مذكرات بيشمركة / 62/ سعيد الياس شابو/كامران            

المزرعة السعيدة والنمط التفكيري!

2014.02.16

كلما بحثنا عن الحقيقة .. لنراها بالعين المجردة تارة وأخرى بالناظور ومن ثم أمور لا يمكن رؤياها أو بالشكل الآخر  تأثرت بالتراكمات الزمنية وما شاكلها من الغطاءات المتنوعة وليكن الحال  هكذا طالما الذهنيات ونمط التفكير عند البعض من الرفاق قد يكون بعيدا كل البعد عن مدى تحقيق الشعار الأنصاري بأسقاط السطة الدكتاتورية القمعية بالتفكير الذي لم يكن بمستوى الحدثّ!

وبعد العودة من السفر أو السفرة المتعبة والسريعة والمضاعفات والتجريد من السلاح ! ، كانت مزرعتنا السعيدة منبهرة وتتحدث عما في خلدها وما تحتويه من المنوعات من الخضروات والتي كنا بأمس الحاجة اليها للقوت اليومي  للأنصار البيشمركة ، والأرض الطيبة لم تشتكي من المعاول والمجارف ومن محراث زلفي القروي .. لا بل أكثر من هذا حتى ورود المزرعة السعيدة كانت هي الاخرى يفوح منها عطور الأرض الطيبة و المتروكة لحقبة من الزمن !

صيف من عام 1981 مقر كوستا الصيفي .. وبعد التجريد من السلاح كعقوبة لمدة اسبوع !!!!!!! ، ومني أنا .. ثلاث أسابيع مدعومة  !!! لم يفهمها الرفيق الطيب آمر الفصيل أبو آمال والمسؤول السياسي الرفيق أبو جواد الطيب ( أبو شذى الناصرية )!، وكم كانت ليالي هنيئة أن تقضيها بدون الحراسات والواجبات الليلية في حال تواجدها ؟! وفي الليلة الأولى والثانية والثالثة ... شعروا الربع بأرتكاب خطأ ما ! ولكن فعلوه ! وإذ بأبو آمال .. جاء من جديد هامسا في أذني بصوت خافت ومكسور الخاطر ... رفيق أنت حرس من ساعة كذا .. لكيت ! وعندما تكون النيات والنوايا طيبة ..... فلا يفكر الانسان بالعواقب ولا بالمضاعفات ولا ولا ...! وكان الرد .. لا يا رفيق ! وكيف توازن بين الجرد من السلاح والالتزام بالحراسات ؟! ورد قائلا ...... ها رفيق مو أحنة رفاق وانت وأنت !! فكان الجواب بالنفي القاطع من قبلي والتزامي بالأوامر المكتبية أي مكتب الفصيل ! علما كان المقر قاعدة وليس مقر فصيل  فقط ! أي أيام يكون الموجود من 50-60 نصير وأيام أخرى ليس من المستغرب من أن يكون الموجود 10 بيشمركة فقط !

اقتنع من حيث لم يقتنع ! عاد الى الفصيل ليرسل أبو جواد المسؤول السياسي وليتدخل بالموضوع ... وكان ردي قاسيا على الرفيق أبو جواد بحيث استلمته حاصلا فاصل !! وكان قد أكتفى بكتابة التقرير للفوج وهددني بالكتابة الى المكتب السياسي .. فلم أقصر معه بعد التهديد والوعيد .. بل أغضبني أكثر .. أخبطت الأخضر باليابس ! الرفاق جلهم لم يشاهدوا موقفا مثل هذا ! وبالمناسبة الرفيق أبو جواد كان مركزه الحزبي أقوى تنظيميا من مسؤول الفصيل ... المهم  .. العزيز أبو جواد كان يتعامل مع رفاق الفصيل وكأنهم طلاب مدرسة ابتدائية أو ما شابهها .. وقبل هذه الفترة كان النصير أبو جواد .. يبلغ رفاق الفصيل بأن يكونوا جاهزين للتفتيش في الصباح وينظر الى قيافتهم وأياديهم وكأننا في رهط الجيش العراقي ! . ولم يكتفي بهذا فقط ! وانما ذهب الى أبعد ... أي أصر على منع الرفاق الدكتور أبو هفال وأبو دنيا من السماع لراديو مونتيكارلو ..  وهنا بيكبن .. لندن !! وصارت المناقشات والمداخلاات والمعارضات وكنت من المدافعين اللدودين على الرفاق لكوني من الرفاق القدامى والمخابر الوحيد في القاعدة  ، وبعد ذلك أدخلت كل من الرفيقان أبو ديمتري وأبو خلود أي بعد تعليهما وممارستهما العمل الفعلي  للمخابرة والعمل على الجهاز اللاسلكي في القاعدة.

