يتبع

 

http://www.yanabe3aliraq.com/index.php/2017-01-23-16-10-51/2017-01-23-16-11-57/14373-2019-04-19-08-56-38