مذكرات بيشمركة 89/  سعيد الياس شابو / كامران

القائد الأنصاري ملازم خضر / أبو عايد
والأنسحاب المنظم من شيخ وسان !

2020.06.10
في العشرين من شهر آذار من عام 1983 ميلادية من القرن المنصرم تحركت مفرزة كبيرة تقارب بين الثلاثين والأربعين من المقاتلين الأنصار البيشمركة لحزبنا الشيوعي العراقي وبقيادة الرفيق مام خدر كاكيل وارفيق أبو علي الشايب والرفاق الآخرين .... والقوة مشكلة من السريتان في سريشمة وروست ، متوجهة الى ذاك الصوب .. أي الى بشت آشان وليوزة من طرف ومقر قاطع أربيل في شيخ وسان من الطرف الآخر .
أنطلقت المفرزة المتحزمة لتتحرك في المساء المتأخر وعتمة الليل .. لكي يبدأ مسيرها الليلي وهي منطلقة من المقرات ومتجهة نحو الطريق العلوي للقرى جيزان و جيزلنكئ ، بحيث أنظم الرفيق رنجبر الى المفرزة وحتى شارع العبور ، وبعد عبور الشارع المفعم بالخطورة وبالرغم من برودة الطقس والثلوج الكثيفة التي سقطت بالشتاء وكثرة الأمطار الموسمية وصعوبة العبور من النهر الهائج والقادم من عدة جهات و أتجاهات أي مناطق حاج عمران وجومان وكلالة والجبال والوديان الواقعة في طرفي النهر أي نهر ريزان .. إلا أن عزيمة الثوار وهي قاهرة للطبيعة . وبالرغم من أن كان هناك جسرفي المنطقة بحيث تعلوه ربيتان عسكريتان مسيطرتان على الجسر والمنطقة إلا أن خيارنا كان العبور من النهر ! وفي عشية عيد نوروز ، وعند العبور تبقى الإجتهادات والخيارات لكل شخص من أن يقرر في تلك اللحظة .. كيف يعبر .. بكامل ملابسه وعدته أو منزوعا منها وملفوفة على شكل شدة يربطها على ظهره أو عنقه !! المهم عبرنا بقدرة قادر .. مياه نهر ريزان والنهر الفائض كادت مياهه المجنونة من أن تغدر بنا لو لا تماسك الأيدي والسواعد مشكلة طاقة وقوة إضافية .
وبعيد عبور النهر وسلامة الجميع ، بحيث كانت الكتل الثلجية الصغيرة لا تزال تجد موقعا على ضفتي النهر وحواليه ، وما الحسابات الكثيرة إلا وأنت مرغم بالعبور وتحمل كل العواقب الممكن تحديها وتجاوزها والوقوع بها في الحالات السيئة !
وفي الصباح الباكر بحيث أصبحت الرؤية الواضحة تحدد الأشياء . بلغنا الشارع وقرية رزوكريان ( الفحامة ) وكانت القهوة أي الجايخانة تستضيف روادها ، ولقت أبصارنا على بيشمركة الأخوة الأتحاد الوطني ( أوك ) وكانوا بكامل عدتهم ، وكانت النظرات غبر مريحة من طرفينا .. هكذا قرأتها في حينها !!
وفي قرية ( ره زوكه ريان ) قرية الفحامة ، تفرقنا الى مفرزتين ، نحن الثمانية كنا قاصدين قاطع أربيل .. أتجهنا نحو اليمين أي بأتجاه قرية ( دركلة ) ومفرزة الرفيق خدر كاكيلي قصدوا اليسار ومتجهين الة قرية ( ليوزة ) ومقر الرفاق روستم وحاجي جمال وأبو دلشاد والرفاق الآخرين . ومتحدثا وطالبا مني خدر كاكيلي أي من كاتب السطور من أن أكون معهم وأنه أي مام خدر بعد حين وهو الآخر يروم زيارة القاطع ! إلا إنني لم أقتنع بالتوجه الى المنطقة ! فهم واصلوا بطريقهم الى ليوزة ونحن الى دركلة بحيث تناولنا وجبة فطور عند بيوت الرفاق وعند رؤية قرية دركلة تمنيت من أن أسكنها في حال السلام والأستقرار لو أمكن !
وعبر المناطق والقرى والجبال والوديان الجميلة وصلت مفرزتنا الى مقر القاطع بحيث الرفاق الذين لم نكن نراهم لسنين وربما منذ التحاقهم لأول مرة .