أصبحنا مع الرفيق أبو جواد لا نطاق يعضنا بعضا .. أصبحنا في خلاف دائم ! وفي ليلة من ليالي .. يقول الرفيق مام خضر روسي .. هاورئ كامران .. بلكت الليلة تلزم الحراسة وتساعدني .. من أن أنام مرتاحا ! فقلت ... لا يا مام خدر .. أنا في فترة النقاهة ! والراحة والاستجمام الكوستوية !

ولكنني التزمت الخفارة اليومية وذلك تضامنا مع الرفاق والتزمت بما يلقي على عاتقي من الفهم والتعاون الأنصاري وبعيدا عن الذهنيات التي قد حاربناها في السابق ! أي مادام نأكل .. فعلينا الالتزام بخدمة الرفاق ... وفي ذات يوم أقترحت على الرفاق من أنني سأعمل لكم وجبة خيار بدل الشجر في صنع المرق ! فكان رد الرفاق ....................... لا هاي شنو ؟! شلون يصير أي كيف يمكن صنع مرق الخيار؟! والحديث كان شيقا .. بعد تناولهم الوجبة الحقيقية من مرق الخيار اللذيد وبالبصل والطماطة المحلية وبأضافة الكرفس الجبلي وكلها من مزرعتنا السعيدة ، وبعد تناولنا الرز والمرق أي مرق الخيار .. ومن ثم الاستفسار من قبلي حول طعم المرق ؟ ..... ئي عاشت أيدك رفيق كامو .... فعلا طيبة ! وسرعات ما تدفقت القهقهات وبعلو صوتي  وبضحكة تسمع من بعيد لكوني حققت ما ذهبت اليه من نمطي في التفكير .. فأما نمطية الرفاق الآخرين والتي سببت الكثير من الأشكال للرفاق وهناك من ترك الأنصار والحزب بعيد عدم شعورهم وكونهم فعلا أحرار و أنصار الحزب للمضايقات المتنوعة ! وهذه الحالات وإن كانت هي قليلة جدا .. إلا أنها كانت موجودة  على الجداول !.

الرفيق أبو شوان والذي رحل قبل حوالي أكثر من شهر  .. والرفيق أبو شوان الكل يشهد لما قدمه للحزب طيلة مسيرة الحزب في العقود الماضية ومدى شجاعته وبسالته واشادة الرفاق بذات الرفيق ، وصل الرفيق أبو شوان في خرييف 1981 ومعه رفيقتان  شابتان  أبنته وأبنة الرفيق نائب عبدالله وشاب صغير لا يتجاوز الرابعة أو الخامسة عشرة من العمر .. وفي طريقهم الى قاطع بهدينان ... وإذ بالرفيق أبو شوان يطلب منا بغل أي حيوان لآستخدامه كواسطة نقل  جبلية وحاجتهم اليه .. طالبا بتوفير بغل ! وسرعان ما جاوبناه بأننا لا نمتلك بغل في الوقت الحالي ! وفعلا في ذلك الوقت كنا نفتقر الى البغال والموجودة منها  في السابق كانت في الواجبات ، وإذ بالرفيق الراحل .. طاب ذكره .. يقول الرفيق أبو شوان ... ئي شلون ما تدبرون لي حيوان وأنا منذ ثلاثين سنة شيوعي .. أنظروا الى طيبة الشيوعيين ونمطية تفكيرهم أحيانا ! وربما كان يصر على أن ندبر له حيوان وبأي ثمن كان نظرا لحاجتهم اليه وهم مستحقين بذلك ! ولكن علينا أن نفهمها  وهي طايرة ؟! طاب ذكرك أيها الرفيق الطيب أبو شوان وقبله الرفيق الفقيد ماجد عبدالرضى والرفاق الآخرين .

