أوراق أنصارية من الزمن الصعب مذكرات الفقيد النصير سلام الحيدر ( د. أبو تانيـا )/ إعداد فائز الحيدر

فصيل الأعلام المركزي

الفصل السادس

العودة الى كردسـتان / ليلكـان 1

 بعد عدة أيام من بقاءنا في أيران كنت ضمن أول مجموعة مكونة من عشرة رفاق تعود الى كردستان، كانت الرحلة متعبة، الجو بارد جدا"، المطر يهطل بغزارة مصحوبا" بذرات من الثلج، المنطقة خالية من الأشجار كليا" ولا يوجد شئ يمكن أن نحتمي به ولم يكن أمامنا من خيار سوى مواصلة السير في هذه الظروف وبدون أستراحة متوجهين لهدفنا، بعد ساعات من مسيرة شاقة وصلنا الى مقر سرية روست وكان آمرها الرفيق الشهيد ( خضر كاكيل ) الملقب ببطل أقتحام الربايا، في هذه السرية ألتقيت مرة ثانية برفاقي الذين عايشتهم في اليمن الديمقراطية في محافظة عتق، وعلمت من الرفيق ( أبو عسكر ) بأن الرفيق ( أبو شاكر ) قد جرح في معارك بشت ئاشان بطلقة في يده وجرح ( أبو نشأت ) بعد سقوطه من سفح جبل بكسور في الحوض وقد سافرا الى سوريا للعلاج ولم أعرف أخبارهم فيما بعد.

أزدحم مقر السرية بالرفاق القادمين من أربيل للمشاركة في المعارك ولكن كان وصولهم متأخرا" وكان بينهم ( ملازم خضر / أبو عايد ( نعمان علوان سهيل ) و ( محمود الحلاق )، ورفاق جدد من القامشلي.

كان جميع الرفاق مشغولين بالأحداث ويتابعون الأخبار ويستقبلون أي رفيق جديد لمعرفة المزيد من المعلومات، غرف المقر وسطوحها والخيم العديدة التي تم نصبها أزدحمت بالوافدين الجدد.

لم أمكث طويلا" في روست فبعد أيام أبلغني الرفيق ( مام خضر روس ) بالأستعداد مع عدد من الرفاق بالتوجه للعمق لأستطلاع أماكن جديدة تصلح كمقرات للمكتب السياسي والأعلام. ويلقب الرفيق مام خضر بـ ( روس ) لكونه درس في مدرسة حزبية في الأتحاد السوفياتي وسمعت ولا أعرف دقه الخبر بأنه الوحيد الذي نجى من الموت من ضمن أثنا عشر رفيقا" أكملوا دراستهم الحزبية في الأتحاد السوفياتي وبلغاريا وعادوا الى العراق عبر كردستان وقد أستشد الجميع بعد أن أطلق عليهم النار من قبل المجرم ( عيسى سوار ) .

الرفيق مام خضر متمرس بالعمل الأنصاري منذ السبعينات وعلى دراية بمناطق ( أرموش وليلكان ) بشكل جيد وهذه المناطق أصبحت مقرات لنا لاحقا" ولسنوات عديدة وعلى ضوء ذلك أرسلته قيادة الحزب لتولي هذه المهمة وأيجاد ركائز والبحث عن المواد التموينية. تحرك ما يقارب العشرين رفيقا" صباحا"، وبعد مسيرة يوم كامل لا تخلوا من المتاعب وصلنا منطقة لـيلكـان وكانت النواة الأولى لتجمع الرفاق حيث عشت معهم طيلة فترة بقائي في كردستان.

كانت ( قرية ليلـكان) والمناطق المحيطة بها ( لولان ، أرموش ، بيربينان ) أبعد نقطة من الحدود الأيرانية ولكنها محاذية للحدود وقد شغلت هذه المناطق فيما بعد مقرات المكتب السياسي والأعلام وشهدت عقد مؤتمرات الحزب. كان عدد الرفاق قليل في البداية وكل مجموعة أنشغلت ببناء كبرة من أغصان الأشجار لكي تحمينا من الحر الشديد وخوفا" من العقارب المنتشرة في المنطقة بكثرة لكونها منطقة مهجورة منذ زمن طويل مما تحتم علينا عمل أسرة عالية ننام عليها ليلا"، ولصعوبة الظرف في ذلك الوقت كنا نوقد النار ونتبادل الأحاديث ونتسلى ونمازح بعضنا البعض ونمارس هواية صيد العقارب، كان بعض من الرفاق يعملون ثقب في الأرض ويمدون فيه خيطا" رفيعا" تتعلق به العقارب ونعمل مسابقة وجائزة لصاحب الحظ في صيد أكبر عدد منها.