وقرية شيخ وسان تسبق .. قرية باليسان وتحيطهما جبال ومرتفعات مطلة على المنطقة من جهة الشرق ، وما وراء تلك الجبال ثمة وادي سحيق وعاصي ومحيط بالجبال والذي تعودنا على ذكر أسمه لأكثر من مرة .. ألا وهو وادي ( مه له كان ) الشهير والعاصي والجميل بطبيعة تكوينه والمقاوم لكل الحكومات والأنظمة ! فأما من جهة غرب القريتين أو القريتان فجبل ( هه ور ئ ) وجبل هوري وهي سلسلة ممتدة تطول من الشارع الممتد بين شقلاوة وسيساوة ومتواصلا الى مناطق عليا جغرافيا وتلك القرى والمناطق الجميلة والى أن يبلغ مناطق ( جيوة ) ومنطقة بيتواته والى أن يبلغ بالقرب من منطقة و بلدة ( جوارقورنة ).
والمنطقة برمتها أي وادي آلانه وقراه العديدة كانت مناطق تابعة لبيشمركة الأحزاب المتمثلة بالجود من طرف .. ومن الطرف الآخر حزب الأتحاد الوطني الكوردستاني ، بحيث تتواجد ومتمركزة قوات أوك بالدرجة الأساسية في قرية باليسان و شيري العليا والسفلة و كاني برد وقرى أخرى ومفارز جوالة صاعد نازل .
فأما قوات جود والمتمثلة بالأحزاب الأشتراكي الكوردستاني السوسياليست ، الديمقراطي الكوردستاني البارتي . والشيوعي العراقي ، حشع ، والمتمركزين في قرى شيخ وسان . توتمة ، بناوي ، وملكان ومفارز جوالة صاعد نازل ! أي كنا جوارين غير حميدين ولا نحبذ البعض أي أحزاب جود وأوك !!
وكان ربيع تلك السنة ممطرا وحركة المفارز مستمرة والتشنجات والصدامات والعداء واللقاءت جلها غير حميدة ولا تبشر بالخير! لابل كان الطين يزيد ويزداد بله تدريجيا في الآونة الأخيرة ، ومن ثم كانت بعض العوائل والتي لها بيشمركة أنصار تنتهز الفرص للقيام بزيارات لأولادها ومحبيها وهي قادمة من المدن والبلدات حاملة معها وفي علاليكها وقدورها وفي أكياسها وصناديقها ما لذ وطاب .. لكون البيشمركة محرومين من الكثير من المواد الغذائية والضروريات الأخرى ، وسأكتفي بسرد القليل القليل جدا منها !
المدرسة الوحيدة في قرية شيخ وسان والتي كان التدريس فيها معطلا نتيجة الحرب العراقية الأيرانية وسيطرة قوات المعارضة على تلك القرى أي نحن وأوك ، وغياب المعلمين من تلك المارس مع الفرارية منهم والذين أختاروا القرى الكوردستانية المحررة مواقع سكناهم وبحماية البيشمركة !! وبالرغم من حمايتهم إلا أن قسم منهم كانوا يعادونا بشكل وآخر ، والقسم القليل ظل وفيا في تلك القرى ينتظر بفارغ الصبر الأنفراج الغيبي !
كان موقع قاطع أربيل ورفاقه هو المدرسة المبنية بعد انهيار الحركة الكوردية في عام 1975 وحتى الشوارع التي كانت قد شقت طرقها عبر الشركات ومنها الشركات الرومانية وطبليتها الجيد الغير مغشوش كانت من ضمن الخطط العسكرية ! والمدرسة الكبيرة نوعا ما كانت ذو غرف وصفوف تستوعب للمئات القليلة من الطلاب مع المرافق الأخرى كالمخزن وغرف الأدارة والمرافق الصحية وما الى ذلك وهي أي المدرسة كانت بالقرب من المقبرة الكبيرة للقرية وتبتعد عشرات الأمتار عن القرية .
وعند بلوغنا القرية بحيث لم يكن لنا موقع في الغرف للمنام .. أي كل الغرف والقاعات مليئة بانصار القاطع والأقليم ومحلية أربيل للحزب . ونحن أخترنا المنام في جامع القرية لأسابيع ، ومن ثم تناول الوجبات الغذائية في المقر ، وعوائل رفاقنا المترددة لزيارات أبنائها كانت تجلب المقسوم ومن ثم يشارك الأكثرية بما يتوفر في تلك الجداري والعلاليق !!