الرفيقان العزيزان أبو فاروق وأبو سلام .

وفي خريف من عام 1981 وصل الرفيقان الى مقر كوستا بغية المشاركة في اجتماع اللجنة المركزية الاجتماع المزمع عقده في سوريا فيما بعد .. وبعد وصولهما الى مقرنا .. ( الشياب ) .. وحسب قول القروي الشاب الصغير فرست ( فرصت ) والذي جاء للعلاج لكونه مجروح بالداس أو الطبر ! ومكث ابن قرية ( كؤله كه ) لأكثر من اسبوع في المقر .. بعد أن كان مام خضر روسي يقود المفارز لجلب الأرزاق من المنطقة والى المقر .. الشاب فرصت أصبح يتكلم بهاورييان ... رفيق .. وتعلم بعض المفردات العربية وأصبح ينتقد الشياب الموجودان في المقر ، ألا وهما أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية الرفيقين أبو فاروق وأبو سلام وهم لايزالان على قيد الحياة والله يطول بعمرهما وبعمر كل الرفاق .

فسأل فرصت القروي .. مو أنتم شياب وكذلك صاحبنا تحسين القروي الذي جاء ليوصلهما عن الطريق السريع ، وهو الآخر مستهزءا بعمر الشياب الملتحقين الجدد ! بابه .... دروحوا أقعدوا في البيت ! أنتم شنو .. يستفاد الحزب من عندكم ؟! وهكذا قضينا أيام .. والألطف من ذلك والحديث الشيق بين الملتحقان الجدد ونكتهما ومزحهما ونصبهما الذي تعلمت منه الكثير في القادم من الأيام ، كان للرفيق أبو سلام / بهاءالدين نوري ماكنة حلاقة تعمل على الباتري .. وهو محتفظ فيها وحاميها أكثر من كل الأشياء الأخرى لكونه لا يستخدم الفرشة ومعجون الحلاقة والعدة الحلاقية ... وبمجرد اخراجها من الكيس ووضعها أمامه ليواصل ويبدأ  بحلاقة الذقن لكونه لا يحب أي يظهر بمظهر العجوز ! فسرعان ما تناول الشاب القروي الرفيق فرصت الماكنة ومن ثم فتحها بقوة ! بحيث أصبح العطب نصيبها ! ومن ثم غضب أبو سلام على الشاب وفعلته الشنيعة ! فجاوبه الرفيق أبو فاروق / عمر علي الشيخ ، هي كانت مكسورة أصلا .. لماذا هذا الغضب والتعصب ؟! فجاوبه ودعمه فرست .. بلي كانت مكسورة ! ولماذا تتعصب علية ؟! والحالة صعدت عند أبو سلام وهكذا كان المشهد فيه الكثير والكثير الذي من المزح والتشقلة .

طاب فرصت وغادرنا وعاد الى أهله بسلام بعد فترة النقاهة والعلاج .

اقتتال بين الاخوة الأعداء تارة والمتحاربين تارة أخرى !

............................................................

وفي الخريف من عام 1981 أشعلت الفتيلة .. أي فتيلة الاقتتال الداخلي النسبي في مناطق ذاك الصوب .. أي مناطق جبل كاروخ ودركلة وو ...!  بين قوات جود والاتحاد الوطني الكوردستاني .. بحيث تشنج الوضع العسكري والسياسي للأطراف والأحزاب وبعد فترة قصيرة توقف الاقتتال ومن ثم البدأ بالمفاوضات بين أطراف النزاع أخذ مجراه! وبالرغم من اصلاح الوضعية التعيسة وترتيبها فيما بعد .. إلا أن تفاعلاتها وتجلياتها وآثارها السلبية وانعكاساتها بقيت في القواميس والدرابين المظلمة وخبايا الزمن القادم .