 أتذكر في أحد الأيام ألتحق بنا شاب عمره خمسة عشر سنة ومن عائلة شيوعية ومن أقرباء الفقيد الرفيق سليمان شيخ محمد حاجي ( أبو سيروان )  ويعمل في فرن للخبز، كان حرك جدا" ويتكلم بسرعة ولا نفهم منه شئ ، في أحدى اليالي وقد أتخذ من صخرة كبيرة وسادة لنومه، قام بعض الرفاق بسحب الصخرة من تحت رأسه ووضعوا مكانها سلحفات ولا أعرف كيف حصلوا عليها وبعد دقائق بدأت السلحفات بالحركة تحت رأسة ففاق مذعورا" وهو يصرخ وذهب الى عمه أبو سيروان يشكوا الرفاق فقال له أبو سيروان أنهم رفاقك ويمزحون معك وعليك الأعتماد عليهم والأنسجام معهم .

منذ الأيام الأولى لوصولنا ليلكان ذهبت مع عدد من الرفاق لتفقد القرى القريبة المحيطة وزرنا عدد من البيوت وأستفسر الرفاق عن المواد التموينية وأسعارها ولحسن الحظ كانت معنا كمية من الأدوية فأستطعنا أن نكسب ودهم بسرعة. وبالقرب من مكان تواجدنا جاء ( شيخ محمد ) وقد عالجته من ضربة شمس وبقيت في داره لمدة يومين فيما بعد، الشيخ محمد شخصية معروفة في أربيل يتقن اللغة العربية جيدا"، يأتي كل صيف من أربيل مع عائلته الى هذه المنطقة وربطتنا معه علاقة ودية دامت فترة طويلة

كان كل من (شيخ محمد وكريم خان) متنفذان وموالين للنظام في المنطقة والأخير قائد للجحوش وقلد من قبل صدام عدة أنواط شجاعة ومع ذلك ربطتنا معهم علاقة جيدة حتى فترة الأنسحاب عام 1988 . كانوا يقدمون لنا المساعدات وأحيانا" معلومات عسكرية تخص المنطقة. في أحدى الليالي أحتلت قوات كريم خان أعلى قمة مشرفة على المنطقة بعد أن أنسحبت قوات حـدك منها وكان بأستطاعتهم وبسهولة ضرب مقراتنا والتي لا يزال قسما" من رفاقنا بها ولكنهم لم يفعلوا ذلك ولكن أطلقوا نيران مدفعيتهم على مقرات حـدك وتواجد الأيرانيين فيها .

كل مساء يرسل الشيخ محمد ولده ليدعونا لزيارته وكان شاب لطيف المعشر ويحبنا كثيرا"، وعادة ما نذهب مجموعة من الرفاق من ضمنهم ( مام خضر ) والرفيق ( فالح عبد الجبار ) الذي كان بيننا في ذلك الوقت ولا يتركنا شيخ محمد ألا بعد أن يقدم لنا العشاء ويؤكد لنا أن القرويين فرحين لقدومكم ويشكرون الدكتورعلى المساعدة الطبية التي يقدمها لهم وزيارتكم للمرضى في بيوتهم.

في أحدى المرات زرنا أحد البيوت لتقديم المساعدة الطبية لرجل طاعن في السن ويشكوا من آلام في ساقه وقد زرقته أبرة B 12 وعالجته نفسيا" وكانت الأبرة مؤلمة فقال أنه شفى تماما" وأخذ يحرك رجله بسرعة ورافقنا الى معظم بيوت القرية ولا أعرف هل كان يفتعل المرض أم كان صادقا".

في أحد البيوت لاحضنا إن صاحبها قد علق صورة كبيرة للدكتاتور صدام ولم يوافق على رفعها من الجدار بالرغم من ألحاح الضيوف وهم بالعشرات وقد أخبروه أن الطبيب سوف يزعل ولا يعالجنا فقام عندئذ صاحبنا الذي يشكوا من آلام الساق ومزق الصورة وقال له الدكتور عربي وما يحب صدام وأنت كردي تحب صدام . كما عالجت عدد من الجرحى، وعند عودتي الى المقر عرفت أن الجرحى هم من الجحوش جرحوا في المعارك مع قوات حـدك، أن هذه المساعدات وغيرها فيما بعد هي التي حركت مشاعرهم الودية نحونا .

بمرور الأيام أزداد عدد الرفاق ووصلت من أيران أعداد من الحيوانات محملة بالمواد التموينية وكانت غالية جدا"، كذلك جاءت أعداد كبيرة من الرفاق الذين أبلغوا الحزب بعدم رغبتهم بالبقاء في كردستان بعد أحداث بشت ئاشان حيث أرسلهم الحزب لغرض توجههم الى سورية وفي نفس الوقت أصبح الرفيق الرفاق ( أبو مكسيم وأبو مصطفى ) ( أبو إسطيف ) و( أبو عباس ) أدلاء جيدين من والى قاطع بهدينان حيث كانوا يرافقون الرفاق المغادرين لكردستان ويرجعون مع حيوانات محلمة بالأسلحة الرشاشة والعتاد وأسلحة أخرى .