وفي ذات يوم قدمت للزيارة أخوات الرفيق خيري العراقي لزيارته في شيخ وسان ، علما كان مقرهم أي سرية ملكان في قرية ملكان ونوعا ما بعيد لساعات أربع أو خمس سيرا على الأقدام في حال الصحة الموفورة لعابرين الجبال سيرا على الأقدام ! المهم رحبنا بهن وأستلمنا البضاعة التي جلبوها لأخيهن ، وهن فرحات بلقائنا إلا أن أخيهن كان غائبا .. أستلمت الحاجيات وإذ بخمس قمصان جديدة ومن النوع الجيد والمحبذة عند الرفيق أي ذات الطباقات وليس الدكم ! مع الكليجة والحلويات .. وبدون علم خيري وزعت القمصان الأربعة !!!! وتركت قميص له للذكرى ! والحلويات هكذا ألتهمناها بالسرعة الفائقة , وبعد فترة توجهت إلينا مفرزة قادمة من ملكان وهو أمرها .. وأستلم القميص مع التفاصيل بالحديث لما جرى ! فشكرني دون أية إنزعاج منه !
فأما عن ربيع المنطقة برمتها فحدث ولا حرج كما توصفه الروايات .. البيئة التي يعتاش عليها الأنسان والحيوان والكائنات الحية الأخرى .. والمروج والمراعي والأشجار المثمرة المتنوعة وينابيع المياه العذبة وزراعة البساتين والكروم والمواقع السياحية الجميلة .. جلها لا تحلو بعيون الأنسان ويصبح ناكر الجميل في الكثير من الأحيان !
وفي ذلك الربيع المتشنج بشريا ومعكرا للمزاج القروي أكثر من المزاج الأنصاري وما حمله في طياته من مفاهيم تعيسة وإنكسارات منيت بها كل الأطراف المتصارعة على الحلبات وما سجله التأريخ من مآسي وقساوة وأحتراب وإسالة الدم وكتابة التأريخ والى يومنا هذا لا يوجد أي حل لتسوية الخلافات بالشكل المرضي والحقيقي لما آل اليه الوضع وتخرصاته بالرغم من حكم الأحزاب الكوردية المتصارعة وبلغوها سدة الجكم الفاشل !!!!!
علما كانت هناك أيام للتمتع بها وبلطافة طقسها أي المنطقة والخروج الى البساتين لأستنشاق الهواء النقي وتناول الكأس المتوفر أحيانا مع المشوي ومساهمة الرفاق بالخدمة ، وما هو بين السطور هو أكثر بكثير من كتابة السطور المدونة في هذه الأوراق !
وفي الأيام الأخيرة قبل وقوع القتال بين طرفي الصراع المتحاربين على من سيربح المليون ، كانت سيطرة الأتحاد الوطني في باليسان تطلب الهويات من العوائل القادمة الينا وتدون أسمائهم للأحتفاض بها ! وفي كل ساعة ويوم كان التشنج والعداء يزداد سوءا وبغضا وحماقة!!
الأنسحاب التأريحي والمنظم!
......................................
بعد مرور أربعة أيام من معركة باليسان والحرب الباردة وخلق أجواء معكرة صفاء المنطقة وساكنيها ! وإذ بخبر يذاع عبر مذياع إذاعة الأتحاد الوطني الكوردستاني ومفاده سقوط بشت آشان بيد قوات أوك ، والهجوم اللاذع والحماسي التعيس والمفعم بالعداء والعنجهية على الحزب الشيوعي العراقي وقيادته ورفاقه المسالمين متهيمننا أي الحزب وقيادته بالتحريفيين !!!!!
وأصبحت المعادلة معكوسة ( والنصر) في شيخ وسان وباليسان .. أصبح مرا كالعلقم نتيجة ما حصل في مقرات وقاعدة بشت آشان مع التفاصيل الأخرى !!
أجل في المعارك .. فأما تربح وتتفوق عسكريا وسياسيا ! أو .. أما تخسر وتنكسر عسكريا وسياسيا وفي كلا الحالتين الطرفان في حسابات المباديء الحقيقية وهم خسرانين .
وكانت الحالة في منطقة باليسان وشيخ وسان مقززة وأخذت طابع المجابهة الغير مسلحة سوى نصب الكمائن في المنطقة !! وهذا ما طال سوى الأيام الثلاثة بعد مجزرة بشت آشان والخسائر التي منيت بها أحزاب جود ونال حزبنا حصة الأسد منها من الأستشهاد والأسر والخسائر المادية بما يتضمنه السلاح والمال والذخائر وممتلكات أخرى كالاذاعة .
كنا قد تركنا الربية العليا من على الجبل لنتناوب على الكمائن والواجبات الأخرى المناطة بنا ليل نهار ومنها الكمائن الأمامية في مواقعنا .
