من الذاكـرة : الرفيق زكي خيري والأنشقاق والأيام الصعبة / فائز الحيدر

الجزء الأول

في فترة الستينات وقبل الأنشقاق كان الحزب الشيوعي العراقي يمر بظروف صعبة جدا"، وبسبب الصلة العائلية التي تربطنا بالشهيد ستار خضير تحول بيتنا الكائن في أحد الأحياء الشعبية في بغداد الى بيت حزبي تعقد فيه أحيانا" اجتماعات اللجنة المركزية وتعرفنا على العديد من الرفاق، وكان علينا في تلك الساعات ان نهيأ الظروف المناسبة لعقد هذه الأجتماعات قبل ساعات والتأكد من سلامة المنطقة، وتوفير حاجة المجتمعين.

في عام 1967 حدثت تطورات هامة وخطيرة في حياة الحزب الداخلية ومنها انعقاد اجتماع اللجنة المركزية في شباط 1967، وكان هناك شعور داخل الحزب، بان هناك تقصير من قبل اللجنة المركزية في عدم عقد المؤتمر الثاني للحزب رغم مرور أكثر من عقدين على المؤتمر الأول وابتعادها عن الخط الماركسي اللينيني.
وفي تلك الفترة تفشت في صفوف الحزب بلبلة فكرية كانت تزداد مع مضي الوقت، وهي على نوعين، الأولى بلبلة ذاتية نبعت من ظروف الحزب الخاصة وعمّقتها الأخطاء السياسية التي إرتكبها الحزب، والثانية موضوعية، وكانت تعاني منها كل الحركة الشيوعية والعمالية العالمية وانعكست آثارها على الحزب الشيوعي العراقي.
فأخذت بعض المنظمات التابعة للجنة منطقة بغداد وعدد من أعضاء اللجنة المركزية يجاهرون بمعارضتهم الشديدة للجنة المركزية وقيادة الحزب، وسمحوا لأنفسهم بالتبشير بآرائهم الخاصة، وقد جرّ نشاطها هذا الى البلبلة والتفكك في منظمة العاصمة بغداد وهي أكبر منظمات الحزب .

في تأريخ 17 ايلول 1967 اعلن عن انشقاق الحزب، وأصدر المنشقون بياناً بعنوان قرارات الاجتماع الحزبي الاستثنائي لإدانة اللجنة المركزية، وأعلن عن تشكيل ( قيادة مركزية مؤقتة ) برئاسة عزيز الحاج... ورافق انشقاقهم هذا أعمال عنف غير مبرر بحق رفاق الأمس، لقد جرف الانشقاق معه الكثير من المنظمات القاعدية والكوادر الوسطية في بغداد وأربعة أعضاء من مجموع اربعة عشر عضوا يشكلون لجنة منطقة بغداد، وعضوين من لجان الاختصاص المركزية، وأجزاء من المنظمات في السليمانية وأربيل والفرات الأوسط وعناصر حزبية نشطة في محافظات مختلفة.

بعد يومين من الأنشقاق عقدت اللجنة المركزية اجتماعاً طارئاً في 19 / ايلول / 19 ادانت ما أقدمت عليه هذه المجموعة، وقررت طرد أقطابها من الحزب وهم كل من عزيز الحاج وحسين جواد الكمر وبيتر يوسف وآخرين.
بعد ايام من أنشقاق الحزب في 17 / أيلول / 1967 كان الشهيد ستار خضير يتردد علينا بإستمرار وبحذر شديد، كان يقضي ساعات عدة يتحدث فيها عن الأنشقاق وتأثيره على عمل الحزب ويجري بعض الأتصالات التلفونية مع رفاقه، وعادة ما يترك البيت لساعات ويعود ثانية مع رفيق او أثنين لا نعرف أحدا" منهم سوى الرفيق الفقيد ثابت حبيب العاني الذي كان يتردد علينا بإستمرار.

في الأيام الأولى لأعلان الأنشقاق أقترن عمل الكتلة المنشقة بأساليب فوضوية ولصوصية وارهاب فردي ضد رفاق الحزب المعارضين لهم، وقامت بإعتقال عدد من الرفاق كان من بينهم الرفيق الفقيد زكي خيري والرفيق بهاء الدين نوري ووضعهم في الحجز الأجباري، لكن في اليوم الثاني من الحجز تمكن بهاء الدين نوري من الهرب بينما بقي الرفيق زكي خيري في الحجز وتحت الحراسة لحوالي عشرين يوما" حتى هروبه بمساعدة بعض الرفاق وكانت حياته مهددة بالخطر لذلك كان يتم البحث عن مكان آمن للحفاظ على حياته يقضي فيه بعض الأيام ولغاية هدوء الأوضاع.

في منتصف احد الأيام جاءنا الشهيد ستار وأنفرد معي واخوتي ليحدثني بهمس في احدى غرف البيت، بعيدا" عن الجميع مستفسرا" عن مدى امكانية ضيافة احد الرفاق القياديين في الحزب في البيت لعدة ايام، ثم غادر البيت سريعا" دون ان نعرف من الضيف القادم ليعود بعد ساعات قليلة ومعه الرفيق الفقيد زكي خيري ( ابو يحيى ) وقد بان عليه التعب والأعياء، ساعدته في حمل حقيبته الصغيرة، وفي دقائق ولتواضعه اصبح أحد افراد البيت يدردش مع الجميع وكأنه ذا معرفة سابقة معهم، مع توصية من الشهيد ستار خضير قبل ان يغادرنا بالأهتمام به وتلبية كافة احتياجاته.