في أيران بقيت أعداد كبيرة من الرفاق في حالة أنتظار لحين تنظيم الأمور الأدارية الأخرى وأيجاد مقرات ثابتة سواء في منطقة سوران أو في قاطع أربيل وعلمت فيما بعد أن الرفاق الذين بقوا في أيران كانت تدور بينهم نقاشات حادة وكذلك مع قيادة الحزب حول الأسباب التي أدت الى المأساة وطالب قسما"منهم من قيادة الحزب بالنظر في سياستها حول أمورعدة ولم ينجوا بعض الرفاق القياديين من الأهانة والتجريح، وقد أخبرني الرفيق الفقيد ثابت حبيب العاني ( أبو حسان ) بأن أحد الأشخاص مسكه من ياخة قميصه وسحبه بشدة وأخذ يصرخ هل بمثل هؤلاء القياديين نسقط صدام ؟ وذكر أن عدد من الرفاق أرادوا ضرب هذا الشخص لولا أن الفقيد منعهم من ذلك وشر المصيبة ما يضحك كما يقال فهذا الشخص ليس برفيق بل ملتحق جديد من الناصرية وقد أنهار تماما" وقيل ربما كان مندسا" .

كانت تلك الأيام من الأيام القاسية جدا" على حزبنا وتطلب عمل متفاني من جميع الرفاق لأعادة الأوضاع الى نصابها وأتخذت فيما بعد فعلا" العديد من الخطوات لتحسين العمل الحزبي والعسكري .

أزدحمت المنطقة ليس برفاقنا وحسب بل وصلت أعداد كبيرة من الرفاق من حزب ( تودة ) وأحزاب كردية أخرى حلوّا ضيوفا" علينا بعد أن وجهت أليهم ضربات قاسية وأستشهد العديد منهم . شغل الرفاق ( الهورمان ) من حزب تودة الأيراني وكنا ندعوهم بهذا الأسم لتلافي أي أشكالات مع القرويين مقرات خاصة بهم بالقرب منا وبعدها في ( دراو وأرموش ) وبقي قسم منهم معنا لغاية فترة الأنسحاب عام 1988 .

سافر الرفيق (مام خضر) الى قاطع أربيل ووصل رفاق في قيادة الحزب لتولي مهماتهم الجديدة في القواطع. الرفيق ( كاظم حبيب / أبو سامر ) وقد عايشته في الأعلام لسنوات ثم نسب للعمل كمستشار سياسي لقاطع بهدينان لفترة قصيرة عاد بعدها الى الأعلام بسبب سفر الرفيق ( عبد الرزاق الصافي ) الى الخارج وأوفد الحزب الرفيق الفقيد ( مهدي عبد الكريم / أبو العباس ) الى قاطع بهدينان محل الرفيق أبو سامر كمستشار سياسي للقاطع . أتذكر الرفيق أبو العباس وهو داخل الخيمة يطالع كتاب  الباحثون  للكاتب السوفياتي ( دانيال غرانين ) وأخبرني أنه حصل عليه من أحد الرفاق في الأعلام وأحتفظ به بعد الأنسحاب، كان أبو العباس يذهب كل يوم مع الرفيق سليم إسماعيل يوسف البصري ( أبو يوسف ) الذي نسب لقاطع أربيل وعدد من الرفاق لصيد السمك في النهر القريب من المقر وعادة ما يرافقه أخي النصير ( أبو سوزان ) ويعودون مساء" بدون نتيجة، كما وحدثني أخي النصير أبو سوزان في قاطع بهدينان بأنه خرج عدة مرات مع أبو العباس للصيد وكان يقضي ساعات الظهيرة يرمي سنارته في نهر الزاب وحتى المساء دون جدوي ولكن أسعفه الحظ مرة بصيد سمكة صغيرة لا يتجاوز طولها 12 سم وعاد بها فرحا" واضعا" أياها على كتفه الأيسر ويتفاخر بها أمام الرفاق الأنصار في القاطع. أما الرفيق راهي مهاجر خضير ( أبو ربيع ) فقال لي عندما ألتقيته في ميونخ / ألمانيا صيف عام 2001 بأن الرفيق ( أبو يوسف ) في أربيل قد صاد سمكة كبيرة جدا" وألتقط صورة وهو يحملها وأرسلها الى أبو العباس في بهدينان ليذكره بأنه أفضل منه في صيد السمك.

الهوامش .....

ـ أبو أسطيف هو الفقيد حامد الجنابي توفي عام 2010 ... ( المعد )

يتبع في الفصل السابع