الجموع أصابه التذمر بمجرد إصغائنا للأخبار المتلاحقة . وأصبحنا نحلل ونفسر ونضرب ونقسم وما الى ذلك وكيفية الخروج من الحالة العصيبة والغير متوقعة من قبل قيادات الحزب العسكرية والسياسية ، ولهذا الموضوع تحليل آخر !
... في الثالث أو الرابع من شهر أيار من عام 1983 تم أقرار الأنسحاب وبعد أجتماع بين أحزاب جود ودراسة الأوضاع والمستجدات في توازن القوة بين المتصارعين ، ولا أعرف فيما كانت هناك نداءات من الحزب بخصوص الأنسحاب أم من عدمه !!
وفي الثاني أو الثالث من آذار دعوني قيادة القاطع السياسية والعسكرية والمتمثلة بالرفاق أبو حكمت وأبو عايد ملازم خضر وكان بعيدا عنهم الرفيق أبو جبار إداري القاطع والرفيق ثابت حبيب العاني وهو الآخر كان بعيدا .. دعوني في غرفتهم للأستفسار حول إيجاد وعلمي بالطريق الذي يقودنا الى روست والمنطقة وعبر جبل بني حرير ومنطقة خليفان لتجاوز الشارع ومن ثم منطقة برادوست ومقر روست ؟! وكان جوابي أنا لم أسلك هذا الطريق المطلوب وليس لي معرفة تامة كدليل ، سوى معرفتي القليلة بجبل بني هرير والأكثر في منطقة برادوست !
وفي اليوم التالي قرروا أحزاب جود الأنسحاب لقوات يزيد عددها عن ( 1200 ) مقاتل لأحزاب جود . وكانت قوات حزبنا هي الأكثرية الساحقة في ذلك الوقت أي تقدر ب 800 مقاتل وأكثر ما عدى الكوادر الموجودين في مناطقهم ، مع الأخوة البارتي والأشتراكي والتي كانت تقدر قوتيهما ب 200 + 200 لكل منهما في ذلك الوقت .
كان هناك أربعة من العاصين على الحكومة من الفرارية والذين كان اثنان منهم في قرية شيخ وسان ومؤجرين غرفة عند فلاح قروي وهم محسوبين على ملاكنا وأثنان في قرية بناوي وحالتهم لا تختلف عن بعضهما !! وأبلغتهما بالخبر وهم شاكريني لأنقاذهما من البقاء في المنطقة لكون لا أحد أعلمهم بخبر الأنسحاب السريع والمفاجيء وحملوا ما لم يحمله!!
... بدأ الأنسحاب بعد وجبة الغذاء الأخيرة في مقر القاطع ومحلية أربيل وبين الثانية عشرة والواحدة ظهرا ..وزعت ما يمكن توزيعه من الذخيرة والخبز والمعلبات والعتاد والأدوية والبطانيات وما الى ذلك من الموجودات الضرورية على الرفاق وحمل كل حسب طاقته وكل حسب حاجته !!.
تخيلو المنظر بكل صوره الجميلة والمحزنة في آن واحد !! وبدأ المسير من المقر وبرتل ليس له نظير ولم أشاهده قط .. المئات معقبة ومشكلة أرتال غير مبتعدة عن بعضها الآخر ، الوجهة مجهولة تقريبا لو لم يسألوني رفاق القيادة , بلغنا بالقرب من قرية بناوي قرية مام رسول وهو كان ضمن الأدلاء في المنطقة مع الأدلاء الآخرين ، أستراحة في الموقع لحين التجمع من قبل الكل أي نحن والأحزاب الحليفة ، كان لي بطل عرق مضموم بالعليجة وبالرغم من الممنوعية بتناول الكحول إلا أني كنت محتفظا به ! وعند الأستراحة ولأجل تخفيف الحمل أخرجته من العليجة ، ومع الرفاق أبو جنان وأبو علي الشايب وهيوا وصاحب البطل .. نطحناه أية نطحة في ذلك الربيع ! وبدأنا بالصعود في حوالي الساعة الرابعة عصرا ، وجبل بني هرير / حرير ، في السابق عند الصعود على الجبل كان العطش يهلكنا !! ففي هذه المرة العرق كان عاملا مساعدا بكسر العطش ! يجوز مسلألة علمية ونحن لا نعلم شيئا عنها !
بركة المياه الآسنة على سطح جبل بني حرير !
.........................................
الذي كان معلوما عندنا والأهم من كل ذلك ألا وهو عدم وجود المياه والماء والمي على جبل بني هرير الشاسع والواسع بمساحته ، سوى مصدر واحد وهو ( كوناو ) أي ثقب الماء ومصدره في كهف في عمق الجبل ومجهول المكان سوى للعارفين في الجبل شبرا شبرا ومن أهالي المنطقة ، ويمكن أن تحصل على لتر من الماء وتنتظر أكثر من ساعة وهو ليس على طريقنا !
بينما نحن والربيع والطقس الحار نوعا ما وشهر أيار والصعود الجبلي لأكثر من ساعة ، وإذ ببركة مياه أسطناعية تقدر مساحتها بفلكة كبيرة وتستوعب لحوالي 300 برميل ذو سعة مائتان لتر وبألوان زاهية منها الأزرق والأخضر والرمادي وربما البنفسجي ، صنعوها الفلاحين أصخاب الماشية الغنم والماعز والأبقار لسقي حيواناتهم كلها زائدا البغال والكلاب ، وحتى التشطيف التحتي وغسل الهدوم الملابس في أواني الغسيل ، الطشوتة كلها في البركة توجد لها مكان !
وفور وصول المجموعة الأولى الى القسم العلوي للجبل ولقت أنظارنا على وسعة الجبل طولا وعرضا ، فنلنا قسطا من الراحة الى أن يكونون كل الرفاق في تجمع وأستلام والأصغاء على التعليمات الصادرة من قيادة الأرتال ، وبنظرة وحساب خاص ودون السؤال من البعض من النساء المتواجدات في الخيم وهن عوائل الرعيان ، رفعت كمامات القميص و الكورتك .. فشرعت بغسل اليدين والوجه ومن ثم كسر العطش بشرب أكثر من لتر ماء وملأ المطارة الزمزمية العسكرية بنفس الماء بعد إزاحة المواد المتجمعة من على سطح الماء وربما تسمى بالطحالب وزقزقة الضفادع من كل حارة وصوب البحيرة الصغيرة ! وعندما رأى البعض من الرفاق الصورة وأنا أشرب وأملأ الزمزمية .. وهم أيضا فعلوا ذلك دون تردد وليس كلهم ! وثم رفاق لعبت أنفسهم من العملية والمشهد متحملين العطش الظالم لساعات كثيرة !
ومن على سطح وأعالي الجبل الذي يشبه السهل وبهضاب وتلول تجمعت الأنصار البيشمركة مشتركة ، والتوجيهات بكيفية المسير المتواصل وعدم المماطلة لأي سبب كان وكانت الرشادات تأتي عبر مسؤولين المجاميع والتسلسل الرتلي .
وبعد مسير لساعات ونحن بطول جبل حرير وليس بعرضه !! وكانت الساعت تشير الى بعد منتصف الليل قليلا ، وهناك البعض من الرفاق الخيرين والأبطال والمناضلين لم تعجبهم الوضعية فأختاروا ، خيارا صعبا ألا وهو ترك القوة والذهاب الى مناطقهم وقراهم !!!!!!!!!! وذلك نكية بالأقتتال الداخلي والتحارب اللاشرعي بين الأخوة الأعداء !!!!!.
وكاتب السطور كان يراقب بكثب عما يجري والأخذ بالحسبان البعص من الحسابات في وقت الشدة وذلك نتيجة الممارسة الفعلية في عسكرية الجيش العراقي وخاصة في الحركات الفعلية من جانب ، والممارسة والخبرة والتجربة لحياة الأنصار البيشمركة ، والمخزون وسرعة البديهية أستوقفتني بعد متابعة وضع الرفيق ملازم خضر بحيث كانت عيناه تكاد أن تخرج من موقعهما وذلك نتيجة التعب والأرهاق والأجهاد والسهر ومتابعة كل الأمور الصغيرة والكبيرة وقيادة كلل المجاميع وتوجيهها ، وكنت أحس من أن وضعية زفاقنا وهي في متاعب ربما لا يحمد عقباها لو حصل سوء ، فتركت موقعي مهرولا الى أبو عايد ... رفيق .. أنا أعلم وعارف وأحس من أننا كلنا وأنت تعبانين الى درجة والوضع في غاية الصعوبة ! والذي أترجاه منك من أن يتوقف الرتل لعشرات الدقائق القلية وأن تخطب بالرفاق خطابا حماسيا بتجاوز المرحلة ونحن منتصرون بإنسحابنا ، والأزدياد في المعنويات وما الى ذلك ، فأقتنع الرفيق أبو عايد بالفكرة وسرعان ما حدث ذلك والخطاب الحماسي !! ومن يتذكر من الرفاق ذلك فليدلي به دون أي تردد ، لأنني قبل سنين ألتقيت الرفيق أبو عايد وذكرته بذلك .. إلا أنه لم يتذكر الخطاب الحماسي نتيجة المتاعب الجمة والمسؤوليات وسنين العمر !